إعصار ساندي وهزة صنعاء

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 17 من ذي الحجة 1433هـ الموافق 2 نوفمبر 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/sandi.mp3

     قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) الإسراء .

     جاء في تفسير ابن كثير عن تأديب المؤمنين و عقاب الكافرين :

     قال قتادة: إن الله تعالى يخوِّف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذّكّرون ويرجعون , ذُكِر لنا أن الكوفة رجَفتْ على عهد ابن مسعود رضي الله عنه, فقال: يا أيها الناس إن ربّكم يستعْتِبكم فأعتِبوه .

     وهكذا رُوي أن المدينة زُلزِلتْ على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّات, فقال عمر: أحدثْتُم والله ، لئن عادتْ لأفعلنّ ولأفعلنّ .

     وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته , ولكن الله عز وجل يخوِّف بهما عباده , فإذا رأيتم ذلك فافْزَعوا إلى ذِكْره ودُعائه واستغفارِه ، - ثم قال - يا أُمَّة محمد ، والله ما أحدٌ أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته , يا أُمَّة محمد ، و الله لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) ... و هذا تأديبٌ للمؤمنين ..

     و أمّا الكافرون فإن الذي يحدث لهم عقابٌ و انتقام .. قال تعالى: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ) الرعد .

أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم , ليتّعِظوا ويعتبروا , كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأحقاف .. قال قتادة عن الحسن: (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ) أي القارعة وهذا هو الظاهر من السياق .

     وقال العوفي عن ابن عباس (تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ) قال: عذابٌ من السماء ينزل عليهم (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ) ، وقال عكرمة في رواية عن ابن عباس (قَارِعَةٌ) أي نكبة ، و كلُّهم قال (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ) و قال الحسن البصري: يوم القيامة .

     و مع ذلك لايَتّعِظ الكافرون .. قال تعالى: (وَنُخَوّفُهُمْ) أي الكفار بالوعيد والعذاب والنكال , (فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً) أي تمادياً فيما هم فيه من الكفر والضلال , وذلك من خذلان الله لهم.اهـ . بتصرُّف .

    نماذج من عقاب الله الاستئصاليّ للكافرين :

    قال تعالى : (وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ الآخر وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ ، فَكَذّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ، وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تّبَيّنَ لَكُم مّن مّسَاكِنِهِمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ، وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مّوسَىَ بِالْبَيّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ ، فَكُلاّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ، وَمِنْهُمْ مّنْ أَخَذَتْهُ الصّيْحَةُ ، وَمِنـْهُمْ مّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ ، وَمِنْهُمْ مّنْ أَغْرَقْنَا ، وَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوَاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت .

     و قال تعالى : (كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ  ، فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطّاغِيَةِ ، وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ، سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً ، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىَ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ، فَهَلْ تَرَىَ لَهُم مّن بَاقِيَةٍ ، وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ، فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رّابِيَةً ، إِنّا لَمّا طَغَا الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ، لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) الحاقة .

     إعصار سانْدِي في أمريكا عقابٌ ، و الزلزال الخفيف جنوب صنعاء تأديب :

     إعصار ساندي الذي أصاب شرق الولايات المتحدة و كانت الخسائر فيه عشرات المليارات من الدولارات مثلٌ قريبٌ في القوارع التي تصيب الكافرين ، و الأعاصير متتابعةٌ على أمريكا ، إضافةً إلى الإفلاس ، وفشَل السياسات و ازدياد الكراهية ضدّها حتى قال السوريون في إحدى جُمَعِهم : (يا أمريكا أمَا شَبِع حِقْدُك من دمائنا؟) ، إضافةً إلى استهتارها في الإساءة إلى مقدّسات الإسلام .. و قد تراجعتْ أمريكا إلى حدٍّ كبيرٍ عن كونها القطْب الأوحد كما كان سائدًا ، و كذلك الغرب عمومًا في إفلاساته و سياساته و إساءاته تراجع نُفُوذُهُ كثيرًا إلى الخلْف .

    و القوارع الحالية النازلة بالكافرين و تناقُص نُفُوذِهم و سقوط عدَدٍ من عملائهم الحكّام في بلاد المسلمين  تمهيدٌ إن شاء الله لِكسْر شوكتهم و هيمنتهم على ديار المسلمين ، حتى يتمكّن المسلمون من التقاط أنفاسهم ، و استعادة خلافتهم الشاملة إن شاء الله على رأس مائة سنة من سقوطها ، كما قال الله عن بني إسرائيل : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) القَصَص . و كما قال سبحانه : (قَالُوَاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ، قَالَ عَسَىَ رَبّكُمْ أن يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الأعراف .

     و الزلزال الخفيف في جنوب صنعاءَ قبل يومين تخويفٌ مُلْفِت ، و مثْل ذلك أو أشدّ منه ـ لكنه قد لا يلتَفِتُ إليه الغافلون ـ : ضعْف الأمْن ، و تربُّص الأقليات المُتَعَلْمِنَة أو المُبْتدِعة أو المُتآمِرة في الإعداد للاستيلاء على السُّلطة ، مع الكلام النّظَري على أوهام الحِوار بعيداً عن منهجية الشريعة و عن مرجعية العلماء الحاسمة فيما يجوز و ما لا يجوز ، و بعيدًا حتى عن أرض اليمن في مكان الانعقاد ، لتسجيل مواقف تآمُريَّةٍ في أمان ، و تقديم (فيتو) الرُّعاة الأجانب (سفراء الدّول الكبرى) على (فيتو) العلماء و رعايتهم ، بل عدَم وضْعِ أيِّ اعتبارٍ للعلماء .

     و ما ينزل على المؤمنين الغاية منه التأديب كما يفعل الأب مع أولاده ، قال تعالى : (و ما أصابَكم من مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديْكم و يعفُو عن كثير) الشورى .

     و أمّا ما يقع على الكافرين فهو عذاب و انتقام قد يصل إلى الاستئصال ، قال تعالى : (و من أظلمُ مِمَّن كذّب بآياتِ ربِّهِ ثمَّ أعرضَ عنها إنّا من المُجْرِمينَ مُنْتَقِمُون) الم السجدة  .     

     و في الختام يقول سبحانه حكايةً عن المؤمنين في التوعُّد للكافرين : ( ... و نحن نتربّصُ أن يُصيبَكم اللهُ بعذابٍ مِن عندِهِ ، أو بأيدينا) التوبة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©