خطاب هرقل وخطاب أوباما

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في12جماد ثاني 1430هـ الموافق 4يونيو2009م

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/obama.mp3

     * مقتطفات من حديث ابن عباس عن أبي سفيان مع هرقل المتفق عليه :                          * (...فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ؟ فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله . وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه . وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب . وسألتك هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر . وسألتك بِمَ يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمَيَّ هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم حتى أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه .....).

     * قال أبو سفيان : ( ...وأُخرِجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أَمِر أََمْر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك نبي الأصفر . فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام ...).

     *(... أُتِيَ هرقل برجل أرسل به ملك غسان يُخبِر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال أذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن ، وسأله عن العرب فقال هم يختتنون ، فقال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر...).

     * (...وسار هرقل إلى حمص فلم يَرُمْ حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي ، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حَيصة حمُر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان ، قال : ردوهم علي ، وقال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه... ).

     * جاء في (الفتح) : زاد بن إسحاق في روايته قال أبو سفيان : ( فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف يعني هرقل) .

      قوله (أخلُص) بضم اللام أي أصل ، يقال خلص إلى كذا أي وصل ، قوله (لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي تكلفت الوصول إليه ، وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم من القتل إن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه ، وللطبراني من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد عن دحية في هذه القصة مختصرا ، فقال قيصر: (أعرف أنه كذلك ولكن لا أستطيع أن أفعل ، إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم ) .

      وفي مرسل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال : ( ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي ، ولولا ذلك لاتبعته) لكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه أسلم تسلم ، وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم لو أسلم من كل ما يخافه ، ولكن التوفيق بيد الله تعالى ، وقوله (لغسلت عن قدميه) مبالغة في العبودية له والخدمة . زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان : (لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه) وهي تدل على أنه كان بقي عنده بعض شك ، وزاد فيها ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من كرب الصحيفة ، يعني لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم  ،وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالما لا ولاية ولا منصبا ، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة  .

     وقوله (وليبلغن ملكه ما تحت قدمي) أي بيت المقدس وكنى بذلك لأنه موضع استقراره أو أراد الشام كله ، لأن دار مملكته كانت حمص ، ومما يقوي أن هرقل آثر ملكه على الإيمان واستمر على الضلال ، أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين . ففي مغازي ابن إسحاق: وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين فحكي كيفية الوقعة .

      وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه قارب الإجابة ولم يجب  ، فدل ظاهر ذلك على استمراره على الكفر ، لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله قومه  .

     إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم  : ( إني مسلم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (كذب بل هو على نصرانيته )وفي كتاب الأموال لأبي عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد الله المزني نحوه ولفظه : فقال (كذب عدو الله ليس بمسلم ) فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ويعمل بمقتضاه ، بل شح بملكه وآثر الفانية على الباقية .

     وفي رواية ابن إسحاق أن هرقل أرسل دحية إلى ضغاطر الرومي وقال : (إنه في الروم أجوز قولا مني ) وأن ضغاطر المذكور أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ، ولبس ثيابا بيضا وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام وشهد شهادة الحق ، فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه ، قال فلما رجع دحية إلى هرقل قال له : (قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا ، فضغاطر كان أعظم عندهم مني) .     

     قلت : فيحتمل أن يكون هو صاحب رومية الذي أبهم هنا ، لكن يعكِّر عليه ما قيل إن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية ، وإنما قدم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك ،فالراجح أن دحية قدم على هرقل أيضا في الأولى ، فعلى هذا يحتمل أن تكون وقعت لكل من الأسقف ومن ضغاطر قصة قُتِل كل منهما بسببها ، أو وقعت لضغاطر قصتان إحداهما التي ذكرها ابن الناطور وليس فيها أنه أسلم ولا أنه قتل ، والثانية التي ذكرها ابن إسحاق فإن فيها قصته مع دحية وأنه أسلم وقتل والله أعلم . اهـ المنقول من مواضع من (الفتح) في شرح حديث هرقل .

    * أما أوباما فقد ألقى خطابه في القاهرة أمس ، ومدح الإسلام و حضارته على طريقته و ذكر استفادة الغرب منه ، و أشار إلى حوالي أربع آيات من القرآن  ، في حين ذكر فقرة من التوراة وأخرى من الإنجيل في خطابه ، و كرر السلام عليكم ، وأورد علاقته و إعجابه بالإسلام ، وأن أباه إفريقي مسلم ، وأنه عرَف المسلمين و حياتهم المتميّزة في صِغَره عن قُرْب في إندونيسيا وعرف الأذان  ، لكنه ذكَر أنه نصراني . وقال إنه يحق للمرأة أن تختار الحجاب ، وأنه في خصوص الديمقراطية لا يريد فرض نظام بلدٍ على بلد آخر ، و أنه يمكن أن تتفق الدول على العدالة وحكم القانون وحقوق الإنسان ، و بذلك لم يُروِّج للديمقراطية كما يفعل بعض المسلمين ، لأنه أدرك و هو النصراني أنها نظام ، و أن الإسلام نظام آخر . قد يكون الرجل مُعْجبا بالإسلام!!

    * فرض الإسلام نفسه بفضل الله ثم بالجهاد ، و أصبح رئيس أكبر دولة يُظهر الحرص على أن يخطب ودَّ المسلمين ، و يتكلم عن بعض حقائق الإسلام من وجهة نظره!! والغالب أن هذا خداع ،و ربما كلمات حق يراد بها باطل ، و استراتيجية جديدة لمحاولة امتصاص الكراهية الواسعة لأمريكا في العالم الإسلامي ، بل في العالم .     

    *ومما يؤكد ذلك أن سياسة الإبادة والاستئصال ماضية بصورة أشد في فلسطين في الضفة وغزة ، و في وادي سوات وغيره في باكستان وكذلك في أفغانستان ، و في العراق و في الصومال وفي السودان ، وفي العمل على تمزيق اليمن ، وإحاطته بالسفن الحربية ـ بحجة القرصنة ـ ، تربصًا للانقضاض على الفريسة لترسيم التمزيق تحت مظلة الأمم المتحدة  .. بعد سنوات من الخطط والجرعات المدمرة ، والتحضير للفوضى الخلاّقة الممهِّدة لذلك...

     *إن خطاب أوباما تخديريٌّ إلهائي يجب الحذر منه ، وإن كان يحمل في طياته شهادات للإسلام العظيم . والحق ما شهدت به الأعداء . (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) الأنعام .

    

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©