و قالوا لنْ نُؤْمِنَ لَكَ ...!!

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 23 محرم 1434هـ الموافق 6 ديسمبر 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/nomn.mp3

    سِلْسِلة تعنُّتاتٍ و بلْطَجاتٍ قديمة !!.. و عدَمُ مُسايَرتها:

     قال تعالى : (ولقَدْ صرَّفْنا للناسِ في هذا القرآنِ من كلِّ مَثَلٍ فأَبَى أكثرُ الناسِ إلّا كُفُورًا ، وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ !! ..قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا) الإسراء .

     جاء في فتح القدير :

     أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (و قالوا لنْ نؤمنَ لك) قال : نزلتْ في أخي أمِّ سلمة ، عبدِ اللهِ بن أبي أُمَيّة .

     و أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (يَنْبُوعًا) قال : عُيُونًا . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : الينبوع هو النهر الذي يجري من العين .

     و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أو تكونَ لك جَنّة) يقول : ضَيْعة . وأخرج ابن جرير عنه (كِسَفا) قال : قِطَعا .

     و أخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا (قَبِيلًا) قال : عَيَانًا وأخرج ابن جرير عنه أيضا (من زُخْرُف) قال : من ذهَب . وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري و أبو نعيم عن مجاهد قال : لم أكن أُحْسِن ما الزُّخْرُف ؟ حتى سمعتُها في قراءة عبد الله أو يكون لك بيت من ذهَب .

    و أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : (كتابًا نقرؤُه) قال : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان ، يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعةٌ يقرأُها .

       (قل سبحان ربِّي) أي تنزيهًا لله عن أن يعجِز عن شيء ، وقرأ أهل مكة والشام : (قال سبحان ربي) يعني النبي صلى الله عليه و سلم ، (هل كنتُ إلا بشرًا) من البشر ، لا ملِكًا حتى أصعد السماء، (رسولا ) مأمورًا من الله سبحانه بإبلاغكم ، فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشرًا قدَر على شيء منها ؟ وإن أردتم أني أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يُظهرها على يدِي ، فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفَاهُ ذلك ، لأن بها يتبيَّن صِدْقه ، ولا ضرورة إلى طلب الزيادة وأنا عبدٌ مأمور ليس لي أن أتحكّم على ربي بما ليس بضروري ولا دعتْ إليه حاجة ، و لو لَزِمتْني الإجابة لكل مُتَعنِّتٍ لَاقترَح كل معاندٍ في كل وقتٍ اقتراحاتٍ وطلب لنفسه إظهار آياتٍ ، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا ، وتنزَّه عن تَعنُّتاتهم وتقدَّس عن اقتراحاتهم .

     جاء في تفسير ابن كثير :

    وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له ، لو علِم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادًا لأُجيبواإليه ، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفرًا وعنادًا، فقيل للرسول: إن شئت أعطيناهم ما سألوا فإن كفروا عذبتهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين ، وإن شئت فتحتُ عليهم باب التوبة والرحمة ، فقال : "بل تَفتَح عليهم باب التوبة والرحمة" كما تقدم ذلك في حديثي ابن عباس والزبير بن العوام أيضًا ، عند قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا) الإسراء .

     و قال تعالى: (وَ قَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ، انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ، تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ، بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا) الفرقان .

..... و لو شاء الله لأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا، ولكن علِم أنهم لا يهتدون ، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ) يونس ، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) الأنعام .

     وقد سأل نبيّ الرحمة، ونبيّ التوبة المبعوث رحمة للعالمين، إنظارهم وتأجيلهم ، لعل الله أنْ يُخرِج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا. وكذلك وقع، فإن من هؤلاء الذين ذُكِروا من أسلَم بعد ذلك وحسُن إسلامه ، حتى "عبد الله بن أبي أمية"  الذي قال لِلنبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، أسلم إسلامًا تامًّا، وأناب إلى الله عز وجل. اهـ . بتصرُّف .

      لا التفاتَ إلى التعنُّتات :

    قال تعالى : (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ، وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) الأنعام .

     هل تريدُ عُذْرًا أو حِمَارًا؟

    يحاوِل الإسلاميون قطْع معاذير العلمانيين بمُسايَرتهمَ مسايَرَةً ديمقراطية في مصر و تونس واليمن و حتى في سورية ، ولكن دون جدوى ، و هم لا يرضَون بأقل من منْع الإسلام أن يحكُم ، و منْع الإسلاميين أن يحكُموا ، حتى لا يظهر نجاحهم ، و رغم أنّ الإسلاميين يكرّرون المسايَرة بالاحتكام إلى الشعب كما في الاستفتاء على دستور مصر ، إلا أن العلمانيين لا يريدون ذلك ، و يمارسون القتْل والبلطجة والتخريب و إحراق مقرّات الإسلاميين دون وازعٍ أو رادع ، كما حصل خلال هذا الأسبوع ، و يَسْتقْوُون بالخارج إعدادًا وتمويلاً ..

     و في سورية بدأتْ تمثيلية الأسلحة  الكيماوية ، والإغراء للنُّصيريين باستخدامها تمهيدًا للتدخُّل الخارجي لِمنْع الإسلاميين من ثمرة جهادهم .. مع زيارةٍ مشبوهةٍ للأمين العام للأمم المتحدة في هذا اليوم إلى الأردنّ .

