تمكينُ الله لِلمستَضْعَفين

خطبة عيد الفطر في مسجد أبي بكر بحي النهضة في غرة شوال 1434هـ الموافق 8 أغسطس 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

     الاحتفال بعيد الفطر شعيرةٌ ولو مع الجراح :

     هذا هو عيد الفطر ، وهو يوم الفرَح الشرعي في دوّامة المناسبات المصطنعة ، و يجب أن نفرَح به رغم الجراح وما أكثرها ، لأن هذا الفرَح إحياءٌ لشعيرة من شعائر الله ، ومن هذا الإحياء التكبير ، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة ، ولا بد من إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة ، ومن لم يفعل فهو آثم وهي في ذِمَّته حتى يدفعها .

     ورغم كلّ الجراح فالتمكين قادمٌ بإذن الله رغم أنف الكارهين ، فالولادة تتم في وقتها رضِيَ من رضِيَ وكَرِه من كَرِهَ ، والحصاد يجري في وقته لا يملك مزارعو الأرض تأجيله ، والمطر كذلك ، والشروق كذلك .. لأن الله غالب على أمره . و حتى الغربيون يقولون بأن الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو يقول نتيجةً للاستقراء : إذا حلّ زمانُ الحدَث فلا تستطيع أيُّ قوةٍ منْع حدوثه .

     تمكين الله للمستضعفين من بني إسرائيل بعد الابتلاء :

     قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ،وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) القصص .

     وإرادة الله في التمكين لبني إسرائيل كانتْ بعد ابتلاءٍ عظيم ، قال تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) البقرة . وعقيب بيان إرادة الله هذه مرّتْ فترة ولادة موسى والخوف عليه من القتْل ، إلى أن ربَّاه الله في بيت فرعون ، إلى أن صار نبيًّا ..

    وعاد فرعون من جديد ليهدِّد موسى مع بني إسرائيل بالبلاء نفسه ، قال تعالى : (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الأعراف .

     وقد تحقَّق وعْد الله ومكّن الله لبني إسرائيل بعد ذلك ، قال تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) الأعراف .

     وقد بلغ التمكين لبني إسرائيل مبلغًا عظيمًا ولاسيّما في عهد داود وسليمان عليهما السلام .

    سنة الله فـي التمكين ماضيةٌ لهذه الأمة بصورة أكمل بإذن الله رغم المعاناة :  

    وسنة الله واحدة فلا بدّ من التمكين لهذه الأمة بإذن الله ، لأن:

1-            الأحاديث تدلُّ على عودة الخلافة الراشدة آخر الزمان التي تملأ الأرض عدلًا بعد أن تمتَلِئ جَوْرًا .

2-            وتدلُّ على التجديد في رأس القرن عمومًا ، ومن ذلك تجديد الخلافة على رأس القرن من سقوط آخر خلافة وهي الخلافة العثمانية ، لاسيما وقد مرَّ 14 قرنا من عمْر أمة الإسلام .. والبدر يكتمل بعد مرور 14 ليلة !!..

                    زمانٌ توَلَّى و عهْدٌ غَبَرْ                وعَصْرٌ تَقَضَّى وأَبْقَى العِبَرْ

              و قَرْنٌ وَليدٌ بوجْهٍ جديدٍ               ستَجْرِي به مُجْرَيَاتُ القَدَرْ

              كأَنَّ اللّيالي وتَرْحالَها               حَنِينٌ إلى القادمِ المُنتَظَرْ  

              أيَا بَدْرُ هذا أوَانُ الظُّهُورِ                فمالَكَ يابَدْرُ هلْ مِن خَبَرْ؟

              وَ فِيْمَ انْتِظارُكَ والعالَـمُونَ           يَخُوضُون في الظُّلُماتِ الخطَرْ؟

              يُريدونَ نُورًا يُضِيءُ الطريقَ           ويَحْدُو الرِّكابَ إلى المُسْتَـقَرْ

              يُعاتِبُ مِيعادَكَ الناظِرونَ             أَمَا قد مضَى اثْنانِ واثنا عشر؟

    وإذا كان أُمة الإسلام تُعاني هذه الأيام من تدمير البَشر والشجَر والحجَر في سورية !! ومن الانقلاب الدموي التعسُّفي والمجازر في مصر !! ومن الاضطرابات والمؤامرات في سائر دول التغيير : ليبية وتونس واليمن .. و تُعاني هنا في اليمن من تصوير اليمن بأنه بلدٌ غير آمِن ، ومحاولة التآمر عليه لجعْله كذلك ، ومن ذلك إعلان بعض الدول إجلاء رعاياها ، وانتهاك الطائرات الأجنبية لأجواء العاصمة على مدار الساعة منذ بضعة أيام بصورة غير مسبوقة لتطبيع الناس على الذُّل والوصاية .

     و تُعاني من عودة الحصار الأشدّ على غزة ، واستمرار الاضطهاد في بورمة ، و تُعاني مِمَّا يجري في العراق وباكستان وأفغانستان وتركستان ..إلخ .

    والعالم كله يتفرّج !! لأنه ما نصَح كافرٌ لِمسلم .. فإن كلَّ ذلك لا يُحبِطنا عند ما نجِد تمكين الله لبني إسرائيل تحقّق بعد حينٍ وبعد البلاء .

     3-   وسوف يمكِّن سبحانه لهذه الأمة في زمنٍ أقرب إن شاء الله ، لأنها خير أُمَّة ولتقارُب الزمان .. عن حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ) . متفق عليه .

    4-  وسيدخل الإسلام في آخر الزمان  كل بيت وبَر ومَدَر  كما في الحد يث الصحيح عند أحمد والحاكم .  وبيوت الوبَر في البدْو ، وبيوت المدَر في الحضَر  .  و قد أورد ابن كثير الحديث عند تفسير قوله تعالى : (هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهُدَى و دِينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدين كلِّه) التوبة .

و قبْلَ الخِتامِ سَيَحْيا الأَنـامُ      ـ علَى ما يُرامُ ـ بِدُنْيا البَشَرْ

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©