لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم

خطبة جمعة في مسجد هزاع المسوري في3رجب1430هـ الموافق 26يونيو2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/snan.mp3

     *حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخْذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ) . فقيل يا رسول الله : (كفارس والروم ؟) فقال ( ومن الناس إلا أولئك؟) خ حم ).

     الشرح : ( بأخْذ القرون ) تسير بسيرة الأمم قبلها . ( شِـبْرا بشـبر ) الشبر معروف والمراد بيان شدة اتباعهم والمبالغة في تقليدهم . وذكَر فارس والروم لأنهم كانوا أكبر ممالك الأرض ، والناس إنما يقلدون من كان هذا حاله وليس المراد الحصر .

    وكذلك ذكَر اليهود والنصارى في الحديث الآتي لأنهم كانوا المشهورين بالديانات السماوية .

     * حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ) . قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟)  قال :( فمن ؟) حم ق .1

     الشرح: ( سنن ) سبل ومناهج وعادات . ( شبرا بشبر ) كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم . ( جحر ضب ) حفرته التي يعيش فيها ، والضب دويبة تشبه الجرذ تأكلها العرب . والتشبيه بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ونتن ريحه وخبثه ، وما أروع هذا التشبيه الذي صدَّق معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنحن نشاهد تقليد أمم الكفر فيما تفوح منها رائحة النتن ويمرِّغ أنف الإنسانية في الأوحال. ( فمن؟ ) أي مَن يكون غيرهم إذا لم يكونوا هم ؟ وهذا واضح فإنهم المخطِّطون لكل شر.

     *هذه الأمة هي خير أمة ، وهي الأمة الوسط ، أي أنها أمة الخيار والعدول ، وهي صاحبة الأستاذية التي تحمل الهدى للعالمين ، ولكنها مع ذلك تتعرَّض للبلاء و الأمراض ، ولكن عناصر القوة و المقاومة والوقاية فيها قوية ، كالشاب القوي الذي يتعرَّض لبعض الوعَكَات ، فهي تخوض المواجهات ، وتسدُّ الثغرات ، وتمنع الاختراقات ، ومع ذلك تحصل لها غفلات ، فتمرض جزئيا ، وتُخْتَرق أحيانا ، ثم تظل تتداوَى وتتعاطى العلاج ، و تتماثَل للشفاء أو تكاد ، وتبقى فيها بعض الأمراض المزمنة في بعض أعضائها ، ولكنها في الجملة لا تقضي عليها ، بل لا تَهُدُّ قوَّتها ، ولا تنقُص بسببها عمْلَقَتُها ، و من هذه الأمراض المزمنة مرض التقليد والاتباع لبعض الأمم ، والدخول مابين وقت و آخر معها في جحر الضب ...

    *اتبع كثير من الأمة الدول الكبرى على سنة اتباع الضعيف للقوي كالاتباع لفارس و الـــروم ، والســـوفييت و الأمريكان .  كما اتبعوا أصحاب الديانات والعقائد على سنة الولع بالتقليد ، فاتبعوا اليهود والنصارى .

     *لقد دخل الأقوياء وأصحاب العقائد من الكافرين في عصرنا عبْر المنهزمين و العملاء إلى سياستنا فمزَّقونا شيعا وأحزابا و دويلات و جنسيات ، و نحن في الأصل كالجسد قوامنا النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . حتى أصبحنا كيانات نتصارع ونصنع الفوضى الخلاقة للفُرَص لتنفيذ خططهم فينا ومنها تَمـــزيق مجتمــعاتنا وتخريب وحدتنا.

    *وجعلوا مرجعيتنا في الحكم إلى العامة ، والأصل في قضايا الصناعـــات والبنايات والمستشفيات والمعسكرات أن يرجع الناس إلى كبار أهل التخصص حتى عند هؤلاء .. فكيف في هذه المفردات نرجع إلى الخاصـــة ؟ وفي الأمر الجامع لهذه المفردات و هـو الحكم نرجع إلى العامة ؟ وليس إلى أهل الحل والعقد .. إنه التناقض ! والله يقـول :  ( و لو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) النساء .