     وفي تونس فإن الإسلاميين أغلبية والحكومة بيدهم ، و لكن المتآمرين يشغلونهم بالاضطرابات و المظاهرات ، إلى درجة قولهم : غيّروا المحافظ الفلاني .. بدون مبرِّر !! .. حتى إن رئيس الدولة و هو ليبرالي يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة ، رغم أنهم أحسَنوا إليه فجعلوه رئيسًا و لا أغلبية له ، و كذلك رئيس البرلمان ليس له أغلبية ، و مع ذلك لم يتْرك المتآمرون الأمور تمضي بهدوء رغم انفتاح الإسلاميين في تونس ، وتغاضيهم عن الفساد والقوانين العلمانية و عن أوضاع المرأة التي لا زالتْ هناك على النّمَط الغربي .

     و في اليمن تمّ التنازل عن الأغلبية حتى بمنطق الديمقراطية ، و قيل بأن الحوار لا سقْف له !! بمعنى ليست له مرجعية ، و في ذلك تهميشٌ للدِّين ، مع أن أغلبية الناس لا يقبلون بذلك ، وقيل للجنوب نصْف التمثيل في الحوار ، لإثارة العصبيّة ، و قيل للمرأة ثلاثون في المائة ، و هذه النسبة سارية على كل الكيانات الممثَّلة ، و استبعدوا العلماء و شيوخ القبائل ، و رغم كل ذلك يُعلِن الحِراك الجنوبيُّ عدم قبوله ، و يُقابِله السُّفراء و يَتَفَّهمون طرحَه ، وبمعنىً أوضح .. تظلّ الأزْمة: (مَحلَّك سِرْ) كما يقال.

    و أطرافٌ أخرى يمارسون جلْب الأسلحة و توزيعها و تواصُل قطْع الطُّرُق والكهرباء و أنبوب النفط و الاغتيالات ، إلخ .. !!..

     يَحْكُون أنّ شخصًا طلَبَ من صاحبِه أن يُعِيْرَهُ حمارَهُ ، فاعتذر له بأنه غير موجود ، فنهَق الحمار و فضَح صاحبه ،  فكان جواب صاحبه بِبُرودٍ : هل تريد عُذْرًا أو تريد حمارًا ؟ .. بمعنى أنه لا التفاتَ لِلمنطِق !! .. و إنما لِلهوَى و المغالَطة !!  ..

    ممّا يعني أنه لا جدوَى من المسايَرَة و ذلك تضييعٌ للوقت و جنايةٌ على البلد والدِّين ، فالدّين ليس قابلاً للأخذ والرّد ، و لا للاستفتاء الديمقراطي عليه .. و إنما الحلّ هو الوضوح و التمسُّك بالدّين بقوّة و بدون أيّ تنازل ، قال تعالى : (فإنْ تولَّوا فإنما عليك البلاغُ المُبين) النحل .

     فإمّا أنْ يكون الإسلاميون بدرجة من القدْرة على احْتِواء الآخرين دون تنازل ، و قادرين على المضيّ إلى الأمام ليحكُم الإسلام ، و إما ألّا يكونوا قادِرِين ، و هم معذورن و يتْركون التنازلات ، و لو حكَم الضلال الصِّرْف ، فالإسلام لا يقبل التخليط ، حتى يأتي الله بالفتْح أو أمرٍ من عنده  ، كما حصل من تمكينِ اللهِ لِلرسول والصحابة و للأخيار على مدار القرون .. قال تعالى : (و احذرْهم أنْ يفتِنوكَ عن بعضِ ما أنزلَ الله إليكَ ، فإنْ تَوَلَّوا فاعلمْ أنّما يُريدُ اللهُ أنْ يُعَذِّبَهم ببعضِ ذُنوبِهم ، وإنّ كثيرًا من الناسِ لفاسِقون) المائدة .

    العَرْقلة و التشويش من أساليب الأعداء في منْع ظهور الحقِّ :

    إن مؤامرة الأعداء في الكيد المستمرّ للإسلاميين و عدم إتاحة الفرصة لهم ليكسِبوا الناس و يتالّفوهم من خلال إظهار الحق و إصلاح الحكم .. قال تعالى : (يُريدون أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأفْواهِهم و يَأْبَى اللهُ إلّا  أنْ يُتِمَّ نُورَهُ و لو كَرِهَ الكافرون) التوبة .

    و لذلك يتمّ افتعال الأحداث المُعرْقِلة لِمنْع أيّ فرصةٍ للنجاح ، وينخدع البسطاء الذين يظنّون أن التنازلات مُجْدِية .. قال تعالى : (و لو فتَحْنا عليهم بابًا من السماءِ فظلُّوا فيهِ يَعْرُجون ، لقالُوا إنما سُكِّرَتْ أبصارُنا بل نحنُ قومٌ  مَسْحورون) الحِجْر .   فإذا لم يفهم العقلاء فيالَلأسف!! ..

     و الكيدُ بالعرْقَلة والتشويش طريقةٌ قديمة ، قال تعالى : (وقال الذين كفروا لا تَسْمَعوا لِهذا القرآنِ و الْغَوْا فيهِ لعلّكم تَغْلِبون) حم السجدة .

    و في الختام فإن المنافقين و الكافرين لا يُطيقون الحقَّ و لا الإسلام مهما كانت التنازلات .. قال تعالى : (لقد جِئْناكم بالحقِّ و لكنَّ أكثرَكم للحقِّ كارهون) الزُّخْرُف .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©