الإسلامُ يَعْلُو و لا يُعْلَى

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 18 شعبان 1434هـ الموافق 25 يونيو 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/yalo.mp3

     قال الله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الحشر .    

     جاء في تفسير ابن كثير :

     يَقُولُ تَعَالَى مُعَظِّمًا لِأَمْرِ الْقُرْآنِ، ومبيِّنًا علو قدره، وأنه ينبغي وأن تَخْشَعَ لَهُ الْقُلُوبُ، وَتَتَصَدَّعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْأَكِيدِ: (لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) أَيْ: فَإِنْ كَانَ الْجَبَلُ فِي غِلْظَتِهِ وَقَسَاوَتِهِ، لَوْ فَهِمَ هَذَا الْقُرْآنَ فَتَدَبَّرَ مَا فِيهِ، لَخَشَعَ وَتَصَدَّعَ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ أَيُّهَا الْبَشَرُ أَلَّا تَلِينَ قُلُوبُكُمْ وَتَخْشَعَ، وَتَتَصَدَّعَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ فَهِمْتُمْ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَتَدَبَّرْتُمْ كِتَابَهُ؟ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) .

     قَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا) إِلَى آخِرِهَا، يَقُولُ: لَوْ أَنِّي أَنْزَلْتُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ حَمّلته إِيَّاهُ، لَتَصَدَّعَ وَخَشَعَ مِنْ ثِقَلِهِ، وَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. فَأَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ إِذَا نَزَّلَ عَلَيْهِمُ القرآنُ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِالْخَشْيَةِ الشَّدِيدَةِ والتخشع ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ جَرِيرٍ.

     وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِالذي أخرجه أحمد والبخاري وأصحاب السُّنن وغيرهم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُمِلَ لَهُ الْمِنْبَرُ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَ الْخُطْبَةِ يَقِفُ إِلَى جَانِبِ جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ أَوَّلَ مَا وُضِعَ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْطُبَ فَجَاوَزَ الْجِذْعَ إِلَى نَحْوِ الْمِنْبَرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَنّ الْجِذْعُ وَجَعَلَ يَئِنُّ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ الَّذِي يُسَكَّن ، لِمَا كَانَ يُسمَع مِنَ الذِّكْرِ وَالْوَحْيِ عِنْدَهُ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الْجِذْعِ .

     وَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، إِذَا كَانَتِ الْجِبَالُ الصُّمُّ لَوْ سَمِعَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَفَهِمَتْهُ، لَخَشَعَتْ وَتَصَدَّعَتْ مَنْ خَشْيَة الله ، فَكَيْفَ بِكُمْ وَقَدْ سَمِعْتُمْ وَفَهِمْتُمْ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) الرَّعْدِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) الْبَقَرَةِ .

     ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَلَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا إِلَهَ لِلْوُجُودِ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ فَبَاطِلٌ، وَأَنَّهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَيْ: يَعْلَمُ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ الْمُشَاهِدَاتِ لَنَا وَالْغَائِبَاتِ عَنَّا فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ مِنْ جَلِيلٍ وَحَقِيرٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حَتَّى الذَّرِّ فِي الظُّلُمَاتِ.

     وَقَوْلُهُ: (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هاهنا. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُوَ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الْأَعْرَافِ ، وَقَالَ: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الْأَنْعَامِ ، وَقَالَ : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يُونُسَ .

وَقَوْلُهُ: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ) أَيِ: الْمَالِكُ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا بِلَا مُمَانَعَةٍ وَلَا مُدَافَعَةٍ.

وَقَوْلُهُ: (الْقُدُّوسُ) قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَيِ الطَّاهِرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: أَيِ الْمُبَارَكُ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: تُقَدِّسُهُ الْمَلَائِكَةُ الكرام.

     (السَّلامُ) أَيْ: مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ؛ بِكَمَالِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.

