واتَّقُوا فِتنة

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 7 ربيع الآخِر 1435هـ الموافق 7 فبراير 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/vtnh.mp3

    العصيان والخيانة :

    قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) آل عمران.

     جاء في تفسير ابن كثير :

     يَقُولُ تَعَالَى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) وَهِيَ مَا أُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحد مِنْ قَتْلِ السَّبْعِينَ مِنْهُمْ (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) يَعْنِي: يَوْمَ بَدْر، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ قَتِيلًا وَأَسَرُوا سَبْعِينَ أَسِيرًا (قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا) أَيْ: مِنْ أَيْنَ جَرَى عَلَيْنَا هَذَا؟ (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) .

    قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَهُ أَبِي، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا قُرَاد أَبُو نُوحٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سِمَاك الْحَنَفِيُّ أَبُو زُميل، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يومُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الفِدَاء، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ، وكُسرت رَبَاعِيتُه وهُشِمَت البَيْضَة عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ.

    وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوان أَبُو نُوحٍ ، وَلقبه قُرَادٌ ، بِإِسْنَادِهِ وَلَكِنْ بِأَطْوَلَ مِنْهُ، وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

  وقال محقِّقو مسند أحمد بإشراف التركي : إسناده حسن، رجاله رجال الصحيح . والرَّبَاعِية: هي السِّن التي بين الثنيَّة والناب. والبيضة: هي خوذة الحديد تُوضع على الرأس، من آلات الحرب.

     وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن عُلَيَّة عَنِ ابْنِ عوْن، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبيدة (ح) قَالَ سُنَيد -وَهُوَ حُسَيْنٌ-: وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنْ جَرير، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبيدة، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِه مَا صَنَعَ قومُك فِي أَخْذِهِمُ الْأُسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُقدموا فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَل مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ. قَالَ: فَدَعَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناسَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا، أَلَا نَأْخُذُ فِدَاءَهُمْ فَنتَقوّى بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا، وَيَسْتَشْهِدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَهُ؟ قَالَ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّةَ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ.

     وَكما رواه أحمد رَوَاهُ أيضًا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الحَفْري، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هشَام نَحْوَهُ. وَرَوَى عَنِ ابْنِ سِيرِين عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا .

     وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، والسديِّ: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِكُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَكُمْ أَنْ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ فَعَصَيْتُمْ، يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاةَ (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) أَيْ: وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقبَ لِحُكْمِهِ .

    عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وأجْلَس النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشا مِنَ الرُّماة، وأمَّر عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ جُبَيْر- وَقَالَ: (لَا تَبْرَحُوا إنْ رأيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلا تَبْرَحُوا، وإنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلا تُعِينُونَا) ، فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ هربُوا، حَتَّى رَأَيْنَا النِّسَاءَ يَشْتَددْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقهن، وَقَدْ بَدَتْ خَلاخِلهن، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الغنيمةَ الغَنيمة. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا تَبْرَحُوا. فأبَوْا، فَلَمَّا أبَوْا صَرَفَ وُجُوهَهُمْ، فأُصِيب سَبْعُونَ قَتِيلًا فَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: (لَا تُجِيبُوهُ) ، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَقَالَ: (لَا تُجِيبُوهُ)  ، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ قُتِلوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا ، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدَوَّ اللهِ، قَدْ أَبْقَى اللَّهُ لَكَ مَا يُحزِنكَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْل هُبَل ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أجِيبُوهُ) ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: (قُولُوا: اللَّهُ أعْلَى وأجَلُّ) ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا العُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أجِيبُوهُ) ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: (قُولُوا: اللهُ مَوْلانَا، وَلا مَوْلَى لَكُمْ) ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَال، وَتَجِدُونَ مَثُلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي . رواه البخاري .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

     (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ: فِرَارُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَدُوِّكُمْ وَقَتْلُهُمْ لِجَمَاعَةٍ مِنْكُمْ وَجِرَاحَتُهُمْ لِآخَرِينَ، كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ. (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) أَيِ: الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا.

