زلزال المباني وزلزال المصطلحات والمعاني

خطبة جمعة في مسجد جمعية أمة في ٢٨ من محرم ١٤٤١هـ الموافق ٢٧ سبتمبر ٢٠١٩م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/zilzal.mp3

لسماع الخطبة بصيغة " إم بي ثري " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/mp3/zilzal.mp3     

      لا بدَّ من أخْذ العبْرة من زلزال أمس في إسطنبول فقد بلغ 5.8 درجة على مقياس ريختر ، وقال الرئيس أردوغان إن الارتدادات الخفيفة بلغتْ ٢٨ ، وما جاء المساء حتى بلغ تسجيلات الزلازل الخفيفة نحو ٤٠ زلزالًا ، ومن علامات الساعة كثْرة الزلازل كما في الحديث المتفق عليه، والسبب كثْرة المعاصي ، والحمد لله على السلامة ، والزلزال من الآيات ، والله يقول : (وما نُرْسِل بالآياتِ إلَّا تخويفًا) الإسراء ، ولا بدَّ من التوبة والاستغفار ، ليرفع الله عنا العقاب ، قال تعالى : (وما كانَ اللهُ مُعذِّبَهم وهم يستغفرون) الأنفال ، وإن مما تجب التوبة منه والاستغفار والإقلاع عنه ترويج المصطلحات المستوردة .
     ولا بد من تحديد الذنوب لأن الله يقول : (ولم يُصِرُّوا على ما فعَلوا وهم يعلمون) آل عمران . فلا يتجنَّب الإصرار إلا من بحث عن الذنب وعرَفَه وحدَّده ، وقد عوقبتْ كثير من بلاد المسلمين بالاستعمار العسكري من الكافرين ، وطالتْ ذيوله إلى مجالات الحياة ، ومنها الاستعمار العَقَدي والثقافي ، الذي منه هذه المصطلحات .
     وقد أمرنا الله باجتناب ضلالات الكافرين ، ومنَع التشَبُّه بهم ، قال تعالى : (اتقُوا الله وقولوا قولًا سديدًا، يُصلِح لكم أعمالَكم ويغفرْ لكم ذنوبَكم) الأحزاب . وقال تعالى : (لا تقولوا راعِنا وقولوا انظُرْنَا) البقرة . وعبارة لا مشاحَّة في الاصطلاح إنما المقصود منها المصطلحات التي بين الفقهاء والعلماء المسلمين ، فكل مصطلحاتهم نابعة من المنهج الشرعي .
     أما المصطلحات الواردة من الكفار فلا ، والأدلة كثيرة على اجتنابها ومنها ما سبق ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على مخالفة الكافرين في عاداتهم وتقاليدهم وعباداتهم ومصطلحاتهم ، والنصوص كثيرة في ذلك ، لأن ترويج ذلك معناه اتِّباعها ، وعند الوقوع في مآزقها لا توجد الحلول إلَّا في مراجع أصحابها ، لأنها جزءٌ من منهجيتهم ، ولا يوجد لها مرجعية في الكتاب والسنة ولا في التفاسير ولا في الشروح ، فيزداد الناس إغراقًا في التبعيَّة ، ويكفي أن الفاتحة المقروءة في كل ركعة تحوي الدعاء باجتناب صراط المغضوب عليهم وهم اليهود ، والضالين وهم النصارى ، ومعلوم أن بذور الحنظل لا تُنْبِتُ تفاحًا ، ولا يأتي من الصَّبِر المُرِّ عسَل .
     ومن المصطلحات الواردة علينا من الغرب : الليبرالية والمساواة ، وربما نواصل الكلام علَى مستوردات أخرى في الخُطَب القادمة لخطورتها .
     إن الليبرالية وقد يترجمونها إلى الحرية ، وهي استقلال الفرْد برأيه عن غيره . وهو مصطلحٌ فيه تجاهلٌ لأعظم حقيقة في الوجود وهي عبودية الإنسان والمخلوقات لِله والخضوع لدينه وشريعته ، فهو سبحانه الذي خلَق وأحيَا ورزقَ وأبقَى ، ثم يُميتُ ويبعثُ ويحاسبُ ويُجازي بالجنة أو النار ، وهذه العبودية ، حقيقتها توحيد الله بحيث يتحرَّر الإنسان والمخلوق من كل ما سِوَى الله .
     ولذلك وصف الله أشرف عباده وهم الأنبياء والملائكة بالعبودية فقال تعالى في الأنبياء مثَلًا ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم : (فأوحَى إلى عبدِهِ ما أوحى) النجم . وقال سبحانه : (سبحانَ الذي أسْرَى بعبْده ليلًا من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصا الذي باركنا حولَه) الإسراء . وقال تعالى في مجموعة من الأنبياء : (واذكُرْ عبادَنا إبراهيمَ وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) ص .
     وقال تعالى عن الملائكة : (وقالوا اتَّخَذَ الرحمنُ ولَدًا سبحانَه، بلْ عبادٌ مُكْرَمُونَ ، لا يسْبِقُونَهُ بالقولِ وهم بأمرِهِ يعملون) الأنبياء . وقال سبحانه : (إنْ كُلُّ مَن في السماواتِ والأرضِ إلَّا آتِي الرحمنِ عبدًا) مريم .
