مُتابَعة الطاعات

خطبة جمعة في مسجد قونشلي في 8 من شوال 1439هـ الموافق 22 يونيو 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/taat.mp3

    عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» أخرجه مسلم، وزاد في صحيح الجامع وأخرجه أحمد والأربعة.

      شرْح الحديث:

       قال النووي في شرح مسلم: فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهَا، قَالُوا فَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ، وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ، وَإِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا، وَقَوْلُهُمْ قَدْ يُظَنُّ وُجُوبُهَا يُنْتَقَضُ بِصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ الْمَنْدُوب،ِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ الْفِطْرِ، فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى أَوَاخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ..

       قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ) صَحِيحٌ ، وَلَوْ قَالَ سِتَّةً بِالْهَاءِ جَازَ أَيْضًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ صُمْنَا خَمْسًا وَسِتًّا.اهـ.

      وقول النووي رحمه الله: وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ الْفِطْرِ.. يحتاج إلى دليل، لِأن قوله بعد ذلك: فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى أَوَاخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ .. هو الذي يدلُّ عليه نصُّ الحديث، والله أعلم.

      متابعة الطاعات والمداومة عليها، وفضل الله في رفْع ثواب النافلة إلى مستوى ثواب الفريضة:

      والحديث يدلُّ على مشروعية مُتابعة الطاعات والمداومة عليها، فالمسلمون خرجوا من فريضة صوم رمضان، ولكنهم يُشْرَع لهم على سبيل النَّدْب إتْباع رمضان بستٍّ من شوال، وقد قال بعض العلماء إن مِن فضل الله الرَّبْط بين ثواب الفريضة والنافلة، ليكون مجموعهما كصيام الدَّهر، مع أن الأصل أن ثواب الفريضة أعظم، ولكن الله ساوَى بينهما، فجعل النافلة تَتْميمًا لصيام السَّنة، رحمةً مِنه بالمسلم وتفَضُّلًا وكرَمًا، ولو فعل المسلم هذا في كلِّ سنَة فكأنه صام الدَّهر.

      ومن فضْل الله أن النوافل عمومًا تكون تكميلًا للنقْص في الفرائض عمومًا مع أن الفرائض أعلى قدْرًا، فعن حُرَيْثِ بنِ قَبِيصةَ قال: قَدِمتُ المدينةَ وقلتُ: اللهم ارزقني جليساً صالحاً، قال: فجلستُ إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألتُ اللهَ أن يرزقَني جليساً صالحاً، فحدِّثْني بحديثٍ سمعتَه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنَّ أوَّل ما يحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملهِ صلاتُه، فإنْ صَلَحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فسدتْ فقد خاب وخسر، وإنِ انتقصَ من فريضتِه، قال الله تعالى: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ يُكمَلُ به ما انتُقصَ من الفريضة؟ .. ثم يكون سائرُ عملِه على ذلك". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقريبٌ منه ما عند أحمد وأبي داود والحاكم، وقال في صحيح الجامع إنه صحيح.

      المداومة على التطوُّع في الصيام وعلى التطوُّع في قيام الليل:

      ومن أجل ذلك شَرَع الله استمرار صيام النفْل على مدار العام في كل اثنين وخميس وفي أيام البيض، وفي تسع ذي الحجة ويتأكد منها أكثر يومُ عرفة، وفي صوم يَومَي عاشوراء وتاسوعاء من مُحرَّم، وفي الصيام في الأشهر الحرُم، وفي الصيام في شعبان لِمَن كانتْ له عادة، وفي صوم يومٍ وإفطار يومين، وفي صوم يومٍ وإفطار يوم كما دلَّتْ على ذلك الأدلة الصحيحة.

     وكذلك الحال في القيام، وهو أفضل نوافل الصلاة كما في صحيح مسلم، فالقيام في رمضان وأهمُّه في العشر الأواخر وفي ليلة القدْر..ينبغي استمراره طوَال العام لِلحريص على الخير، ومثْل ذلك سائر ما يعتاده المسلم من الأعمال الصالحة، قال تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) الانشراح.

      وفي الختام يقول سبحانه: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) التوبة.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©