تقارُب الزمان و سُرْعةُ انقضاء رمضان

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 29 رمضان 1433هـ الموافق 17 أغسطس 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/zman.mp3

   رواياتٌ في تقارب الزمان :

     قال عليه الصلاة و السلام : (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ، و الشهر كالجمعة ، و تكون الجمعة كاليوم ، و يكون اليوم كالساعة ، و تكون الساعة كالضّرمة بالنار) . رواه أحمد و الترمذي عن أنس . قال الألباني صحيح .

     و قال أحمد حَدَّثَنَا هَاشِمٌ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ)  (السَّعَفَة : الْخُوصَةُ زَعَمَ سُهَيْلٌ) .

    و في المتفق عليه : عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ ـ و في رواية العِلْم ـ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ)  قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : (الْقَتْلُ الْقَتْلُ) .

     بعض معاني المفردات :

    ( يتقارب الزمان ) لعل المعنى تقل بركة الزمان و يقل أثره عند المُفَرِّطين ، كما يمُرّ الزمان عند الصالحين مرورًا سريعًا أيضا رغم استفادتهم منه في العبادات ، وهذا المرور السريع من أجل تخفيف المعاناة عنهم من حصول الفتن الكثيرة ، تمامًا كالتخفيف عن أهل الكهف عندما ناموا ثلاثمائة سنة شمسية و لم يشعروا بها تخفيفا عنهم ، و كما ينام المؤمن في البرزخ في القبر نومة العروس و لا يشعر بمرور الوقت .. على خلاف الفاجر الذي يمرّ عليه الوقت سريعًا أيضا رغم فتح نوافذ عليه إلى النار ، و هذا المرور السريع يشكِّل على الفاجر صدمة عنيفة من هول المصير الذي ينتظره مع أمثاله عندما يقولون كما حكى القرآن : (يا ويلنا مَن بعثَنا من مرقَدنا) يس .

      ( ينقص العمل ) أي الصالح ، لأن الناس منصرفون عن العمل إلى أهوائهم و شهواتهم ، وفي رواية ( العلم ) ، و العلم ينقص بموت العلماء و اتخاذ الناس رؤوسا جهالاً و تهميش البقية القليلة من العلماء .

     ( يُلقى الشح ) و الشح البخل الشديد .. و لعل من الشحّ و البخل إهمال الدول الغنية المسلمة التي وضع الله عندها النفط ، إهمالها للشعوب الفقيرة المسلمة كاليمن والصومال والحبشة وسائر افريقيا ، و إهمالها لسورية المنكوبة الجريحة هذه الأيام و لفلسطين و لمسلمي بورمة المضطهدين ، و لغيرها من الشعوب الإسلامية .

     (وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) و هو القتل ، و منه ما يجري هذه الأيام بصورة ذريعة في سورية التي يتّبع فيها النصيريون الحاقدون و حلفاؤهم سياسة الأرض المحروقة ، و كذلك ما يجري من القتل بالجملة في العراق و في بورمة و في أفغانستان و باكستان و غيرها ، و ما يجري كذلك في بلدنا بسبب الفتن و الصراع .

     و ورد في رواية عند الطبراني تفسير الهرْج بالقتل و الكذب ، و الكذب هو التهريج الإعلامي هذه الأيام الذي يشمل تزييف الوعي و تحريف الدين وترويج الباطل والمستوردات ، و قلب الحقائق .

     جاء في فتح الباري :

     وَاخْتُلِفَ فِي قَوْله " يَتَقَارَب الزَّمَان " فَقِيلَ عَلَى ظَاهِره فَلَا يَظْهَر التَّفَاوُت فِي اللَّيْل وَالنَّهَار بِالْقِصَرِ وَالطُّول ، وَقِيلَ الْمُرَاد قُرْب يَوْم الْقِيَامَة ، وَقِيلَ تَذْهَب الْبَرَكَة فَيَذْهَب الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِسُرْعَةٍ ، وَقِيلَ الْمُرَاد يَتَقَارَب أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان فِي الشَّرّ وَعَدَم الْخَيْر ، وَقِيلَ تَتَقَارَب صُدُور الدُّوَل وَلَا تَطُول مُدَّة أَحَد لِكَثْرَةِ الْفِتَن . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح قَوْله " حَتَّى يَقْتَرِب الزَّمَان " مَعْنَاهُ حَتَّى تَقْرُب الْقِيَامَة ، وَوَهَّاهُ الْكَرْمَانِيُّ وَقَالَ هُوَ مِنْ تَحْصِيل الْحَاصِل ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلْ مَعْنَاهُ قُرْب الزَّمَان الْعَامّ مِنْ الزَّمَان الْخَاصّ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ، وَعِنْد قُرْبه يَقَع مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُور الْمُنْكَرَة .

      بعض آيات في سرعة مرور الزمان :

      قال تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة

     و قال تعالى : (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ) الكهف .

     و قال تعالى : (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ) المؤمنون .

      و قال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) الروم .

     سرعة انقضاء رمضان و مجيء العيد :

     و هكذا انقضى رمضان سريعًا و كلنا شعرنا بذلك ، و هكذا ينقضي العمر سريعا في آخر الزمان ، على المحسن و المسيء ،  رغم أن الوقت هو الوقت .. و لكن ما أعظم الفرق في رمضان مثلاً بين من أحسن في الصيام و الصلاة والقيام و الاعتكاف ، و بين من أهمل أو أساء !! .. و قد جاء العيد الآن و جاءت معه تكاليف جديدة ..

