خطورة الشَّرَاكة مع الكفَّار

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 10 صفر 1435هـ الموافق 13 ديسمبر 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/shraka.mp3

    قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ، حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ، أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ، وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) الزخرف .

       جاء في تفسير ابن كثير :

      يَقُولُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَعْشُ) الْعَشَا فِي الْعَيْنِ: ضَعْفُ بَصَرِهَا. وَالْمُرَادُ هَاهُنَا: عَشَا الْبَصِيرَةِ، (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) كَقَوْلِهِ: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النِّسَاءِ ، وَكَقَوْلِهِ: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) الصَّفِّ ، وَكَقَوْلِهِ: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) فُصِّلَتْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يتبرَّم بالشيطان الذي وُكِّل به، (قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: (حَتَّى إِذَا جَاءَانَا) يَعْنِي: الْقَرِينَ وَالْمُقَارِنَ.

      قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيري قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُعِثَ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَفَع بِيَدِهِ شَيْطَانٌ فَلَمْ يُفَارِقْهُ، حَتَّى يُصَيِّرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى النار، فذلك حين يقول: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) .

     وَالْمُرَادُ بِالْمَشْرِقَيْنِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تَغْلِيبًا، كَمَا يُقَالُ الْقَمَرَانِ، وَالْعُمَرَانُ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْعُسْرَانِ . قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.

     وَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُصِيبَةِ فِي الدُّنْيَا يَحْصُلُ بِهِ تَسْلِيَةٌ ، كَمَا في تَسَلِّي الخنساء في بكائها أَخَاهَا ببكاء الآخرين إخوانهم ، ولكن الله قَطَعَ ذَلِكَ عن أَهْلِ النَّارِ، بأن الوضع يختلف بسبب شدة العذاب فلا يحصل لهم تَسْلِيَةٌ وَلَا تَخْفِيفٌ ،و لَا يُغْنِي عَنْهمُ اجْتِمَاعُهمْ فِي النَّارِ وَاشْتِرَاكُهمْ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

    وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) فَقَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَتِ النِّقْمَةُ، وَلَمْ يُرِ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، حَتَّى مَضَى ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا وَرَأَى الْعُقُوبَةَ فِي أُمَّتِهِ، إِلَّا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وذُكر لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ مَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَمَا رُئِي ضَاحِكًا مُنْبَسِطًا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ..

     وَذُكِرَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. ثُمَّ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَ ذَلِكَ أَيْضًا .  وَفِي الْحَدِيثِ: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أمَنَة لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ). رواه مسلم في صحيحه مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.

      ثُمَّ قَالَ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) قِيلَ: مَعْنَاهُ لَشَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ.

      وَأَوْرَدَ الْبَغَوِيُّ الحَدِيثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا أكَبَّه اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

     وَ قِيلَ شَرَفٌ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أُنْزِلَ بَلُغَتِهِمْ... وَ كَانَ خِيَارُهُمْ خُلَّص الْمُهَاجِرِينَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَمَنْ شَابَهَهُمْ وَتَابَعَهُمْ.      وَقِيلَ لَتَذْكِيرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، ولَا يَنْفِي مَنْ سِوَاهُمْ، كَقَوْلِهِ: (لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الأنبياء .

     وَقَوْلُهُ: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) ؟ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: وَاسْأَلْهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ جُمِعوا لَهُ.اهـ . بتصرُّف .

     جاء في تفسير الشوكاني :

     (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) يُقَالُ عَشَوْتُ إِلَى النَّارِ: قَصَدْتُهَا، وَعَشَوْتُ عَنْهَا: أَعْرَضْتُ عَنْهَا، مثل: عَدَلْتُ إِلَى فُلَانٍ، وَعَدَلْتُ عَنْهُ، وَمِلْتُ إِلَيْهِ، وَمِلْتُ عَنْهُ، كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَأَبُو الْهَيْثَمِ وَالْأَزْهَرِيُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْقُرْآنِ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ بِشَيْطَانٍ يُقَيِّضُهُ لَهُ حَتَّى يُضِلَّهُ وَيُلَازِمَهُ قَرِينًا لَهُ، فَلَا يَهْتَدِي مُجَازَاةً لَهُ حِينَ آثَرَ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ الْبَيِّنِ.

     وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْعَشْوُ النَّظَرُ الضعيف .. قال الْحُطَيْئَةِ:

مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ *** تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مَوْقِدِ

    يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَعْنَى الْمُبَالَغَةُ فِي ضَوْءِ النَّارِ وَسُطُوعِهَا، بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهَا النَّاظِرُ إِلَّا كَمَا  يَنْظُرُ إليها من يعشُو مِنْ عِظَمِ وَقُودِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: إِنَّ مَعْنَى وَمَنْ يَعْشُ وَمَنْ تُظْلِمُ عَيْنُهُ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْخَلِيلِ .

     (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَنْتَ أَيُّهَا الشَّيْطَانُ .

     قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ بِسَبَبِ الاشْتِرَاكِ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ والشياطين الحظ الأوفر منه . وقيل: إنها لِنَفْيِ النَّفْعِ، أَيْ: لِأَنَّ حَقَّكُمْ أَنْ تَشْتَرِكُوا أَنْتُمْ وَقُرَنَاؤُكُمْ فِي الْعَذَابِ كَمَا كُنْتُمْ مُشْتَرِكِينَ فِي سَبَبِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَلَيْهِ فِيهَا بِكَسْرِ إِنَّ.

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ الدَّعْوَةُ وَالْوَعْظُ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ و أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ بِمَنْزِلَةِ الصُّمِّ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ، وَبِمَنْزِلَةِ الْعُمْيِ الَّذِينَ لَا يُبْصِرُونَ .

     و من المسلمين مَن يتشبَّهُ بهم ويتَّبِع سَنَنَهم ، ومن ذلك الإصرار على الشراكة مع الكافرين كما في هذا العصر ، ثم لا ينفع الوعظ والتذكير معهم بل يُمْعِنون في الشراكة .

     (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: قَدْ أَرَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هِيَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ مَا كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْفِتَنِ، وَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم وذهب به فَلَمْ يُرِهِ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى . (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) وَإِنْ كَذَّبَ بِهِ مَنْ كَذَّبَ (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: (فَاسْتَمْسِكْ) .

     (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) قَالَ الزُّهْرِيُّ، وسعيد ابن جُبَيْرٍ، وَابْنُ زَيْدٍ: إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ. فَالْمُرَادُ سُؤَالُ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ مُلَاقَاتِهمْ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ والْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ وَجَمَاعَةٌ: وَاسْأَلْ أُمَمَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا . وَالْمَقْصُودُ ِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَأْتِ فِي شَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرَائِعِ. اهـ . بتصرُّف.

      جاء في تفسير السعدي :

    (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)كما في قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا)

    ولن ينفعكم أيضا روح التسلي في المصيبة، فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا، واشترك فيها المعاقبون، هانت عليهم بعض الهون، وتسلَّى بعضهم ببعض، وأما مصيبة الآخرة فإنها جمعت كل عقاب، ما فيها أدنى راحة، نسألك يا ربنا العافية، وأن تريحنا برحمتك.

    لقد فسدت فطرهم وعقولهم، فصاروا كالأصم ، والأعمى بإعراضهم عن الذكر، واستحداثهم عقائد فاسدة، وصفات خبيثة، تحول بينهم وبين الهدى، فلم يبق إلا عذابهم ونكالهم .

    (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) أي: فإن ذهبنا بك قبل أن نريك العذاب فيهم ، فاعلم أنا منهم منتقمون ،(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ) من العذاب (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله أو تأخيره . وأما أنت (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) لأنك على أصلٍ أصيل، إذا بنَى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور. اهـ . بتصرُّف .

     جاء في الظلال :

     وقد قضى الله في خلقة الإنسان ذلك. و أنه حين يغفل قلبه عن ذكر الله يجد الشيطان طريقه إليه، فيلزمه، ويصبح له قرين سوء يوسوس له، ويزين له السوء ، وهذه وظيفة قرناء السوء من الشياطين: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) ..

