العيد والفتن وتسييس الحج

خطبة عيد الأضحى في مصلى جامعة الإيمان في10 من ذي الحجة 1430هـ الموافق 27 نوفمبر 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/tsies.mp3

   عناصر الخطبة :

   (أعظم الأيام - عدم تسييس الحج - المصافحة - زكام الخنازير- اجتمع في يومكم عيدان - الفتن : فتنة العجل أنموذجاً)

   مُلخَّص الخطبة :

   * هذا اليوم أعظم يوم عند الله كما في الحديث عند حم دك صح لب نوط ، فهو خاتمة العشر ، ويوم كثير من الشعائر و أعمال الحج كذِكْر الله عند المشعر الحرام و التلبية و التقاط الحصى و الرمي بها و التكبير والذبح و الحلق وطواف الإفاضة  والتحلُّل و السعي و المبيت في مسائه بمنى  ، و لذلك سمَّاه الله يوم الحج الأكبر ، تمييزا عن الأصغر و هو العمرة ،كما أنه يوم العيد والتكبير و الذكر لعموم المسلمين ، و الصلاة والجمع الكبير ، ولبْس أحسن الثياب ، والأضحية و تحرِّي أن لايكون فيها عيب (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) الحج . والأكل من الأضحية والإطعام كالصدقة و(كالهدية للهاشميين) والادخار خ م  (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)الحج. و التراحم و المواساة .. وكل أيام التشريق ذبح حم قط حب صح لب نوط ، وكلها ذِكْر ، ورغم إباحة اللهو في العيد فإنه محكوم بالدين ، فالمنكرات والتبرج والأغاني ممنوعة دائماً .

   *هذه الأيام متمحِّضةٌ للعبادة والعمل فيها أفضل من غيرها ، ولا بد فيها من إظهار التعبد والرِّق ، ولاجدال فيها ولا خصومات و لا مظاهرات ولا تكتلات و لا تسييس ، وقد أمر فيها الرسول ص في الحج بالسكينة  م ، ونهى عن حمل السلاح في العيد خ .. والتعريج على السياسة فيها للخطيب فقط التزاماً بشمولية الإسلام ، و لم يؤذِّن فيها للبراءة من المشركين وألَّا يطوف بالبيت عريان إلا من كلّفه ولي الأمر خ م ، و لم يعُد بحمد الله للمشركين في مكة وجود .. وشعارات أيام الحج توقيفية وهي التسبيح والتهليل طب جيد ، والتلبية والتكبير . ولاتدخُّل فيها و لا إضافات تماماً كشعائر الصلاة و نحوها من العبادات .

   * يُشرع الدعاء (تقبل الله منا ومنك) المحاملي وو صح لب ، والمصافحة لا سواها حم ت ه حسن لب ، و في ذلك سبب وقاية من الأمراض رغم أنه لا عدوى فاعلة بذاتها  خ م  ، و من الأمراض زكام الخنازير ، و في المتفق عليه أنه لا يدخل المدينة الطاعون والدجال ، ومكة أشرف منها فلا خوف على الحجاج . و رئيس تونس منَع الحج بحجة زكام الخنازير فأصابه الله به كما نشرت ذلك وكالات الأنباء .

   * وقد اجتمع في يومنا عيدان الجمعة و الأضحى ، ولم يزد ابن الزبير في خلافته على ركعتين حتى صلى العصر ،كما عند د صح لب ، وصوّب ذلك ابن عباس و هو قول عطاء و أحمد وإسحاق والمغربي والشوكاني في (النيل) والألباني . و يرى الجمهور صلاة الظهر لمن لم يصلِّ الجمعة، وهي مشروعة لقوله ص : ( وإنا مجمّعون) ده ك صح لب .

   * وفضل هذه الأيام لا يمنع من الفتن والابتلاء ، فقد حدثت فيها فتنة العجل لبني إسرائيل ، وقتل الخوارج عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة ، فلا نستغرب ما يجري عندنا من الفتن هذه الأيام  و منها الاختلاف بين الدول المتقاربة في تحديد يوم عيد الأضحى رغم ارتباطه بيوم عرفة الذي صار هذه الأيام بسبب التواصل معروفاً للعالم  ، ومنها الغضب لحادثة الكُرَة بين مصر و الجزائر ، وعدم الغضب لما يجري في فلسطين وغزة بالذات و مايجري في العراق و باكستان و أفغانستان والسودان ...إلخ .   و منها زعْم إحدى الصحف الحكومية عندنا تحريف القرآن  ، ومنها محاولات الانفصال و سفك الدماء ، و منها حرب صعدة السادسة وقبلها خمسة حروب :

كلما قلنا عساها تنجلي   ***   قالت الأيام هذا مُبتَداها

   ومنها انتقاص الصحابة علناً و هم أئمة خير أمة ،  و منها انتشار أنواع الفساد .. و رحم الله الشيخ عمر أحمد سيف الذي أنكر على تجنيد شرطيات فكيف لو أدرك التحاق الفتيات الآن بكلية الشرطة ليتخرّجن ضابطات ؟!