     وأنكر الخضوع والعبادة لغير الله ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالقول : (قُل أفغيرَ اللهِ تأمرونِّي أعبُدُ أيُّها الجاهلون) الزمَر . وأنكر حتى عبودية الإنسان لِهَوَاه ، قال تعالى : (أفرأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إلههُ هواهُ وأَضلَّهُ اللهُ على عِلْم) الجاثية . وقارَن بين العابد لإلهٍ واحد وهو المسلم ، والعابد للجهاتٍ والآلهةٍ المُتعدِّدة فقال سبحانه : (ضربَ اللهُ مثلًا رجُلًا فيه شركاءُ مُتشاكِسُون ورجلًا سلَمًا لِرجُل هل يسْتَويان مثَلًا) الزُّمَر ، فالتَّحرُّر من كل ما سِوَى الله إنما هو للمسلم ، قال تعالى : (إني وجَّهتُ وجهيَ لِلذي فطَرِ السماواتِ والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين) الأنعام . ولا بد من الخضوع لشرعه قال تعالى : (ثم جعلناكَ على شريعةٍ من الأمرِ فاتَّبِعْها، ولا تَتَّبعْ أهواءَ الذين لا يعلمون) الجاثية . وقال تعالى : (قل إن صلاتي ونُسُكي ومَحْيَايَ ومماتِي لِلْهِ ربِّ العالمين ، لا شريكَ له وبذلك أُمِرتُ وأنا أَوَّل المسلمين) الأنعام .
والعبودية لله معناها التحرُّر من كل العبودية لِما سواهُ من المخلوقات ، والخضوع لشريعته وحده ، وطاعة نبيِّه ، ومَن أمَر بطاعتِهم .
     وكذلك الحال في مصطلح المساواة التي يعنون بها التماثُل بين غير المتماثلَين ، فالمساواة تجاهلٌ للتفريق بين الحق والباطل والإسلام والكفر ، والعدْل والقِسْط الذي قامت عليه السماوات والأرض ، فالكواكب والنجوم والمدارات مثَلًا ليست متساوية ، قال تعالى : (والسماءَ رفَعَها ووَضَع الميزان) الرحمن . وصفات وأعداد البحار والجبال والنباتات ليستْ متساوية ، قال تعالى : (والأرضَ مدَدْناها وألقينا فيها رواسيَ وأنْبَتْنا فيها مِن كُلِّ شيءٍ مَوزُون) الحِجْر . وكذلك لا استواء بين الرجال والنساء ، فلكل جنس وظائفه ، قال تعالى : (الرجال قوّامونَ على النساءِ بِما فضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبِما أنفَقُوا مِن أموالِهم) النساء . وقال تعالى : (... ولِلرِّجالِ عليهِنَّ درجة) البقرة . ولا استواء بين المسلمين والكافرين ، قال تعالى : (أفنجعلُ المسلمين كالمُجرمين؟ ما لكم كيف تحكمُون) القلَم . ولا بين الصالحين والطالحين ، قال تعالى : (أم نجعلُ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ كالمُفسدينَ في الأرضِ أم نجعلُ المُتقينَ كالفُجَّار) ص . ولا بين العلماء والجُهال ، قال تعالى : (قل هل يستوي الذين يَعلَمونَ والذين لا يعلمون) الزمَر، وكذلك آيات المواريث فيها التوزيع العادل بين الورثة ، ولا مساواة إلا بين المتماثلين كالأبناء فيما بينهم ، وكالبنات ، وكالزوجات .
     والكافرون في باب الحرية لا عبودية عندهم لله ، ولا التزام بمنهجه وحلاله وحرامه ، ويقصدون بالحرية التحرُّر من الإله ومن الدين ، ويحتكمون إلى قوانينهم ومواثيقهم التي شرعوها من دون الله .
     وفي باب المساواة لا اعتراف عندهم بالتمايُز والتنوُّع الوظيفي بين الرجال والنساء ، ولا يُفَرِّقون بين الحق والباطل ، فلا يعترفون بالدين ولا علمائه ، ولا بالأحكام الشرعية ومنها المواريث ، فيُسوُّون بين الرجال والنساء ، وبين الكافرين والمسلمين ، وبين الحق والباطل ، والعلماء والجهال ، في الانتخابات وفي المواطنة ، ويُسَوُّون بين القوانين الوضعية والأحكام الشرعية في أقرب الأحوال .
     والهزَّاتُ التي حدثتْ أمس تخويفٌ وتذكير ، فلا بدَّ من الإقلاع عن تقليد الكافرين والاستيراد منهم ولا بدَّ من البراء منهم في كل ما غزونا به من الضلالات ومنها المصطلحات .
     وختامًا يقول سبحانه : (صِبْغَةَ اللهِ ومَن أحسَنُ من اللهِ صِبْغَةً ونحنُ لهُ عابِدُون) البقرة .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©