     (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ) يَعْنِي  أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ الَّذِينَ رَجَعُوا مَعَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَاتَّبَعَهُمْ مَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْإِيَابِ وَالْقِتَالِ وَالْمُسَاعَدَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (أَوِ ادْفَعُوا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْحَسَنُ، والسُّدِّي: يَعْنِي كَثِّروا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ.

    وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: ادْفَعُوا بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: رَابِطُوا. فتعلَّلوا قَائِلِينَ: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ) قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنُونَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَلْقَوْنَ حَرْبًا لَجِئْنَاكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَلْقَوْنَ قِتَالًا.

     قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلهم قَدْ حَدَّثَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي حِينَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ -فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بالشَّوط - بَيْنَ أُحُدٍ وَالْمَدِينَةِ - انْحَازَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ : أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي، وَوَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نقتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَرَجَعَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمرو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلمة، يَقُولُ: يَا قَوْمِ ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيَّكُمْ وَقَوْمَكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوِّكُمْ ، قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ ، وَلَكِّنَا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ. فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وأبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فسيُغْنى اللَّهُ عَنْكُمْ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  . كما َأَخْرَجَه ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ .

    قال اللَّهُ تَعَالَى: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ) اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ قَدْ تَتَقَلَّبُ بِهِ الْأَحْوَالُ، فَيَكُونُ فِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْكُفْرِ، وَفِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ؛ لِقَوْلِهِ: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ) .

     ثُمَّ قَالَ: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ هَذَا: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ) فَإِنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ جَاءُوا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا أُصِيبَ مِنْ سَرَاتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ أَضْعَافُ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لَا مَحَالَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) . اهـ . بتصرُّف .

      جاء في تفسير الشوكاني :

     (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) الْأَلِفُ لِلِاسْتِفْهَامِ بِقَصْدِ التَّقْرِيعِ، وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ. وَالْمُصِيبَةُ: الْغَلَبَةُ وَالْقَتْلُ الَّذِي أُصِيبُوا بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها يَوْمَ بَدْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ. وَقَدْ كَانُوا قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسِرُوا سَبْعِينَ، فَكَانَ مَجْمُوعُ الْقَتْلَى وَالْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيِ الْقَتْلَى من المسلمين يوم أحد .

    (أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) أَمْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُجِيبَ عَنْ سُؤَالِهِمْ بِهَذَا الْجَوَابِ، بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الرُّمَاةِ لِمَا أمرهم به النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، مِنْ لُزُومِ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُمْ، وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِمْ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَقِيلَ: خُرُوجُهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ . وَيَرُدُّهُ أَنَّ الْوَعْدَ بِالنَّصْرِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقِيلَ: هُوَ اخْتِيَارُهُمُ الفداء يوم بدر على القتل.  (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أَيْ: مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَالْهَزِيمَةِ (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) : بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَ بِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَالْفَاءُ: دَخَلَتْ فِي جَوَابِ الْمَوْصُولِ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الشَّرْطَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ. (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَبِإِذْنِ اللَّهِ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى سَبَبٍ.

     (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، قِيلَ: أَعَادَ الْفِعْلَ لِقَصْدِ تَشْرِيفِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْمُنَافِقِينَ وَاحِدًا، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا: التَّمْيِيزُ وَالْإِظْهَارُ، لِأَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى ثَابِتٌ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَالْمُنَافِقونَ هُنَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ ، (وَقِيلَ لَهُمْ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (نافَقُوا) أَيْ: لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ نَافَقُوا وَالَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ . وَقِيلَ: هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، أَيْ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ: تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ مِمَّنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَوِ ادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَأَبَوْا جَمِيعَ ذَلِكَ وَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ وَقَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَلَكِنَّهُ لَا قِتَالَ هُنَالِكَ ، وَقِيلَ: مَعْنَى الدَّفْعِ هُنَا: تَكْثِيرُ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: رَابِطُوا .

    وَالْقَائِلُ لِلْمُنَافِقِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ . (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا تَقَدَّمَهَا، أَيْ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَبْطَنُوا الْكُفْرَ، وَذِكْرُ الأفواه للتأكيد، مثل قوله:

(يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) الأنعام .

    وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ الْآيَةَ . يَقُولُ: إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا عِكْرِمَةُ. فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، وَقَتَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: لَمَّا رَأَوْا مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ مَا كَانَ لِلْكُفَّارِ أَنْ يَقْتُلُوا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ: هُمْ بِالْأَسْرَى الَّذِينَ أَخَذْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ.

     وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ في هذا المعنى ، وسبَق إيراده فيما سبَق عند ابن كثير مع الروايات الأخرى التي أوردها ومنها رواية أحمد.

     وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى حَدِيثِ التَّخْيِيرِ بين قتْل الأسرى ، وبين فِدائهم مع استشهاد مِثلهم من المسلين ، مَا نَزَلَ مِنَ الْمُعَاتَبَةِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمَنْ أَخَذَ الْفِدَاءَ بِقَوْلِهِ: (مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) الأنفال ، وَمَا رُوِيَ مِنْ بُكَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ نَدَمًا عَلَى أَخْذِ الْفِدَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَخْذُ ذَلِكَ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعَاتِبْهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا حَصَلَ النَّدَمُ وَالْحُزْن، وَلَا صوَّب النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ رَأْيَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَيْثُ أَشَارَ بِقَتْلِ الْأَسْرَى ، وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: لَوْ نَزَلَتْ عُقُوبَةٌ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا إِلَّا عُمَرُ، وَالْجَمِيعُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ.

     ولعل الجمْع بين المعاتَبَة والتخيير أن الله عذَرَهم أثناء المعاتَبَة عندما لم يَسْبِق منه حكْمٌ صريحٌ في الإثخان بقتْل الأسرى عندما قال تعالى : (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، وارتبط الإعذار بالتخيير كما في الحديث : (يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِه مَا صَنَعَ قومُك فِي أَخْذِهِمُ الْأُسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُقدَّموا – يعني الأَسْرى - فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَل مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ) ، فلما اختاروا الفِداء، مع شرط أن يُقتَل من المسلمين مِثْلهم قال تعالى لهم : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، والله أعلم .

     وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا) وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ نُقَاتِلُ غَضَبًا لِلَّهِ وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ. فَقَالَ: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) عُقُوبَةٌ لكم بمعصيتكم النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: لَا تَتْبَعُوهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: (أَوِ ادْفَعُوا) قَالَ: كَثِّرُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الضَّحَّاكِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عَوْنِ الْأَنْصَارِيِّ فِي قَوْلِهِ: (أَوِ ادْفَعُوا) قَالَ: رَابِطُوا.

     وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ قَالَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّا وَاجِدُونَ مَعَكُمْ مَكَانَ قِتَالٍ لَاتَّبَعْنَاكُمْ. اهـ . بتصرُّف .

      جاء في الظلال :

     المسلمون الذين أصيبوا بهذه المصيبة، كان قد سبق لهم أن أصابوا مثليها يوم بدر ويوم أحد في مطلع المعركة، قبل أن يضعفوا أمام إغراء الغنائم. و يرد على دهشتهم المتسائلة(قُلْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ..أنفسكم هي التي تخلخلت وفشلت وتنازعت في الأمر و عصت أمر رسول الله وخطته للمعركة.. فالإنسان حين يعرّض نفسه لسنة الله لا بد أن تنطبق عليه، و من كمال إسلامه أن يوافق على مقتضى سنة الله ابتداء! .

    (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ) لم يقع مصادفة و لا عبثاً ولا سدى. ولكن جعل من سنته وقدَره أن يقدِّر الإنسان ويدبِّر وأن يتعرَّض لسنة الله فتنطبق عليه ، وأن يلقى جزاء هذا التعرض كاملاً من لذة وألم .. وأن يتحقق من وراء هذا التعرض ونتيجته، قدر الله المحيط بكل شيء، في تناسق وتوازن..

    و الذي وقع في غزوة أحد أن المسلمين عرَفوا سنة الله وشرطه في النصر والهزيمة. فخالفوا ذلك ، فتعرضوا للألم والقرْح الذي تعرضوا له..

    ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فقد كان وراء المخالفة والألم تحقيق قدَر الله في تمييز المؤمنين من المنافقين في الصف، وتمحيص قلوب المؤمنين ، ويجعل من أخطائهم وسيلة لخيرهم النهائي- ولو ذاقوا الألم - لأن هذا الألم وسيلة من وسائل التمحيص والتربية والإعداد.