   يجب أن نجأر إلى الله إذا أردنا الفرج ، و لا سيما الضعفاء و المظلومون (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) ن وأصله عند خ ، (دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب) حم ق 4 (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ) الأنعام .  ونفَس ربنا يأتي من قِبَل اليمن حم ط صح لب . وكذلك نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) الأعراف .

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها   ***    فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج

   مَرْجِع الخطبة :

   * إحدى الدول و حتى بعض المفتين عملوا على مَنْع  الناس من الحج بحُجة انتشار زكام الخنازير المبالَغ في التخويف منه ، مع أنه ليس أخطر من بقية أنواع الزكام الحادة كما يقول المختصون ، وبعضهم يمنع الحجاج الذين في سن الشيخوخة بهذه الحجة . و لو افترضنا أن زكام الخنازير تحوّل إلى وباء (طاعون) ، فإن الطاعون لا يدخل المدينة .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)خ م حم  . و في رواية عند حم إضافة (مكة) ، ولكن الأرناؤوط نقل عن ابن كثير في (النهاية) أن ذِكْر (مكة) ليس محفوظاً في الحديث .اهـ . ولكن  مكة أفضل من المدينة فلا يدخلها الطاعون إن شاء الله ، قياساً على عدم دخول الدجال فيها كما ثبت ذلك عند مسلم و غيره .

   * هدْي النبي صلى الله عليه وسلم في المصافحة  فيه التخفيف و عدم التكلف ،عن أنس بن مالك قال : قال رجل : يا رسول الله ! أحدنا يلقى صديقه ؛ أينحني له ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا) . قال : فيلتزمه ويقبله ؟ قال : (لا). قال : فيصافحه ؟ قال : (نعم ؛ إن شاء) . والسياق لأحمد وكذا الترمذي ؛ لكن ليس عنده : (إن شاء) . ولفظ ابن ماجه نحوه وفيه : (ولكن تصافحوا) . قال الألباني : حسن .

   * وفي عدم التقبيل منع انتشار الأمراض لأنه وإن كان (لا عدوَى) كما في الحديث المتفق عليه ، أي لا عدوَى فاعلة بذاتها ، إلا أن في آخر الحديث عند أحمد و البخاري : (وفِرَّ من المجذوم كما تَفِرُّ من الأسد) .

   * المفروض على السلطة في بلدنا في جو الفتن و حرْب صعدة التي نعيشها أن تتجنّب وقوع الفساد و المنكرات ، وتحرص على تصحيح الأوضاع و على التوبة ، استنزالًا لعفو الله ورحمته ، واجتناباً للمزيد من غضبه و عقوبته (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام . (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) الأعراف .

   * وقد حدثت فتنة العجل في بني إسرائيل في مثل هذه الأيام المباركة كما قال المفسرون عندما ذهب موسى لأخذ ألواح التوراة في الموعد الذي واعَدَه ربه ، و نزل العقاب على المذنبين ، وفُتِحَ باب التوبة ، قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ{142} وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ{143} قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ{144} وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ{145} سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{146} وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{147} وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ{148} وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{149} وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{150} قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{151} إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ{152} وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{153} الأعراف .

   * و لا يجوز تسييس العبادات ومنها الحج لأن الغرض منها التفرُّغ لربط القلوب بالله ، و إن كان الإمام يمكن أن يتعرّض للسياسة في الخطبة التزاما بشمولية الإسلام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع ، أما الأفراد فتتركز جهودهم على العبادة و الإمعان في الرِّق و الخضوع ، إلى درجة الالتزام بما ليس معقول المعنى كعدد الحصا في الرمي والكيفيات في أداء المناسك ، و قد قال صلى الله عليه وسلم في إحرامه (لبيك بحجة حقا تعبُّداً ورِقّاً) قال العراقي في تخريج (الإحياء) أخرجه البزار والدار قطني في (العلل) من حديث أنس .

   * ولا تجوز المظاهرات في الحج ولا التكتلات والمجادلات والخلافات قال تعالى : (فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج) .. ومنَع النبي صلى الله عليه و سلم الإثارات  ففي حديث جابر الطويل الذي في صحيح مسلم  : فلم يزل صلى الله عليه و سلم واقفا - يعني بعرفة - حتى غربت الشمس وبدت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ، ودفَع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنَق للقصواء (الناقة) الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى : (أيها الناس السكينةَ السكينة) .