   جاء في إرواء الغليل للألباني عن أحاديث زكاة الفطر(والنقْل بتصرّف):  

    باب زكاة الفطر :

   حديث ابن عمر: فرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم  زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين . رواه الجماعة كلهم عن مالك عن نافع عن ابن عمر به نحوه . وتابعه عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر به مثل لفظ الكتاب ، لكنه لم يقُل : من رمضان . وزاد : وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة . أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والدارقطني والبيهقي . وهذه الزيادة عند مسلم أيضا من طريق الضحاك تابعه عليها موسى بن عقبة عنده . وتابعه الضحاك بن عثمان عن نافع به .

     حديث ابن عمر : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحرّ والعبد ممَّن تَمُونُون " رواه . الدارقطني و هو حسن . ومن طريقه البيهقي . وقال البيهقي : " إسناده غير قوي " . وبين وجهه الدارقطني فقال : " رفعه القاسم وليس بقوي والصواب موقوف " . ثم ساق من طريق حفص بن غياث قال : سمعت عدة منهم الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم عمن يعول وعن رقيقه ورقيق نسائه . ورواه  . ابن أبي شيبة أيضا. قلت : وهذا سنده صحيح موقوف . وروي مرفوعا عن علي . أخرجه الدارقطني طريق إسماعيل بن همام حدثني علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه :  أن النبي فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى ممن تمونون  . وهذا سند ضعيف كما قال الحافظ في " التلخيص " إسماعيل بن همام شيعي أورده في " اللسان " ولم يحك توثيقه عن أحد . ورواه . البيهقى من طريق حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل صغير وكبير حر أو عبد ممن يمونون صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب عن كل إنسان  . وقال : ( وهو مرسل ) . قلت : ورجاله ثقات فإذا ضم إليه الطريق التي قبله مع حديث ابن عمر أخذ قوة وارتقى إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى .

     حديث ابن عباس : من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات . حسن أخرجه أبو داود وابن ماجه  والدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال :  فرض رسول الله  صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها . . . الخ . وقال الدارقطني : " ليس في الرواة مجروح " . وقال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " . ووافقه الذهبي وأقره المنذري في " الترغيب " والحافظ في " بلوغ المرام " وفي ذلك نظر لأن من دون عكرمة لم يخرج لهم البخاري شيئا وهم صدوقون سوى مروان فثقة فالسند حسن وقد حسنه النووي في " المجموع " ومن قبله ابن قدامة في " المغني "  . ثم رأيت العلامة ابن دقيق العيد في " الإلمام "  قد تعقب الحاكم بمثل ما تعقبته به ولكنه أشار إلى تقوية الحديث . والحمد لله على توفيقه.

     حديث ابن عمر :كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين رواه البخاري . صحيح . أخرجه البخاري كما قال المؤلف . وروى مالك  عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة .

     و جاء في الدراري المضيَّة للشوكاني و ننقله بتصرّف :

     صدقة الفطر :

      (صدقة الفطر صاع من القوت المعتاد عن كل فرد والوجوب على سيد العبد ومنفق الصغير ونحوه ويكون إخراجها قبل صلاة العيد ومن لايجد زيادة على قوت يومه وليلته فلا فطرة عليه ومصرفها مصرف الزكاة) : أقول أما كونها صاعا من القوت المعتاد عن كل فرد فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى الصغير والكبير من المسلمين . والأحاديث في هذا الباب كثيرة . وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى وغيره :( وليس على المسلم في عبده صدقة إلاصدقة الفطر )  . وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر قال : ( أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بصدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون ). وأخرج نحوه الدارقطني من حديث علي وفي إسناده ضعف وله طرق ، والخطابات في إخراجها على من ليس بمكلّف إنما هي كائنة مع المكلفين .

     وقد ذهب الجمهور منهم أحمد والشافعي إلى أنها صاع من البُرّ وغيره ، وذهب بعض الصحابة إلى أن الفطرة من البر نصف صاع ، وقد حكاه ابن المنذر عن علي وعثمان وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهم بأسانيد صحيحة كما قال الحافظ، وإليه ذهب وأبو حنيفة وقد تمسكوا بحديث ابن عباس مرفوعا : ( صدقة الفطر مُدّان من قمح ) أخرجه الحاكم وأخرج نحوه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وفي الباب أحاديث تعضد ذلك .

     وأما كون إخراجها قبل الصلاة فلحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة . وأخرج أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات .

     وقد وقع الخلاف في تقدير ما يعتبر في وجوب زكاة الفطرة فقيل ملْك النصاب ، وقيل قوت عشْر ، وقال مالك والشافعي وعطاء وأحمد بن حنبل واسحق إنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يومه وليلته... فإذا ملَك زيادة على قوت يومه أخرج الفطرة إن بلغ الزائد قدرها ، ويؤيده تحريم السؤال على من ملَك ما يغدِّيه ويعشِّيه كما أخرجه أحمد وأبوداود من حديث سهل بن الحنظلية مرفوعا ، ولأن النصوص أطلقتْ وجوب إخراج الزكاة ولم تخص غنيا ولا فقيرا .

    وأما كون مصرفها مصرف الزكاة فلكونه صلى الله عليه و سلم سماها زكاة كقوله ( فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ) ، وقول ابن عمر إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بزكاة الفطر وقد تقدّمَا، ولكنه ينبغي تقديم الفقراء للأمر بإغنائهم في ذلك اليوم، فما زاد صُرف في سائر الأصناف.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©