وتوبوا إلى الله جميعاً

خطبة جمعة في مسجد قونشلي في 14 من ذي القعدة 1439هـ الموافق 26 يوليو 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/toobo.mp3

 

     التوبة مطلوبة من جميع المؤمنين حتى من الأنبياء:

     قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور. وقال تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) النصر. وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَايَ وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي» متفق عليه، و النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك رغْم أن ما يقَع منه يَقَع مغْفورًا ، لأن الله غفَر له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأَخَّر، قال تعالى: (لِيَغْفِرَ لكَ اللهُ ما تقَدَّمَ مِن ذنبِكَ وما تأَخَّر ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عليكَ ويَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقيمًا) الفتْح.

     والمخلوق تقع منه المخالفة والتقصير وإذا كان معصومًا كالملائكة والأنبياء فيكون على سبيل النُّدْرَة، ويتمُّ تنبيهه من الله على المخالفة والتقصير، لأنه معصوم، وهذا الوقوع حتى من المعصوم ليكون هنالك فرْق بين الخالق والمخلوق، قال تعالى: (أفَمَن يخْلُق كَمَن لَا يخلُق) النحل وقال تعالى: (لَيسَ كمِثْلِه شيء) الشورى، وقال تعالى: (لا يَضِلُّ ربِّي ولا ينْسَى) طه،  وقال تعالى: (إنَّ اللهَ لا يَظْلِم مثقالَ ذَرَّة) النساء، وقال تعالى : (قولُهُ الحقُّ) الأنعام. وقال تعالى : (ذلك بأنَّ اللهَ هو الحقُّ) الحج.

     قال الحافظ في الفتح: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وُقُوعُ الْخَطِيئَةِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ جَائِزٌ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ فَيَخَافُونَ وُقُوعَ ذَلِكَ وَيَتَعَوَّذُونَ مِنْهُ، وَقِيلَ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ لِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ لِيُقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ ... ثم ذكَر الحافظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات) محمد.

      وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُقْسِم أنه يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة كما عند البخاري عن أبي هريرة، وأنه يُغَان على قلبه فيستغفر مائة مرة كما عند مسلم عن الأغرِّ المُزَنِيِّ.

      لا بدَّ من تعيين الذنب عند التوبة وتحقيق شروط التوبة:

      ولا بدَّ في التوبة من الإقلاع عن الذنب، والندَم على فعله، والعزم على عدَم العودة، والتحلُّل من الذَّنْب إن كان في حقِّ شخص بالحصول على عفْوِه، أو بتمكينه من حقِّه . وهذا معناه أنه لا بدَّ من تعيين الذنب وتحديده والاعتراف به، والعقوبات العظيمة النازلة بنا في هذا العصر هي بسبب ذنوب عظيمة، وأبرزها اتِّباع غير سبيل المؤمنين وتقليد اليهود والنصارى إلى حدِّ دخول جُحْر الضَّب كما في الحديث المتفق عليه.

       ونجد الناس يستغفرون ويستغفرون دون أن يُحَدِّدوا الذنوب في اتِّباعهم سبُل اليهود والنصارى، ومع علْم الناس أن ذلك سبب بلائهم، فإنهم يلجأُون إليهم ويسارعون فيهم، ولا يكُفُّون عن ذلك.

      عدَم استجابة الدعاء أو قبول التوبة عند عدَم الالتزام بالشروط:

      والدعاء برفع العقوبات أو بطلَب المغفرة والتوبة لا يُجاب إذا لم يسبِقْه الالتزام بشروط التوبة النَّصُوح المذكورة، لأن الله اشترط لِإجابة الدعاء أن يستجيب الداعي أوّلًا لِلَّه، قال تعالى: (وإذا سأَلَكَ عِبادِي عنِّي فإنِّي قريبٌ أُجيبُ دعْوَة الدَّاعِ إذا دَعانِ، فلْيَسْتَجيبُوا لي) البقرة.

      وجاء في الأخبار أنه سيحدث الليلة خسوفٌ للقمَر، وهو من آيات الله في التذكير والتخويف ليتوب الناس، فعلينا أداء صلاة الخسوف والعزْم على الالتزام بشروط التوبة لعل الله يتوب علينا، ويرفع عقوباته عنا، أو على الأقل عمَّن يلتزم منا بشروط التوبة.

      وفي الختام يقول سبحانه: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير) هود.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©