قد يكفُر المَرْءُ وهو لا يَشْعُر

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 2 جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 12 أبريل 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/ykfr.mp3

     (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) البقرة .

     جاء في تفسير ابن كثير :

     قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد(مجهول) حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس ، قال: قال عبد الله بن صُوريا الأعورُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهُدَى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتدِ . وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله عز وجل: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا) .

    (حَنِيفًا) مستقيما. قاله محمد بن كعب القُرَظي، وعيسى بن جارية. و عن مجاهد: مخلصًا . وعنه وعن الربيع بن أنس: متَّبِعًا. وقال أبو قلابة: الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم.

     وقال قتادة: الحنيفية: شهادة أن لا إله إلا الله. يدخل فيها تحريمُ الأمهات والبنات والخالات والعمات وما حرم الله، عز وجل والختانُ.

     قال ابن أبي حاتم :حدثنا محمد بن الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين، قال: قال عبد الله بن عتبة: لِيَتَّقِ أحدُكم أن يكون يهوديّاً أو نصرانيّاً وهو لا يشعُر. قال: فظنَنّاه يريد هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) الآية . قال الوادعي : الأثـر سنده صحيح إلى عبد الله بن عتبة . اهـ بتصرُّف .

     جاء في فتح القدير :

    ردَّ الله على اليهود والنصارى دعْوَى الهداية بقوله : (بل مِلَّةَ إبراهيم) ، ونصَب ملة بفعل مقدَّر : أي نتَّبع ، وقيل التقدير : نكون أهلَ ملةَ إبراهيم ، أو نهتدي بمِلَّة إبراهيم ، فلما حذَف حرف الجرِّ صار منصوبا .

     (حنيفًا) مائلًا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو في الأصل مَيْل القدَمين كل واحدة إلى أختها ، قال الزجاج : منصوب على الحال . وقال علي بن سليمان : منصوب بتقدير أعني ، والحال خطأ  ، كما لا يجوز جاءني غلامُ هندٍ مُسْرِعةً . وقال في الكشاف : حالٌ من المضاف إليه كقولك : رأيت وجه هندٍ قائمةً .

    وقال قوم : الحنَف الاستقامة ، و دين إبراهيم حنيفٌ لاستقامته ، و مُعْوَجَّ الرجلين أحنَف تفاؤلًا بالاستقامة ، كما قيل لِلَّديغ سليمٌ ، وللمَهْلَكة مفازة ، وقد استدلَّ من قال بأن الحنيف المائل لا المستقيم بقول الشاعر :    

إذا حوَّل الظِّلُّ العشيَّ رأيتَه ... حنيفًا وفي قرْن الضُّحى يَتَنَصَّرُ

     أي أن الحرباء تستقبل القِبْلة بالعشيِّ وتستقبل المَشْرِق بالغَداة وهي قِبْلة النصارى ، ومنه قول الشاعر :

                     واللهِ لولا حنَفٌ في رِجْلِه  ***  ما كانَ في رِجالِكم مِن مِثْلِهِ

   (وما كان مِن المشركين)تعريضٌ باليهود لقولهم: (عُزيرٌ ابنُ الله)وبالنصارى لقولهم: (المسيحُ ابنُ الله).

     وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال عبد الله بن صوريا الأعور للنبي صلى الله عليه و سلم : ما الهُدَى إلا ما نحن عليه.. الأثر الذي مرّ عند ابن كثير.

    وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد (حنيفا) قال : متَّبِعًا . وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : مستقيمًا . و عن خصيف : مخلِصا . وعن أبي قلابة الأثر الذي مرّ عند ابن كثير..     

     وأخرج أحمد أيضا والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر عن ابن عباس قال : قيل : يا رسول الله أي الأديان أحبُّ إلى الله ؟ قال : (الحنيفيَّةُ السَّمْحَة) .

     قال الحافظ في الفتح :المراد بالأديان الشرائع الماضية قبل النسْخ ، والحنيفية ملة إبراهيم ، وسُمِّيَ إبراهيم حنيفًا لِمَيله عن الباطل إلى الحق . والسَّمْحة: السهْلة، لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ) . وهذا الحديث المعلَّق لم يُسنِدْه البخاري في صحيحه ، لأنه ليس على شرْطه ، و وصَلَه في كتاب الأدب المفرد ، كما وصَلَه أحمد وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وإسناده حسن. وله شاهد مرسَلٌ في طبقات ابن سعد وفي الباب عن أبي بن كعب وجابر وابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وغيرهم . اهـ بتصرُّف . و قال الألباني حسن . وقال الأرناؤوط صحيح لغيره .

 وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر من حديث أسعد بن عبد بالله بن مالك الخزاعي مرفوعا مثلَه . اهـ بتصرُّف .