     (الْمُؤْمِنُ) قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّنَ خَلْقَهُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أمَّن بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ حَقٌّ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: صَدّق عبادَه الْمُؤْمِنِينَ فِي إِيمَانِهِمْ بِهِ.

     (الْمُهَيْمِنُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَيِ الشَّاهِدُ عَلَى خَلْقِهِ بِأَعْمَالِهِمْ، بِمَعْنَى: هُوَ رَقِيبٌ عَلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الْبُرُوجِ ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ) يُونُسَ .

وَقَوْلُهُ: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) الرَّعْدِ .

(الْعَزِيزُ) أَيِ: الَّذِي قَدْ عَزَّ كُلَّ شَيْءٍ فَقَهَرَهُ، وَغَلَبَ الْأَشْيَاءَ فَلَا يُنَالُ جَنَابُهُ؛ لِعِزَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) أَيِ: الَّذِي لَا تَلِيقُ الجَبْرّية إِلَّا لَهُ، وَلَا التَّكَبُّرُ إِلَّا لِعَظَمَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ: (العَظَمة إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبته).

      وَقَالَ قَتَادَةُ: الْجَبَّارُ: الَّذِي جَبَر خَلْقَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْجَبَّارُ: المُصلِحُ أمورَ خَلْقِهِ، الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ.وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُتَكَبِّرُ: يَعْنِي عَنْ كُلِّ سُوءٍ.

     (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) الْخَلْقُ: التَّقْدِيرُ، والبَراءُ: هُوَ الْفَرْيُ، وَهُوَ التَّنْفِيذُ وَإِبْرَازُ مَا قَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ إِلَى الْوُجُودِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَّرَ شَيْئًا وَرَتَّبَهُ يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِهِ وَإِيجَادِهِ سِوَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ زُهير بن أبي سلمي يمدَح هرم بن سنان :

وَلَأَنْتَ تَفري مَا خَلَقْتَ ... وبعضُ الْقَوْمِ يَخلُق ثُمَّ لَا يَفْري ...

     أَيْ: أَنْتَ تُنَفِّذُ مَا خَلَقْتَ، أَيْ: قَدَّرْتَ، بِخِلَافِ غَيْرِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مَا يُرِيدُ ، فَالْخَلْقُ: التَّقْدِيرُ. وَالْفَرْيُ: التَّنْفِيذُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ: قَدَّرَ الْجَلَّادُ ثُمَّ فَرَى، أَيْ: قَطَعَ عَلَى مَا قَدَّرَهُ بِحَسَبِ مَا يُرِيدُهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) أَيِ: الَّذِي إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ ، فَيَكُونُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُ ، وَالصُّورَةِ الَّتِي يَخْتَارُ ، كَقَوْلِهِ: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) الِانْفِطَارِ، وَلِهَذَا قَالَ: (الْمُصَوِّرُ) أَيِ: الَّذِي يُنَفِّذُ مَا يُرِيدُ إِيجَادَهُ عَلَى الصِّفَةِ التي يريدها.

     (لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ"، وَذِكْرُ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دخل الجنة، وهو وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ).

      (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) كَقَوْلِهِ : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) الْإِسْرَاءِ .

(وَهُوَ الْعَزِيزُ) أَيْ: فَلَا يُرَامُ جَنَابه ، (الحَكِيمُ) فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ .

      جاء في تفسير الشوكاني :

