شعار رُحانية العمل

محاضرة في موظفي الكلية العليا للقرآن الكريم في 5ربيع الأول1430هـ 2مارس2009م

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ    

     * الشعار في اللغة : العلَامة  . قال د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات في تحقيقه على (الموطأ) : روى ابن المنذر قال ابن حجر في " الفتح " : إسناده صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول : التلبية شعار الحج فإذا كنت حاجا فلبِّ حتى بدءِ حِلِّك وبدْءُ حِلِّك أن ترمي الجمرة . عن إياس بن سلمة عن أبيه قال :أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أبا بكر  رضي الله عنه  فغزونا ناسا من المشركين فبيَّـتْناهم ( البَيات الطروق ليلا على غفلة للغارة والنهب ) نقتلهم وكان شعارنا تلك الليلة أَمِتْ أَمِتْ ، قال سلمة فقتلتُ بيدي تلك الليلة سبعة أهل بيات من المشركين . قال الشيخ الألباني: حسن . و قال الدارمي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا وكيع عن أبي عميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : بارزت رجلا فقتلته فنفَلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلَبه فكان شعارنا مع خالد بن الوليد: أَمِتْ يعني اقتل . قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح والحديث متفق عليه.ر

     * ولا بد من الصدق في الشعار حتى يكون علامة على الواقع كما في الآثار السابقة ، فإنه كان له تصديق في الواقع.ر

     * وعندما نرفع شعار (روحانية العمل) فلا بد من الصدق في ذلك واقعا .

     *والرُّوحانية : نسبة إلى الروح ، بمعنى أن يغلب أثر الروح على أثر الجسد ويسيطر عليه  أثناء العمل ، ومعنى أن يغلب الروح ، أن يكون الاعتماد على غذاء الروح أظهر من الاعتماد على غذاء الجسد ، وكلٌّ منهما له أهميته ، فإذا كان يحتاج العامل إلى ترتيب ما يخص الجسد من النوم واليقظة ووقت الراحة والطعام والشراب والتمارين ، فإنه يقدم على ذلك برنامج الروح ، لأن الروح به حياة الجسد ، و برنامج الروح هو حياة لهما .ر

     *ومن برنامج الروح أداء الفرائض ثم النوافل ، و منها الصلوات جماعة  والورد القرآني والأذكار ، ومنها أذكار الصباح والمساء ، وأذكار الخروج لأنها ذات أهمية كبرى في النجاح في اليوم العملي ، وصلاة الفجر جماعة ، فإن من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله كما في الحديث الذي أصله في مسلم ، وإجابة النداء إلى المسجد ولو في وقت العمل ، قال ابن مسعود فيما رواه مسلم : ( من سرَّه أن يلْقى الله تعالى مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادَى بهن ـ يعتي في المسجد ـ .... إلى أن قال : و لقد رأيتنا و ما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق) و لا بد من استصحاب الاستخارة في الأمور كلها كما في الحديث عند البخاري ، و إلحاقها بالاستشارة التي يمارسها أهل الإيمان دينا ، إذا كان غيرهم يمارسها لمجرد طلب الخبرة والتجربة ( وأمرهم شورى بينهم) الشورى . و لا بد من الانضباط في العمل بدافع الدين من طاعة المسؤولين في غير معصية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء . وخفض الجناح للمرؤوسين (واخفض جناجك لمن اتبعك من المؤمنين) الشعراء . والتطاوع بين العاملين إذا لم يكن أحدهما مسؤولا (و تطاوعا ولا تختلفا) متفق عليه ، والنصيحة لجهة العمل فـ (الدين النصيحة) رواه مسلم . وأداء العمل بأمانة وإخلاص دون غش (من غشنا فليس منا) متفق عليه . و استشعار مراقبة الله في السر والعلن 0إن الله كان عليكم رقيبا) النساء ، ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن و لا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذْ تُفيضون فيه) يونس .ؤ

     *فإذا كان العامل أو الموظف في ذمة الله بسبب صلاة الفجر جماعة ، وإذا كان بعيدا عن النفاق بسبب أداء جميع الصلوات جماعة في المسجد ، وإذا كان في هداية ووقاية وكفاية بسبب ذِكْر الخروج ، وإذاكان في عصمة نسبية بسبب الاستخارة والاستشارة ، وإذا كان في انسجام مع الآخرين بسبب الطاعة وخفض الجناح والتطاوع ، وإذا كان عالي الانتاج والأداء بسبب الأمانة و الإخلاص واستشعار المراقبة ، وإذا كان محل ثقة يشعر أنه صاحب العمل بسبب النُّصح فإن العمل لاشك سوف يكون نموذجا ، وعلى أعلى المعايير .. و لا يمكن أن يوجد أي عمل على هذا المستوى بإدارة ورقابة مادية دنيوية بسبب تخلُّف الروح التي هي حياة العمل.ؤ

     *وشعار روحانية العمل معناه في الإسلام صدق التطبيق كما سبق ، و هذا هو الفرق الجوهري بيننا و بين غيرنا ، لأننا نعمل لله بإخلاص برقابة ذاتية ، وغيرنا يعمل إذا رؤي مكانه ، أو ليُرى مكانه ، وما أبعد مابين العملين .. و معظم الأعمال لا ينهض بها إلا الجنود المجهولون ، و لا توجد همَّة فعَّالة لا تقف عند حد لهؤلاء المجهولين إلا في الإسلام ، لأن كل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، أو حتى من ينوي شيئا من ذلك ويردُّه ظرف مانع .. وبسبب ذلك فتح المسلمون العالم وأصلحوه في زمن قياسي  وتراجع خالد بن الوليد من القيادة العليا ليصبح جنديا عاديا لأنه لا فرق بين أن يكون في المقدمة أو يكون في الساقة ، فإن الله يراه ويعلم مكانه .. ونهض المجاهدون بما نهضوا به في هذا العصر بعدد قليل ومدَد قليل في كل مواقع الجهاد وعلى رأسها غزة ، وصمدوا بفضل الله صمودا لا تطيقه الجبال .. مما أذهل العدو والصديق ، وليس له من تفسير إلا أنه من آيات الله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) الشورى . ( أومن كان ميتا فأحييناه وحعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) يونس .ؤ

   

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©