الباقيات الصالحات

خطبة جمعة في الإصلاح في 24/6/1429هـ  27/6/2008م

 

 

* قال تعالى : (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابا وخير أملا) الكهف . وقال سبحانه : ( ويزيد الله الذين اهتدَوا هدًى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردًّا) مريم .

*     يزعمون أن من معالم هذا العصْر أن كثيرًا من الأمور تدَار بكلمة أو بكلمات ، وقد تكون كلمة سرّ يدخل بها المسؤول الأكبر لاسِوَاهُ لتنفيذ أمر عظيم كإطلاق الصواريخ عابرة القارات . ويستعظمون في ذلك البساطة مع ضخامة التأثير .. و لا يعلمون أن كلمات في دين الإسلام يكتب الله بها للإنسان ما هو أعظم من ذلك ، وأعظم من الدنيا وما فيها ، يكتب له دخول جنة الخلْد التي عرضها السماوات والأرض ، والنجاة من نار وقودها الناس والحجارة وليست كلمات سرّ ، وإنما هي مبذولة للناس أجمعين ، ومن ذلك الباقيات الصالحات ، وهي كلمات ..

  * قال صلى الله عليه وسلّم : ( خذوا جُنّتَكم 0وِقَايَتكم) من النار قولوا : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدِّمات و معقِّبات و مجنِّبات و هن الباقيات الصالحات) .  المجنبة:القطعة من الجيش على جانب العسْكر،كما أن المقدّمة هي القطعة منه تكون في الأمام، والمقصود أن هذه الكلمات حافظات حارسات لصاحبهن من جميع الجهات . رواه النسائي والحاكم عن أبي هريرة . قال الشيخ الألبــاني : ( صحيح )في (صحيح الجامع) . وعن الحارث مولى عثمان قال جلس عثمان رضي الله عنه يوما وجلسنا معه، فجاء المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه يكون فيه مد فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: (من توضأ وضوئي هذا، ثم قام يصلي صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما كان بينها وبين الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما كان بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما كان بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ،ثم إن قام فتوضأ فصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء ،وهن الحسنات يذهبن السيئات ).

     قالوا هذه الحسنات فما الباقيات يا عثمان؟ قال: ( هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله)رواه أحمد بإسناد حسن وأبو يعلى والبزارِ .

 *وهذه الكلمات أحبُّ الكلام إلى الله ، ولا ينقص الأثر لو قدَّمتَ كلمة منها أو أخّرْت ، بخلاف (كلمة السر!) .. عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أربعٌ أفضل الكلام لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أخرجه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَأَنْ أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس) أخرجه مسلم كذلك .

 *عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعارَّ من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،ثم دعا: رب اغفر لي، غفر له . قال الوليد: أو قال دعا استجيب له ، فإن قام فتوضأ ثم صلى قُبلت صلاته ) أخرجه البخاري.

  * وَرَدَ في رواية لمسلم : ( وهنّ من القرآن) ، وهي تجزئ عن القرآن ،  لأنها تصلح بدلًا عن الفاتحة في الصلاة لمن لم يستطع حفظ الفاتحة ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه، قال: ( قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) قال : يا رسول الله هذا لله عز وجل فما لي ؟ قال : (قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني) فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أمّا هذا فقد ملأ يده من الخير) رواه أبو داود ، وقال الألباني: إنه حسن .

 * وهن عِمَاد صلاة التسابيح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب : (يا عباس يا عمّاه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبُوك ألا أفعل لك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك: ـ غفر الله لك ذنبك أوله وآخره وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته ـ عشر خصال، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة ، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة قلت وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ، ثم تركع فتقول وأنت راكع عشرا ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ،ثم تسجد فتقولها عشرا ، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ، فذلك خمسة وسبعون في كل ركعة ، تفعل في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة ، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة ، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)  صحيح ابن خزيمة ، صحيح أبي داود للألباني .

* وهنّ غِرَاس الجنة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يغرس غرسا فقال: ( يا أبا هريرة ما الذي تغرس؟) قلت: غِراسًا لي، قال: ( ألا أدلك على غراس خير لك من هذا؟)قال: بلى يا رسول الله، قال: (قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة) ( صحيح ) التعليق الرغيب للألباني . وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لقيت إبراهيم ليلةَ أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غِراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) رواه الترمذي وقال الألباني إنه حسن .

  * وقائلهنّ يذكّر بنفسه فيذكره الله ويقضي حوائجه ويفرّج عنه ، ويجعل له فرَجا من أزماته ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مما تَذْكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد . ينْعطفْن حول العرش ، لهن دوِيٌّ كدوِيِّ النحل  تذكِّر بصاحبها ، أما يحب أحدكم أن يكون له ( أو لا يزال له ) من  يذكِّر به ؟) رواه ابن ماجه ، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح  رجاله ثقات  وكذلك الألباني .

 * قال الحافظ العلائي في رسالة له عن الباقيات الصالحات :

     ذكر الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله في أثناء كلامٍ له أن أسماء الله تبارك وتعالى كلها مندرجة في هذه الكلمات الأربع الباقيات الصالحات، ثمّ بيّن رحمه الله ذلك بأن قال:

      سبحان الله معناه التنزيه والسلب، أي نسلب كل نقص وعيب عن الله عز وجل، فيندرج تحته ما كان من الأسماء سلبا، كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب، والسلام وهو السلام من كل آفة .

     والحمد لله مشتملة على ضروب الكمال لذاته وصفاته ، فيدخل تحتها كل اسم إثبات ،كالعليم والقدير والسميع البصير فنفينا بسبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه  وأثبتنا بالحمد لله كل كمال عرفناه وكل جلال أدركناه .

     ووراء ذلك كله تبيان عظيم غاب عنا وجهلناه، فنحقّقه إجمالًا بقول: الله أكبر، لقـــول النبي:  (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، فيدخل فيه كل اسم تضمّن ذلك ،كالأعلى والمتعالي  .

فإذا كان في الوجود من هذا شأنه، نفينا أن يكون في الوجود من يشاكله ويناظره، فحققنا ذلك بقولنا:   لا إله إلا الله .     فيدخل فيه مِن أسمائه ما تضمن ذلك، كالواحد والأحد وذي الجلال والإكرام .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©