    ذَكَرَ سبحانه تَعْظِيمَ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، وَأَخْبَرَ عَنْ جَلَالَتِهِ، وَأَنَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ تَخْشَعَ لَهُ الْقُلُوبُ، وَتَرِقَّ لَهُ الْأَفْئِدَةُ، فَقَالَ: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَيْ: مِنْ شَأْنِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَجَوْدَةِ أَلْفَاظِهِ، وَقُوَّةِ مَبَانِيهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَوَاعِظِ الَّتِي تَلِينُ لَهَا الْقُلُوبُ أَنَّهُ لَوْ أُنْزِلَ عَلَى جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ الْكَائِنَةِ فِي الْأَرْضِ لَرَأَيْتَهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْقَسْوَةِ وَشِدَّةِ الصَّلَابَةِ وَضَخَامَةِ الْجِرْمِ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا، أَيْ: مُتَشَقِّقًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَذَرًا مِنْ عِقَابِهِ، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يُؤَدِّي مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ كَلَامِ اللَّهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي عُلُوَّ شَأْنِ الْقُرْآنِ وَقُوَّةَ تَأْثِيرِهِ فِي الْقُلُوبِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْله: (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وَفِيهِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ لِلْكُفَّارِ حَيْثُ لَمْ يَخْشَعُوا لِلْقُرْآنِ، وَلَا اتَّعَظُوا بِمَوَاعِظِهِ، وَلَا انْزَجَرُوا بِزَوَاجِرِهِ، وَالْخَاشِعُ: الذَّلِيلُ الْمُتَوَاضِعُ.

      وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى جَبَلٍ لِمَا ثَبَتَ وَلَتَصَدَّعَ مِنْ نُزُولِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ وَثَبَّتْنَاكَ لَهُ وَقَوَّيْنَاكَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مِنْ بَابِ الِامْتِنَانِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ثَبَّتَهُ لِمَا لَا تَثْبُتُ لَهُ الْجِبَالُ الرَّوَاسِيُ.

     ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَعَظْمَتِهِ، فَقَالَ: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وَفِي هَذَا تَقْرِيرٌ لِلتَّوْحِيدِ ، وَدَفْعٌ لِلشِّرْكِ ، وهذه صيغة الاسم الأعظم الواردة في الأحاديث وفي السُّوَر الثلاث : البقرة وآل عمران و طه . وهي في ِمِثْل لفظ ومعْنى شهادة التوحيد : (لاإلهَ إلّا الله)

    (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أَيْ: عَالِمٌ مَا غَابَ مِنَ الْإِحْسَاسِ وَمَا حَضَرَ، وَقِيلَ: عَالِمُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَقِيلَ: مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَقِيلَ: الْآخِرَةُ وَالدُّنْيَا، وَقَدَّمَ الْغَيْبَ عَلَى الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا وُجُودًا . (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ)كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ لِكَوْنِ التَّوْحِيدِ حَقِيقًا بِذَلِكَ . (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) أَيِ: الطَّاهِرُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، وَالْقُدُسُ: بِالتَّحْرِيكِ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ السَّطْلُ لِأَنَّهُ يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَمِنْهُ الْقَادُوسُ لِوَاحِدِ الْأَوَانِي الَّتِي يُسْتَخْرَجُ بِهَا الْمَاءُ. قَالَ ثَعْلَبُ: كُلُّ اسْمٍ عَلَى فَعَوْلٍ فَهُوَ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ إِلَّا السُّبُّوحَ وَالْقُدُّوسَ، فَإِنَّ الضَّمَّ فِيهِمَا أَكْثَرُ، وَقَدْ يُفْتَحَانِ .

     (السَّلامُ) أَيِ: الَّذِي سَلِمَ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ، وَقِيلَ: الْمُسَلِّمُ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا قال: (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس . وَقِيلَ: الَّذِي سَلِمَ الْخَلْقُ مِنْ ظُلْمِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ.

     الْمُؤْمِنُ أَيِ: الَّذِي وَهَبَ لِعِبَادِهِ الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِهِ، وَقِيلَ: الْمُصَدِّقُ لِرُسُلِهِ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ، وَقِيلَ: الْمُصَدِّقُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ، وَالْمُصَدِّقُ لِلْكَافِرِينَ بِمَا أَوْعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، يُقَالُ: أَمِنَهُ مِنَ الْأَمْنِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

وَالْمُؤْمِنِ الْعَائِذَاتِ الطَّيْرُ يَمْسَحُهَا ... رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغَيْلِ وَالسَّنَدِ

العائذات: ما عاذ بالبيت من الطير . الغيل: الشجر الكثيف الملتف. السند : ما قابَلك من الجبَل وعلا عن السفح.

     وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي وَحَّدَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ) آل عمران .

     الْمُهَيْمِنُ أَيِ: الشَّهِيدُ عَلَى عِبَادِهِ بِأَعْمَالِهِمُ الرَّقِيبُ عَلَيْهِمْ. كَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: يُقَالُ: هيمَن يُهَيْمِنُ فَهُوَ مُهَيْمِنُ إِذَا كَانَ رَقِيبًا عَلَى الشَّيْءِ.  وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمُهَيْمِنِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ، وَقِيلَ: الْقَاهِرُ، وَقِيلَ: الْغَالِبُ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ، وَقِيلَ: الْقَوِيُّ .

     الْجَبَّارُ جَبَرُوتُ اللَّهِ: عَظَمَتُهُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَلِكَ الْجَبَّارَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَبَرَ:إِذَا أَغْنَى الْفَقِيرَ، وَأَصْلَحَ الْكَسِيرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَبَرَهُ عَلَى كَذَا إِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى مَا أَرَادَ، فَهُوَ الَّذِي جَبَرَ خَلْقَهُ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ، وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ، قَالَ: هُوَ مِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ، أَيْ: قَهَرَهُ. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ فَعَّالًا مِنْ أَفْعَلَ إِلَّا فِي جَبَّارٍ مِنْ أَجْبَرَ، وَدَرَّاكٍ مِنْ أَدْرَكَ، وَقِيلَ: الْجَبَّارُ الَّذِي لَا تُطَاقُ سَطْوَتُهُ.

     الْمُتَكَبِّرُ أَيِ: الَّذِي تَكَبَّرَ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، وَتَعَظَّمَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَصْلُ التَّكَبُّرِ الِامْتِنَاعُ وَعَدَمُ الِانْقِيَادِ، وَمِنْهُ قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:

عَفَتْ مِثْلَ مَا يَعْفُو الْفَصِيلُ فَأَصْبَحَتْ ... بِهَا كِبْرِيَاءُ الصَّعْبِ وَهِيَ ذَلُولُ

    وَالْكِبْرُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ مَدْحٌ، وَفِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ذَمٌّ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِي تَكَبَّرَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ ونقْص . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْمُتَكَبِّرُ: ذُو الْكِبْرِيَاءِ، وَهُوَ الْمَلِكُ، ثُمَّ نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نفسه عن شرك المشركين، فقال: (سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أَيْ: عَمَّا يُشْرِكُونَهُ أَوْ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ . (هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ) أَيِ: الْمُقَدِّرُ لِلْأَشْيَاءَ عَلَى مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ . (الْبارِئُ) أَيِ: الْمُنْشِئُ، الْمُخْتَرِعُ لِلْأَشْيَاءَ، الْمُوجِدُ لَهَا. وَقِيلَ: الْمُمَيِّزُ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ.

     (لْمُصَوِّرُ) أَيِ: الْمُوجِدُ لِلصُّوَرِ، الْمُرَكِّبُ لَهَا عَلَى هَيْئَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالتَّصْوِيرُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْخَلْقِ وَالْبِرَايَةِ وَتَابِعٌ لَهُمَا، وَمَعْنَى التَّصْوِيرِ التَّخْطِيطُ وَالتَّشْكِيلُ، قَالَ النَّابِغَةُ:

الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ فِي الْـ ... أَرْحَامِ مَاءً حَتَّى يَصِيرَ دَمَا

      (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَالْكَلَامُ فِيهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) الأعراف ..  (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ: يَنْطِقُ بِتَنْزِيهِهِ بِلِسَانِ الْحَالِ، أَوِ الْمَقَالِ كُلُّ مَا فِيهِمَا (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أَيِ: الْغَالِبُ لِغَيْرِهِ الَّذِي لَا يُغَالِبُهُ مُغَالِبٌ، الْحَكِيمُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ الَّتِي يَقْضِي بِهَا.

      وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) قَالَ: يَقُولُ لَوْ أَنِّي أَنْزَلْتُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ، حَمَّلْتُهُ إِيَّاهُ، تَصَدَّعَ وَخَشَعَ مِنْ ثِقَلِهِ وَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ أَنْ يَأْخُذُوهُ بالخشية الشديدة والتخشّع. قال: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرُونَ).

     وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ الضُّرَيْسِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ الثَّلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مات ذلك اليوم مات شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ) . قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ خَوَاتِيمَ الْحَشْرِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةِ) .

     وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قَالَ: السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ. وَفِي قَوْلِهِ:الْمُؤْمِنُ قَالَ: الْمُؤَمِّنُ خَلْقَهُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ، وَفِي قَوْلِهِ: الْمُهَيْمِنُ قَالَ: الشاهد. اهـ . بتصرُّف .

     جاء في الفتح :

    قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الإسلام يَعْلُو ولا يُعلَى) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الرُّويَانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَرَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي يَعْلَى الْخَلِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ قِصَّةً وَهِيَ أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو جَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَذَا عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو سُفْيَانَ ، الْإِسْلَامُ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ ، الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) .

     وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ لِلْمَبْدَأِ بِهِ فِي الذِّكْرِ تَأْثِيرًا فِي الْفَضْلِ لِمَا يُفِيدُهُ مِنَ الِاهْتِمَامِ ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ تُرَتِّبُ ، ثُمَّ وجدتُه من قَول بن عَبَّاس كَمَا كنتُ أَظن ، ذكره ابن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى قَالَ : وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ : إِذَا أَسْلَمَتِ الْيَهُودِيَّةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا .. الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى .

     ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَاب أَحَادِيث تَرَجُّحَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ صِحَّةِ إِسْلَامِ الصَّبِي : أَولُهَا حَدِيث بن عمر فِي قصَّة بن صَيَّادٍ ، وَمَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ مِنْهُ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صَيَّادٍ: (أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) وَكَانَ إِذْ ذَاكَ دُونَ الْبُلُوغِ .. اهـ . لأن الإسلام يعْلُو فلا يتْبع الصبيُّ أبَوَيْه في الكُفْر . 

     يؤخذ من الآيات والحديث :

    1- القرآن يعلو ولا يُعْلَى وهو يُحطِّم ماتحته ، و يُحَطِّم الجبَل ويجعله خاشعًا مُتَصَدِّعًا ، فلا يقبل بالمناهج الأخرى كالديمقراطية وغيرها بل يرفضها ويُحَطِّمها ، ولا يقبل التعايُش مع الباطل ، ولا الغِشّ كما يفعل المخلِّطون ، فالله وهو العزيز الجبار المتكبِّر ، لا يقبل أن يساوِي منهجَه منهجٌ آخَر أو يختلِط به .. قال الشاعر:

اللهُ أكبرُ إنَّ دينَ محمدٍ           ***        وكتابَه أقْوَى وأقوَمُ قِيلًا

            لا تذكرُوا الكُتُبَ السوالِفَ عندَهُ   ***    طلَعَ الصباحُ فَأَطْفِئِ القِندِيلَا

     2- التخليط نِفاقٌ في العقيدة ولا ينصُر الله المُخلِّطين ، بل ينصُر المعتزّين بخالِص دينهم دون  خلْط قال تعالى : (إن تَنْصُروا اللهَ ينصُرْكم) محمد . كما أن الأعداء لا يقبلون بالتخليط أيضًا ، بل يريدون باطلهم خالِصًا دون خلْطٍ بالدين ، كما في مصر وغيرها من البلاد التي حدَث فيها التغيير ، قال تعالى : (و لن ترضَى عنكَ اليهودُ ولا النّصارَى حتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهم) البقرة .

      3- نحن في زمان الفُسطاطين فلا بد أن نلتحق بأحدهما بوضوح ، والله سبحانه يقول : (ألا لِلّهِ الدينُ الخالِص) الزمر .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©