    وأن خطأهم وصوابهم ، و نتائج لخطئهم وصوابهم متساوِقٌ مع قدَر الله وحكمته، وصائرٌ بهم إلى الخير ما داموا في الطريق .

 وفي الآية إشارةٌ إلى موقف عبد الله بن أبيِّ بن سلول، ومن معه، : (الَّذِينَ نافَقُوا) ..

وقد كشفهم الله في هذه الموقعة، (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) .. وهم غير صادقين في أنهم لا يعلمون أن هناك قتالاً سيكون بين المسلمين والمشركين. فلم يكن هذا هو السبب في حقيقة الأمر، وإنما هم: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) .. فقد كان في قلوبهم النفاق، الذي يجعل أشخاصهم فوق العقيدة. فالنبي لم يأخذ برأيه يوم أحد. و قبل هذا حرَمه  النبي عند قدومه المدينة ما كانوا يعدُّون له من الرياسة .. فهذا الذي كان في قلوبهم ، والذي جعلهم يرجعون يوم أحد، والمشركون على أبواب المدينة، وجعلهم يرفضون الاستجابة إلى عبد الله بن عمرو بن حرام، وهو يقول لهم: (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا) ، محتجِّين بأنهم لا يعلمون أن هناك قتالاً! وهذا ما فضحهم الله به في هذه الآية: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) .. اهـ . بتصرُّف .

     جاء في تفسير السعدي :

     (قلتم أنى هذا) أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ قل هو من عند أنفسكم) حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فاحذروا من الأسباب المُرْدية.

    (إن الله على كل شيء قدير) فإياكم وسوء الظن بالله، فإنه قادر على نصركم، ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم.

    ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان، أمرٌ قدَري و لم يبقَ إلا التسليم ، وأن له حِكَمًا عظيمة ويتبين بذلك المؤمن من المنافق، و اعتذروا بأن (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم) وهم كذَبة قد علم كل أحد أن المشركين، قد أقبلوا في جيش عظيم ، متحرِّقين على قتال المؤمنين، خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم، ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر، يرُوج على المؤمنين، (هم للكفر يومئذ) أي: في تلك الحال (أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يكتمون ضده في قلوبهم وسرائرهم.

    ويستدل بهذه الآية على قاعدة "ارتكاب أخف المفسدتين لدفْع أعلاهما، وفعل أدنى المصلحتين، للعجز عن أعلاهما"؛ لأن المنافقين أُمِروا أن يقاتلوا للدين، فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان ، (والله أعلم بما يكتمون) فيبديه لعباده المؤمنين، ويعاقبهم عليه.اهـ . بتصرُّف .

     ما نستفيده في ضوء الآيات في اليمن :

     أنه يراد إقامة دولة في اليمن ضد رعيتها ، مفسِدة في الأرض ، مهلِكةٌ للحرث والنسل  ، ووراءها تحالف دوليٌّ إقليمي ، كما هو حاصلٌ في سورية وفي العراق وفي مصر ، والمناطق في اليمن تسقط الآن منطقةً بعد أخرى لصالح هذا المشروع ، بفعل المعاصي من الناس ، وبفعل الخيانات من المنافقين الذين يُصَرِّحون بأنهم ضدَّ المَطاوِعة (أي ضد الصالحين) ، والمَطاوِعة لم يَسْعَوا للسلطة ولا اعتدَوا على النفوس ولا على الأعراض ولا على الأموال .. فهل من توبةٍ إلى الله لإيقاف المعاصي ؟ وهل من اجتماعٍ قوي لإحباط المنافقين ؟ والعبرة في بلدنا قائمة فالدماء في دماج لم تجفّ بعد ، والبيوت لا تزال مٌخَرَّبة ، والمُهَجَّرون لا زالوا بلا مأوى !!..

    ونسأل الله أن يصلح دولتنا لكي تدْفع عن رعيتها ، ولا تستجيب لتوجيهات الأجانب في إهمال رعيتها وترْك المجال للعُدوان عليهم ، ونشْر الفوضى الخلّاقة ، وإن علم الله أن دولتنا لا خير فيها فنسأل الله إبدالها بدولة صالحة .

   وفي الختام يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©