        يُؤخَذُ من الآية :

     1- خطورة الإعجاب باليهود والنصارى إلى حدّ أن المسلم قد يكفُر باتباعه لهم فيما يظنُّ أنه لا غبار فيه ، كما في الإعجاب بفتنة الدُّهيماء (الديمقراطية) في هذه الأيام ، قال عليه الصلاة والسلام : (ثم فتنةُ الدُّهَيماء لا تدَعُ من هذه الأمة إلا لطَمتْه لطْمةً فإذا قيل انقطعَتْ تمَادَتْ يُصبح الرجل فيها مؤمنًا و يُمسي كافرًا حتى يصيرَ الناس إلى فسْطاطين فسطاطِ إيمانٍ لا نِفاقَ فيه و فسطاطِ نفاقٍ لا إيمانَ فيه ، فإذا كان ذاكم فانتظِروا الدجالَ من اليومِ أو غدٍ) أخرجه أحمد والحاكم وقال  هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه . وقال الذهبي: صحيح ، وقال الألباني صحيح ، والأرناؤوط صحيح لغيره .

    وفي لفظٍ مختصَر عند الحاكم : (يبيع أقوامٌ دينَهم بعرَضٍ من الدنيا قليل) سكَت عنه الذهبي وقال الألباني صحيح .

    2- الاستفادة منهم في المباحات فقط ، أما في العقيدة والعبادات والتشريع والتحليل والتحريم والقِيَم والأخلاق و السياسات ونحوذلك فلا.

    3- اعتزاز المسلم بدينه ، و لذلك ورَد في التعامل مع الذمِّيّين و هم الخاضعون للمسلمين قوله تعالى: (حتى يُعطُوا الجزية عن يدٍ و هم صاغرون) التوبة . قال ابن كثير : وقوله: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) أي: إن لم يُسْلِمُوا، (عَنْ يَدٍ) أي: عن قهْر لهم وغلَبة، (وَهُمْ صَاغِرُونَ) أي: ذليلون حقيرون مُهَانُون. فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفْعهم على المسلمين، بل هم أذلاءُ صَغَرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم و عند أحمد وأبي داود و الترمذي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَبْدَأَوا اليهودَ والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتُم أحدَهم في طريقٍ فاضطَرُّوهُ إلى أَضْيقِهِ) .اهـ . وهذا الحكم ليس عنصُريًّا لأنه يزول بمجرّد إسلامهم ، والغرَض منه عند القُدرة تَنْبِيهُ اليهود والنصارى إلى خطورة ما هم فيه ، لَفْتًا لأنظارهم إلى الإسلام .

      4- عندما ينزِل عيسى سوف يُزيلُ كلَّ ما يُعَظِّمون ، و سوف يدخلون في الإسلام ، قال عليه الصلاة والسلام : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)النساء . أخرجه البخاري .

      5- لا يستوي المسلم مع المسلم في كثير من الأحيان..  ففي حديث البخاري : مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ : (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟) فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ . فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) .

     و أما المسلم والكافر فلا مقارنة بينهما .. قال تعالى : (أفنجعلُ المسلمينَ كالمجرمينَ ؟ ما لكم كيف تحكمون) ن .

     والمسلمُ داعية ، و الدعوةُ أستاذيّة .. و أبسطُ مسلمٍ أفضل من أشْهَر كافر ولاشك !!.. كيف ينظُر الـأستاذ إلى الطالب؟! أيُّهُما أحوَج إلى الآخَر؟ . هذا و الطالب مُسْلم ، فكيف إذا كان أمامك كافر ؟ لا بدَّ أن تكون أستاذًا له لإنقاذه مهما كانتْ معلوماتك الإسلامية قليلة ، لأن هذه المعلومات ضروريّةٌ جدًّا لإنقاذه و إقامة الحجة عليه ..

    كيف كان آباؤنا إذا قابلوا الكافرين؟ أيُّ الطَّرَفَين كان يَتَلَقَّى من الآخَر؟  ماذا صنَع رِبعيُّ بن عامر مثَلًا؟ .. و هل يستصْحِب المسؤولون والوُجَهاء اليوم الذين يقومون بزياراتٍ إلى البلاد الأجنبيّة و إلى السفارات هذه الأستاذيّة ؟!!.. أم العكس هو الذي يحدُث؟ نسأل الله العافية .

    وكيف حال المعتزّين اليوم بدينهم في نظر الرأي العام ؟!! ..قال الشاعر :     

               و لكنَّ الفَتَى العربِيَّ فيها  ***  غريبُ الوَجْهِ و اليدِ و اللسانِ      

     و في الختام يقول سبحانه : (و لِلّه العِزَّةُ و لِرَسولِهِ و لِلمؤْمنينَ و لكنَّ المنافقينَ لا يَعلَمون) المنافقون .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©