    إن العملية قائمة مستمرة معروضة للأنظار،ولا يراها الضالون السائرون إلى الفخ وهم لا يشعرون.

     (حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ. فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ! وهكذا انتقال في ومْضة من هذه الدنيا إلى الآخرة. هناك يُفيقون كما يفيق المخمور، ويفتحون أعينهم بعد العَشَى في حنَقٍ ليقول أحدهم للآخر: (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)  ..

    (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ! فالعذاب كامل لا تخفِّفه الشركة، ولا يتقاسمه الشركاء فيهون! ويتجه بالخطاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسليه عن هذا المصير ليثبِّته على الحق الذي أُوحي إليه وهو الحق الثابت في رسالة كل رسول .

    وإذا ذهب الله بنبيِّه فسيتولَّى هو الانتقام من مكذِّبيه. وإذا قدَّر له الحياة حتى يتحقَّق ما أنذرهم به، فالله قادر على ذلك، وهم ليسوا له بمعجزين.  فاثبُت على ما أنت فيه، (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ..

    (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) ..إن هذا القرآن تذكيرٌ لك ولقومك ، أو أن هذا القرآن يرفع ذِكْرك وذِكْر قومك ، وهذا ما حدث فعلًا ..   فالرسول صلّى الله عليه وسلّم مئات الملايين من الشفاه تصلِّي وتسلِّم عليه ، وتذكره ذِكْر المحب المشتاق آناء الليل وأطراف النهار منذ قرابة ألف وأربع مئة عام، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وأما قومه فقد جاءهم هذا القرآن والدنيا لا تُحِسُّ بهم، ولكنهم واجهوا به الدنيا فعرفتْهم ودانتْ لهم ، فلما تخلَّوا عنه أنكرتْهم الأرض، وقذفتْ بهم في ذيل القافلة ، بعد أن كانوا قادة الموكب المرموقين! وإنها لتَبِعة ضخمة تُسأل عنها الأمة .. وهذا المدلول الأخير أوسع وأشمل ، وأنا إليه أميَل.

    (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا: أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟) ..والتوحيد هو أساس دين الله الواحد منذ أقدم رسول ، فعلام يرتكن هؤلاء؟..وإنه لَيَحسن في مثل هذه المواطن ألّا نعتد كثيرا بالمألوف في حياتنا ، فهذا المألوف ليس هو القانون الكلي.

     يؤْخَذ من الآيات :

    1- إهمال ذكْر الله المنهجي الواقعي التطبيقي في هذا العصر ولاسيما في السياسة والإعلام والاقتصاد وشؤون الحياة .. والاكتفاء بالذِّكْر الشعائري فقط كالتكبير والتهليل وأذكار الصلاة والتلبية !! ألْحقَ المسلمين بالشُّركاء القُرَناء من الأمم الكبرى الكافرة فأخذوا بمناهجهم في الحياة، وسُكْر هذه الشَّراكة قد لا ينفكُّ إلا بعد الندَم يوم القيامة حين لا ينفع الندم .

      2- هنالك انتقام  وعقاب قد يكون عاجلًا في الدنيا ، و علامة ذلك السكوت عن القتْل الّلا أخْلاقي الذي وصل إلى المرضى والأطباء وكبار السن ، بلا هدَفٍ إلَّا القتْل ، و وصل إلى أئمة المساجد في العراق حتَّى أُفْتِيَ بإغلاقها ، و السكوت عن الحصار الواقع في غزة ، و كذلك السكوت عن الحصار في سورية إلى درجة الإفتاء بأكْل الكلاب والقطط, و السكوت عن صنوف الاغتيالات !! وكل ذلك في ديار المسلمين دون غيرهم .

     3- لازال الشرَف ينتظر المسلمين وفي مقدمتهم العرب وسوف يعودون إلى الصدارة بإذن الله، ولكن ليس في الشراكة والشِّرك ، وإنما في التَّفرُّد والتوحيد . والمسلمون يطيقون ذلك اليوم لأنه لا تزال طائفة على الحق ظاهرين ، وغزة نموذج ,وحُجَّة على الناس بصمودها أمام كل المؤامرات.

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©