التآلُف وإصلاح ذاتِ البَيْن

خطبة جمعة في مسجد جمعية أمة في باشَكْ شَهِير في إسطنبول في 29 من جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 16 مارس 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/taalf.mp3

  

    قال عليه الصلاة والسلام : (أَلا أخبرُكمْ بأفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَةِ؟ إِصْلاحُ ذَاتِ البَيْنِ فإنّ فَسادَ ذاتِ البَيْنِ هِيَ الحالِقَة). رواه أحمد وأبو داود والترمذي عَن أبي الدرداء، وقال صحيح وتَبِعه الألباني في صحيح الجامع.

    وجاء في فيض القدير أنه لأجل الائتلاف والاجتماع أبيح الكذب في الإصلاح لكثرة ما يندفع به من المضرة في الدنيا والدين عند تشتُّت القلوب ووهَن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد، وذكَر مع تصحيح الترمذي للحديث تصحيح ابن حجر لِسنده، وأنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وغيره. اهـ.

    ونقل المباركفوري في تحفة الأحوذي أن الأشرف قال الإصلاح أفضل من نوافل العبادات المذكورة، ثم نقل عن القاري أنه يمكن أيضًا أن يقال إن جنس ثواب الإصلاح من سفْك الدماء وانتهاك الحرمات أفضل من جنس ثواب العبادات الواجبة، لأن ثواب الإصلاح متعلق بحقوق العباد التي لا يغفرها الله، و العبادات ثوابها متعلق بحقوقه سبحانه التي يمكن أن يغفر فيها، والله أعلم. اهـ. 

    وقال عليه الصلاة والسلام: (دَبَّ إلَيْكُمْ داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ والبُغْضاءُ هِيَ الحالِقَةُ حالِقَةُ الدِّينِ لَا حالِقَةُ الشَّعَرِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا، أفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينكم) رواه أحمد والترمذي والضياء عن الزبير، وقال الألباني في صحيح الجامع: حسن. وقال المناوي في فيض القدير مولى الزبير مجهول ورواه البزار، وأن الهيثمي كالمنذري قال: سنده جيد.

      والاختلافات عقوبات بسبب الذنوب:

    قال عليه الصلاة والسلام: (مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي الله فَيُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا) رواه البخاري في الأدب المفرد عن أنس، قال الألباني: (صحيح) في صحيح الجامع. اهـ . وذكر المناوي في فيض القدير أن السيوطي رمَز لِحُسْن الحديث وذكر أنه رواه أحمد باللفظ المذكور، وقال الهيثمي: وسنده جيد، ورواه أحمد من طريق آخر بزيادة فقال: (ما توادَّ رجلان في الله تبارك وتعالى فيفرق بينهما إلا بذنبٍ يحدثُه أحدهما والمُحْدث شرّ)، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن يزيد وقد وُثِّق وفيه ضعْف.

    كما ذكر المناوي أن التفريق عقوبة لِلذنب، وأن المُزَني قال: إذا وجدتَ من إخوانك جفاء فتُب إلى الله فإنك أحدثت ذنبا، وإذا وجدت منهم زيادة وُدٍّ فذلك لِطاعة أحدثْتَها فاشكر الله تعالى. اهـ .          

    وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» متفق عليه من حديث النعمان بن بشير.  وأخرج مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري، قالَ: كانَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: (استوُوا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبكم) .

      وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» رواه مسلم وعند أحمد دون ذكر جزيرة العرب.

       وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ " قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ». رواه مسلم.

      وعن سَعْد بن أبي وقاص أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ". رواه مسلم وأحمد.

      وعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} الأنعام، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، فَقَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} الأنعام، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} الأنعام، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَيْسَرُ». رواه البخاري.

    علاج الهرْج والفِتَن هذه الأيام هو الاجتهاد في إصلاح ذات البين والإلحاح بالدعاء بالفرَج بجمْع الأمة تحت مظلَّة واحدة:

   قال تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذاتَ بَينِكُم) الأنفال. 

   وعن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه مسلم.

    وروى أحمد والأربعة والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم عن النعمان بن بشير عن الرسول عليه الصلاة والسلام: (الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ). قال الألباني: (صحيح) في صحيح الجامع

     وذكر المناوي في الفيض أن الترمذي قال: حسن صحيح، وقال الحاكم عن سند طريق البراء في الحديث: صحيح، وقال النووي: أسانيد الحديث صحيحة، ثم ذكَر المناوي أن العلماء ذكروا أن المعنى أن الدعاء أعظم العبادة مثل حديث (الحج عرفة) أي ركْنه الأكبر، وذلك لأنه في الدعاء يقبل الداعي بوجهه إلى الله مُعْرِضًا عما سواه، وكذلك فإن الإنسان مأمور بالدعاء، وفِعْل المأمور به عبادة، كما سمَّاه عبادة ليخْضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره. اهـ.

       ولا يأتي النصر إلا بالتآلف والأُخُوَّة، والتأليف هو فعْل الله فيمَن يستحقون:

       قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال. وقال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الأنفال.

       وفي الختام يقول سبحانه: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©