مَن أدرَك شهر رمضان ...

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 21 رمضان 1435هـ الموافق 18 يوليو 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/rmdaan.mp3

   تدارُك ما بَقِيَ من رمضان :

   قال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الزمر .

     وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  صعِد المنبر فقال : (آمين ، آمين ، آمين) ، قيل يا رسول الله : إنك صعدت المنبر فقلت : (آمين ، آمين ، آمين ) ، فقال : (إن جبريل عليه السلام أتاني فقال : مَن أدرك شهر رمضان فلم يُغفَر له فدخل النار فأبْعَدَهُ الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومَن أدرك أبَوَيْه أو أحدَهما فلم يَبَرَّهُما فمات فدخَل النار فأبْعَدَهُ الله قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومن ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك فمات فدخَل النار فأبْعَدَهُ الله قل : آمين ، فقلت آمين) . رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له ، وقال الألباني حسن صحيح .

    و عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لِي: (عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ) رواه أحمد وقال محققو مسند أحمد بإشراف التركي : إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم  والبيهقي في "الشُّعَب" وأخرجه النسائي .

    فَسنُيَسِّرُهُ لليُسْرَى :

    عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: " لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ "

ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ " ثُمَّ قَرَأَ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) السجدة ، حَتَّى بَلَغَ،(يَعْمَلُونَ) السجدة.

     ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ) ، ثُمَّ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟) فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ، فَقَالَ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا) ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ،  أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟) رواه أحمد ، وقال محققو مسند أحمد بإشراف التركي : صحيح بطرقه وشواهده ، ورواه الترمذي والبيهقي والبزار وغيرهم .

     وعن أَبي عِنَبَةَ - قَالَ سُرَيْجٌ وَلَهُ صُحْبَةٌ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَسَلَهُ) ، قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: (يَفْتَحُ اللهُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ) ، رواه أحمد ، وقال محققو مسند أحمد بإشراف التركي : صحيح لغيره ، رجاله ثقات غير بقية- وهو ابن الوليد- فهو ضعيف يُعتَبر به في المتابعات والشواهد وكان كثير التدليس، لكنه صرَّح بسماعه من محمد بن زياد عند ابن أبي عاصم والقضاعي، وأبو عِنَبة مختلف في صحبته كما سلف.

   وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" ، والطبراني في "مسند الشاميين" ، والقضاعي في "مسند الشهاب"  من طردق عن بقية به.

وروي عن بقية عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة الباهلي، أخرجه الطبراني في "الكبير"  ، وفي "مسند الشاميين" وفي الباب عند أحمد عن أنس وعن عمرو بن الحَمِق ، وإسنادهما صحيح .

    قال ابن قتيبة في "غريب الحديث": قوله: "عسَلَه" أُراه مأخوذاً من العسَل ، شبَّه العمل الصالح الذي يُفتَح للعبد حتى يرضى الناسُ عنه، ويطيب ذكْره فيهم بالعسل .  و جاءضبْطه بتشديد السين كما في النهاية .

    وقال الزمخشري في "الفائق" : هو من عَسَلَ الطعام يعْسِلُه: إذا جعل فيه العسل، كأنه شبَّه ما رزقه الله تعالى من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يُجعل في الطعام، فيَحْلَوْلي به ويطيب.

    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - شَكَّ الْأَعْمَشَ - ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ) ، رواه أحمد ، وقال محققو مسند أحمد بإشراف التركي : إسناده صحيح على شرط الشيخين. والشكُّ في صحابي الحديث لا يضرُّ. وأخرجه بنحوه أبو نعيم في "الحلية" ، وقد أشار الحافظ ابن حجر في "أطراف المسند"  إلى أن هذا الحديث مقيَّدٌ بشهر رمضان ، وجاء مفسَّرًا في حديث أبي صالح عن أبي هريرة عند ابن ماجه والترمذي وغيرهما .

    وفي غير حديث أبي هريرة عند أحمد عن أبي غالب صاحب أبي أمامة ، عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: (إن لله عز وجل عند كل فِطْرٍ عتقاء) ، وسنده قوي .

    وأخرج ابن ماجه عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن لله عند كل فِطْرٍ عتقاء، وذلك في كل ليلة) . قال البوصيري : رجالُ إسناده ثقات.

    استَعِن بالله ولا تعجِز :

    و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ أَوْ أَفْضَلُ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلَا تَعْجَزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ، فَقُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ صَنَعَ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوَّ، فَإِنَّ اللَّوَّ تُفْتَحُ مِنَ الشَّيْطَانِ " رواه أحمد ، وقال محققو مسند أحمد بإشراف التركي : حديث حسن، وقد اختُلِف في إسناد هذا الحديث.

     و أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"  ، وأخرجه مسلم  ، وابن ماجه  ، وابن أبي عاصم في "السنة"  ، ، والطحاوي في "مشكل الآثار"  ، وابن حبان ، والبيهقي في "السنن" وفي "الأسماء والصفات" ، وفي "الاعتقاد".

    منطِق المسلم غير المنطِق الأعوج للكافر وللمنحرف :

     قال تعالى : (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ، الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) الأعراف .

    وقال تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) إبراهيم .

   وقال تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة .

     ما يجري على غزة والعالم الإسلامي هذه الأيام من هذا العِوَج والبَلاء :

    حرْبٌ ضَرُوسٌ منذ أكثر من أسبوعين .. دمارٌ بلا حدود ، وإبادةٌ للبشر ، وأرضٌ محروقة ، وحصارٌ لا مثيل له منذ سنوات طويلة حتى ممَّن يزعمون أنهم أولو القربى ، وعالَمٌ متوحشٌّ إقليميٌّ ودوليٌّ يتفرَّج ، ويقف مع الجلَّاد ضدَّ الضحيَّة ، وقد دخلَت امرأةٌ النار في هرَّةٍ حبَستْها كما في المتفق عليه .

    وهكذا المخطَّط على  سائر بلاد الإسلام القتْل والإبادة والدمار.. في العراق وسورية ومصر وليبية واليمن والصومال وأفغانستان ... إلخ . بإشراف الأمم المتحدة والمنظَّمات الدوليَّة ، وبالتواطُؤ بين الغرب والأنظمة الموالية له ، وهذه الأنظمة تُقَدِّم المال للمخطَّط كما تُقَدِّم الرجال عند الحاجة ، والقتلى في كل الأحوال مسلمون ، وهو ما سمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم الهرْج كما في المتفق عليه .

   عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ) قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: (القَتْلُ القَتْلُ) . وهو مايسميه الغرب المتآمر علينا الفوضى الخلَّاقة ، ونسأل الله الفرَج .

   وفي رواية عند أحمد  عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ) . فَقَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ) . قَالُوا : أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا. قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) ، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (إِنَّهُ يُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ) قال محققو مسند أحمد صحيح ، والهباء أصله الغُبار المُنْبَثّ ، والمقصود أراذل الناس .

     وفي الختام يقول سبحانه : (يا أيُّها الذين آمنوا استجيبوا لِلَّهِ وللرسولِ إذا دعاكم لِنَا يُحْيِيْكُم) الأنفال .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©