مرجعية العلماء والشريعة لا تصويت عليهما

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16ربيع الآخر 1433هـ الموافق 9 مارس 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/mrgia.mp3

    لا بد أنّ العلماء مرجعية المؤتمر الوطني ، والموقف الشرعي من قرارات المؤتمر :

     الناس يرجعون إلى العلماء الربانيين قال تعالى : (و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب و لما كنتم تدرسون) آل عمران ، عندما يحتاجون إلى الاستفتاء في عبادة أو معاملة أو خصومة ، قال تعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) الأنبياء . و لاشك أن الذي شرع الطهارة و أحكامها و آداب الخلاء و الأحوال الشخصية لا ينسى الأحوال العامة و أمور الدولة و القصر ، قال تعالى : (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) النحل ، و كما يُرجع إلى العلماء في تلك يُرجع لهم في هذه .

     و أهمُّ شرطين لدخول العلماء المؤتمر الوطني الذي سوف يُعْقَد قريباً : الاعتراف أوّلاً بمرجعيتهم فيما يجوز و ما لا يجوز لأنهم الموقّعون عن الله و قد رفَعهم الله ، و ليس تنازلهم عن ذلك من التواضع ، و إنما التنازل هنا و العياذ بالله تنازلٌ عن حكم الله بمرجعيتهم ..

     و الشرط الثاني : هو أن لا يُطرح شيء من شرع الله للتصويت ، فإذا بيّن العلماء شرع الله فلا بد من الاستسلام له ، و لا يجوز التنازل عن شيء من ذلك لأن ذلك تنازل عن حكم الله بنفاذ شرعه ، و لا يملك ذلك أحد .

     و قد يقال عدم حضور العلماء  تهميشٌ ، فنقول من يظن أنه يهمّش العلماء فهو في الحقيقة إنما يُهَمّش نفسه ، فإن الله يرفعهم بثباتهم على الحق ، و الناس في نهاية المطاف راجعون إليهم ،قال تعالى : (يرفعِ الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات) المجادلة .

     و كما هو معلوم لا يمكن تهميش العلماء ، لأنهم ورثة الأنبياء لأن تهميشهم تهميشٌ للدين فَهُم حَمَلَتُه ، و لا كذلك تهميش من لا يقبل بالمستوردات ، أو التعايُش معها ، لأن الله حافظٌ دينه ..  و إذا لم يستجب الذين يُعِدّون للمؤتمر المنتظر لمرجعية العلماء ، بسبب تُخْمَتهم من تناوُل المستورد ، و إنما يريدون العلماء للديكور و البروتوكول .. فلا يجوز للعلماء القبول بهذه الشكلية و التزييف ، بل يجب عليهم إعلان التبرُّؤ ممن يريدون ذلك منهم ، لأنهم ورثة النبي صلى الله عليه و سلم ، و دين الله محفوظ ، و على العلماء حفظ دينهم من التنازلات .    

     و من الأمور التي سوف يبحثها المؤتمر القضية الجنوبية و قضية صعدة ، و الدستور ، و لا بد أن تكون المرجعية للعلماء كما ذكرنا .

     و أبرز الثوابت الشرعية التي يجب الالتزام بها كما ذكرنا العمل على إيقاف القتال هنا و هناك ، و إجراء الحوار و المصالحة بإشراف العلماء، و اجتناب ما لا يجوز .. و ممّا لا يجوز كما هو معلوم العلاج بالانفصال أو ترتيب امتيازات تفرضها الضغوط و القوة  .

     و أما الدستور فدستورنا الكتاب و السنة ، و لا بأس بوثيقة إدارية لا تشريعية أو نظام أساسي لإدارة الدولة يجهِّزها أهل الحل و العقد ،  كما يتم تجهيز لوائح  في كافة المجالات ، فالمؤسسات العملاقة و الشركات الدولية و بعضها أضخم من الدول ، يحكمها نظام أساسي ..

     و تختص لجنةٌ دائمةٌ من كبار العلماء بالإشراف على تجهيز الوثيقة الإدارية و اللوائح من أجل بيان ما يجوز و ما لا يجوز ، كما يختصون كذلك بإعداد و مراجعة الاختيارات الفقهية في كل المجالات ، قال تعالى : (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء . 

      لا يتمُّ حفْظ الدين بالتنازلات :

      و حفْظ الدين لا يتم بالتنازلات ، قال تعالى : ( فإنْ عصَوْكَ فقل إني بريءٌ مما تعملون) الشعراء ، و نفور الناس عن مرجعية العلماء شؤمٌ عليهم و استحقاقُ عقاب ، و من عادَى أولياءَ الله آذَنَه اللهُ بالحرب كما في حديث البخاري ، و من العقاب ما نراه الآن في بلدنا من تجدُّد القصف و الاختطافات و الاعتداء على الكهرباء وقطع الطرُق و ذوْق بعضنا بأس بعض ، رغم ما كان حدَث من الانفراج و لا بدّ من التوبة ..  و لا جدوى في الملاحقة لمن لا يُقَدِّرون العلماء و العلم ، و يكفي النصح و إقامة الحجة عليهم ، قال تعالى : (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) الأعراف ، و قال تعالى : (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة .

     و لا بد أن تمضي سنة الله ، فإن الهداية بيد الله قال تعالى : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) القصص ، حتى يتربّى الناس بالأحداث و المصائب ، قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم . و قال تعالى : (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى .

و ما خوضُ السياسة في فريقٍ    **    غريقٍ في الخطايا غافلينا

سِوَى مُستنقعٍ من خاض فيه   **    تلطّخ مثل باقي الخائضينا

و أسْلَمَةُ السياسة وَفْقَ شرعٍ   **        بتربيةِ الفريق السائسينا

و تنقيةِ الطريق بكل  وسْعٍ    **         و تنحيةِ الرفيق المُدْهِنينا

هو الإسلامُ سَاسَتُهُ نجُومٌ    **           و كالبِلَّوْرِ ليسُوا مُدْخِنِينَا

و كل تنازلٍ خطْبٌ جليل  **       و إن زعموا لحفظِ الدين فينا

و هل في نقصِهم للدينِ حفظٌ   **   و هل يبني الكمالَ الناقصونا؟

و لو نقَص الصِّحابُ و مَن يَلِيهم   **     فماذا اليوم كنّا مُدْركينا؟

و حفظ الدين من ربٍّ حفيظٍ    **        أعدّ له كرامًا حافظينا

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©