     *ودخلوا في اقتصادنا فعمَّموا علينا لعنة الربا و القروض ، ثم جرعات البنك الدولي لتركيعنا وشراء ذممنا ، و اختراق صفوفنا رغــم ثرواتنا.وعملوا على أخْذ ثرواتنا،أو فرضواعلينا تصديرها بكميات هائلة لإغنائهم بها و إفقارنا ، وهمَّشوا الزكاة وهي قوام المجتمع و ركن الإسلام .

     *ودخلوا في اجتماعنا فأخرجوا المرأة من مملكتها إلى حدٍّ ، وزعموا أنها والرجل سواء و حاولوا ضـــرْب سنة التخصُّص في كيان المجتمع ، و حرصوا على وجود المرأة في كل مكان لإفساد المجتمع ، كما حرصــوا عـلـى تـأخـير سن الزواج تيسيرًا للحرام وتعسيراً للحلال و تقليصا للتكاثر ، ونجحوا جزئيا .

     *و دخلوا في تعليمنا فجعلوه دنيويا (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) الروم ، و ضيقوا التعليم الديني و ألغوا مؤسساته رغم أنه الأصل في النظام الإسلامي (من يرِد الله به خيرا يفقهه في الدين) حم ق .

     *ودخلوا في إعلامنا فشغلوا كثيرا منا بصرف الأوقات في الترَّهات من الأغاني و الموسيقا و المسلسلات و ما يسمونه بالفنون والآثار والتشكيـــلات ، والرقص و الموضات والتبرجات و إثارة الشهوات ليلا ونهارا و الإرهاق بالسهرات و ملاحقة الألعاب و المباريات ، واصطناع الأعياد والمناسبات والاحتفالات والإنفاقات ، فنسينا إلى حدٍّ أكبر شيء و هو الذكر ، و نسي كثيرون الصلاة أو خشوعها على الأقل ، وهي معيار كل صلاح ، إنْ صلحتْ صلح سائر العمــل ، و هي الناهية عن الفحشاء و المنكر ، وجعلونا كمن قال فيهم سبحانه (حتى نسوا الذكر و كانوا قومـا بورا) الفرقان .

     *ودخلوا في أمننا وجيوشنا فجعلوها وسائل حماية للفساد و المتنفذين ، وليس لحمـــاية الدين والفضيلة والدفاع عن دار الإسلام و عن الدين ونشره في العالمين  ، و حاولوا أن يُعطّلوا فينا الجهاد ذروة سنام الإسلام .

     *لقد دخلوا على برنامجنا اليومي والشهري والسنوي و العُمْري ، ودخلوا في خصوصياتنا وغُرَف نومنا . مع أن ديننا فصّل لنا كل شيء ووضع لنا برنامجنا الخاص على مدى الحياة ، فرتَّب مواعيد نومنا وصلاتنا و أذكارنا وأداء أعمالنا وسلوكنا وتعاملنا و صلة أرحامنا ودراستنا ، وفرضوا علينا مِثْل العطلة الصيفية  فضيَّعوا شبابنا في ربيع فترات العمر.

     *إن العلاج هو في اليقظة من هذه الغفلة و اعتماد الذكر (فاذكروني أذكركم) البقرة ، والتحررمن احتلال العقول الذي هو أخطـــر من كل احتلال ، والخروج من سجن جحر الضب لضيقه وخبثه و نتنه ، (اقترب للناس حسابهم و هم في غفلة معرضـــون ، ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ، لاهية قلوبهم ) . و نحن في العطلة الصيفية فلنحرِّر أولادنا من تضييع أوقاتهم ، ولنربطهم بالصالحين و بالمساجد وحلقاتها و بالعلم والسلوك الشرعي فإن من السبعــة الذين يظلهـم الله في ظله شاباًّ نشأ في عبادة الله .

    

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©