سقوط طاغية تونس

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 17 صفر 1432هـ الموافق 21 يناير 2011م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/tones.mp3

    عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه . قال النووي في (شرح مسلم) : مَعْنَى ( يُمْلِي ) يُمْهِل وَيُؤَخِّر ، وَيُطِيل لَهُ فِي الْمُدَّة ، وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْمُلْوَة ، وَهِيَ الْمُدَّة وَالزَّمَان ، بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا . وَمَعْنَى ( لَمْ يُفْلِتهُ ) لَمْ يُطْلِقهُ ، وَلَمْ يَنْفَلِت مِنْهُ .: أَفْلَتَهُ أَطْلَقَهُ ، وَانْفَلَتَ مِنْهُ . اهـ .

     سنة الله في إهلاك الظالمين من الكفرة والمسلمين :

     هذه سنة الله في إهلاك الظلمة فرداً أو قرية كما في الحديث ، أو دولة كما فعل الله في الاتحاد السوفيتي. و قد أمهل الله من ظلمة الكفار فرعون على سبيل المثال إلى أن أغرقه في البحر ، بعد معاناة شديدة لبني إسرائيل ، و أخْذٍ بالأسباب من موسى وهارون ودعاء .  قال تعالى : (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ، قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)  يونس .

فأجاب دعوتهما و أمرهما بالاستقامة .

     وأمهل الله من ظلمة المسلمين على سبيل المثال الحجاج بن يوسف الثقفي الذي سماه النبي عليه الصلاة والسلام مُـبِـيْراً في الحديث الذي عند مسلم ، ثم أخذه . قال الشعبي كما في (البداية والنهاية) و (تاريخ دمشق) : (ولم نكن مع ذلك بَرَرةً أتقياء، ولا فجرة أقوياء) ، يعني حين خرجوا على الحجاج بن يوسف الثقفي واستمر القتال أشهراً .  و لكن سعيد بن جبير ، كما في (البداية والنهاية) نقلاً عن (الحلية) واجه الحجاج بكلمات الحق في محاورته له ، و قبل أن يقتله دعا فقال : (اللهم لا تسلطه على أحد بعدي )  و نقل ابن كثير أن الحجاج لم يقتل أحدا بعده ، فأثمرت كلمات الحق من سعيد بن جبير  وكذلك دعاؤه في زوال الحجاج ، ولم ينفع الخروج والقتال ، لأن الاستقامة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعاء أقرب للتغيير إلى الأفضل والتخلص من الظلمة .

     و عندما يُكثِر الظالم الفساد فإن هذه هي سنة الله (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) الفجر .

     سقوط طاغية تونس مع بقاء نظامه ، والعِبَر من ذلك :

     لقد كان من ضمن هذه السُّـنَّـة سقوط رئيس تونس الذي أجمع المراقبون على طغيانه وكبْته للناس رغم أنهم قالوا إن تونس من أعلى الدول في معدلات التنمية في أفريقيا و في العالم العربي ، و كذلك قالوا لا تكاد توجد نسبة للأمية هناك بسبب انتشار التعليم .

    و رغم أن وسائل الإعلام نشرت أن المظاهرات كانت تقوم لأسباب مادية ، و ظروف تونس أحسن من غيرها في الجانب المادي ، إلا أن الله سلط الناس على الطاغية عقوبة منه لمحاربته للدين ، فالحجاب ممنوع وتعدد الزوجات ممنوع ، و المصلون مراقبون ، والتدين محارب ، والدعاة مسجونون ، فسخط الله عليه وأسخط عليه الناس ، فبانتفاضة ليست بالكبيرة مقارنة بغيرها انتقم الله منه ، وتزلزل ، وأسقط في يده وبدا ضعفه ، وقال في آخر خطاب له للناس و الانهيار ظاهر عليه : (فَهِمْتُكم !) ، و لكن بعد فوات الأوان ، ثم ضاقت عليه الدنيا ، وتنكَّر له حلفاؤه ، و في مقدمتهم أمريكا وفرنسا و الاتحاد الأوروبي , وكأنه ندم على تعجُّله في الهروب  ، فتناقلت وسائل الإعلام أنه اتصل ببطانته الذين لا زالوا في السلطة حول إمكانية العودة فرفضوه ، و أراد الله إسقاطه و إقصاءه كما أقصى الإسلام .. انتقاماً منه ،  قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران .  

     و لا زالت بطانته تحكم ، وتقصي الإسلاميين حتى من وزير واحد في الحكومة الجديدة ، وكان على أهل تونس أن يغاروا على دين الله أكثر من الغيرة على مصالحهم ليغيِّر الله أحوالهم ، ويذهب الرأس و بطانته (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد , و أما تغيير الرأس فلا يكفي ، فقد تغير سلفه بورقيبة من قبل بهذا الخَلْف  الذي سقط الآن فلم يُـغْـنِ ذلك عنهم شيئا ، واليوم ربما يحصل لهم نفس ما حصل البارحة ، (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأنعام . و يتناوب الظلمة على الناس ، إلا أن يشاء الله غير ذلك ، لأن الناس ظلموا أنفسهم و لم يتوبوا  .

     لا يمكن أن يكون التغيير إلى الأفضل مع تهميش الشرع و العلماء :

    إن الذين يأملون التغيير إلى الأفضل عن طريق السياسيين و الكُتَّاب و الصحفيين و منظمات المجتمع المدني وهم يهمشون الشرع و حمَلَته من العلماء  والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يمكن أن يفلحوا لأنهم أهملوا الأساس في التغيير ، كما حدث في تونس حيث لم يكد يتغير شيء ـ إلى الآن ـ أكثر من انتقام الله من الرأس و لكن النظام بقي كما هو كما يبدو ، لأن الانتفاضة لم تكن لله و لا رفعت شعار الإسلام قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة .  فالله يرحم الآمرين بالمـعروف الناهين عن المنكر فيغير أحوالهم إلى الأفضل . 

     كذلك فإنه في الأصل إذا كان الرسول حياًّ على سبيل الفرض فلا بد من عرْض كل أمر ذي بال عليه قبل الإقدام ، لأن له القيادة و الإمامة ، و لا يجوز التقدُّم عليه ، ومن ذلك العمل على التغيير و نحوه .. وإذا لم يكن حيا فلا بد من عرض ذلك على ورثته و هم العلماء و هم أولو الأمر كما قال المفسرون لأنهم أهل الاستنباط ، وإلا فلا نجاح بمقياس الشرع و لا تغيير . قال تعالى : (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)  النساء .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©