   * وأما الأذان الذي بعث له الرسول صلى الله عليه و سلم في العام التاسع للهجرة أبا بكر ثم عليّاً بقراءة براءة .. وبعث أبو بكر أبا هريرة في رهط يؤذّنون وأذّن معهم عليٌّ كما في المتفق عليه بأن لا يحج بعد العام مشرك و ألا يطوف بالبيت عريان ، فإن ذلك كان عندما كان للمشركين دخولٌ إلى مكة و تردُّدٌ عليها ، وقد انتهى ذلك ، و حصل المراد من الأذان و النداء ، و لم يعد للمشركين وجود في مكة بعد ذلك العام و لا للعراة ، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجَس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) التوبة . و كان هذا النداء ممن بعثهم الإمام و هو في ذلك الحين النبي عليه الصلاة و السلام ، و ليس من عموم الحجاج .

   قال النووي في(شرح مسلم) : (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) التوبة , ففعل أبو بكر وعليٌّ وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة هذا الأذان يوم النحر بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ... والظاهر أنه عيَّن لهم يوم النحر فتعين أنه يوم الحج الأكبر ، ولأن معظم المناسك فيه وقد اختلف العلماء في المراد بيوم الحج الأكبر فقيل يوم عرفة ، وقال مالك والشافعي والجمهور هو يوم النحر ، ... قال العلماء وقيل الحج الأكبر للاحتراز من الحج الأصغر وهو العمرة ...و قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحج بعد العام مشرك ) موافق لقول الله تعالى : (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) التوبة . والمراد بالمسجد الحرام ها هنا الحرم كله فلا يمكَّن مشرك من دخول الحرم بحال ، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكَّن من الدخول بل يخرج إليه من يقضى الأمر المتعلق به  ، ولو دخل خفية ومرض ومات نُبِش وأخرج من الحرم ، قوله صلى الله عليه وسلم ( ولا يطوف بالبيت عريان ) هذا إبطال لما كانت الجاهلية عليه من الطواف بالبيت عراة . اهـ .

   * وقد اجتمع في يومنا عيدان .. قال صلى الله عليه و سلم : (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة و إنا مجمِّعون إن شاء الله تعالى)د هـ ك  عن أبي هريرة  هـ عن ابن عمر . قال الألباني : صحيح.

     نقل في(عون المعبود) في شرح الحديث : (فمن شاء أجزأه من الجمعة) أي عن حضور الجمعة ولا يسقط عنه الظهر . وأما صنيع ابن الزبير - يعني في عدم الصلاة حتى العصر ، و الكلام للخطابي - فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم الصلاة قبل الزوال ، وقد روي ذلك عن ابن مسعود وروي عن ابن عباس أنه بلغه فعل بن الزبير فقال : أصاب السنة . وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى :  الجمعة والأضحى والفطر . وحكى إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له الجمعة قبل الزوال أو بعد الزوال ؟ قال إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه . وكذلك قال ابن إسحاق .اهـ . و في صحيح مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه سأل جابر بن عبدالله : متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ؟ قال كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها زاد عبدالله في حديثه حين تزول الشمس ، يعني النواضح .

   وقال الألباني في(الأجوبة النافعة) : ظاهر حديث زيد بن أرقم عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ : " أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال : من شاء أن يصلي فليصل " . يدل على أن الجمعة تصير بعد صلاة العيد رخصة لكل الناس فإن تركها الناس جميعا فقد عملوا بالرخصة ، وإن فعلها بعضهم فقد استحق الأجر وليست بواجبة عليه من غير فرق بين الإمام وغيره ، وهذا الحديث قد صححه ابن المديني وحسنه النووي . وقال ابن الجوزي : هو أصح ما في الباب .  وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم عن وهب بن كيسان قال : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخّر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل الناس يومئذ الجمعة فذُكر ذلك لابن عباس رضي الله عنهما فقال : أصاب السنة . ورجاله رجال الصحيح .

   وجميع ما ذكرناه يدل على أن الجمعة بعد العيد رخصة لكل أحد وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته كما تقدم ولم ينكر عليه الصحابة ذلك اهـ . وفي رواية عند أبي داود ذكر الألباني أنها صحيحة: (ولم يَزِد عليهما أي ركعتي العيد حتى صلَّى العصر) .  ويرى المغربي صاحب ( البدر التمام في شرح بلوغ المرام) ومثله الشوكاني في (نيل الأوطار) سقوط الجمعة والظهر معا . و نتيجة فعل ابن الزبير وقول ابن عباس وغيره من الصحابة، وقول عطاء وقول أحمد و إسحاق و المغربي والشوكاني نتيجة واحدة .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©