... حتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهم

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 25 جمادى الآخرة 1435هـ الموافق 25 أبريل 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  

    قال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قل إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدَى ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) البقرة .

      جاء في تهذيب فتح القدير :

    (وَلَن ترضى عَنكَ اليهود ولا النصارى) ، أي : ليس غرَضهم ، ولا يُرْضِيهم تحقيق ما يقترحونه عليك من الآيات ، أو ما يوردونه من التعنُّتات ، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون ، وأجبْتَهم عن كل تعنُّتٍ لم يرضَوا عنك، و لن يستجبوا للإيمان ، لأنه ليس غرضُهم البحث عن الحجة والحق .

    ثم أخبر بأنهم لن يرضَوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتَّبِع مِلتهم ، والمِلَّة : اسم لما شرَعه الله لعباده في كتُبه على ألْسُن أنبيائه ، ومثلها الشريعة .

    ثم ردّ عليهم سبحانه ، فأمرَهُ بأن يقول لهم : (إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى) الحقيقي ، لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة والكتب المحرَّفة ، ثم أتْبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تابَعَهم في أهوائهم وحاول رضاهم ، ويحتمل أن يكون ذلك تعريضاً لأمته ، وتحذيراً لهم أن يعملوا على موافقة اليهود والنصارى ، وطلب رضاهم ، أو يدخلوا في أهواء أهل الملل ، ويطلبوا رضا أهل البدع .

    الآية وعيدٌ شديدٌ لِمَن يَتَّبِعون المبتَدِعة والكافرين :

     وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترْجُف له القلوب ، وتتصدَّع منه الأفئدة ، ما يُوجِب على أهل العلم الحاملين لحجة الله على خلقه ، والقائمين ببيان شريعته ، ترْك المُداهَنة لأهل البِدَع المُتَمَذْهبين بمذاهب السوء ، التاركين للعمل بالكتاب والسنة ، المُؤثِرين لِمَحْض الرأي ؛ فإن غالب هؤلاء ، وإن أظهروا مُرُونةً و لِيناً فإنه لا يرضيهم إلا اتّباع بدْعتهم ، فإن داهَنَهم العالِم بعد أن علَّمه الله الهدى والحق ، فإنه لايبقَى للعالِم عند ذاك من الله من وليّ ولا نصير ، ومن كان كذلك ، فهو مخذول لا محالة ، وهالكٌ بلا شك  ولا شبهة .    

     وهذا كما ذكَر الشوكاني في مُداهنة المنافقين وأهل البِدع ، فكيف بمُداهنة من هم شرٌّ منهم وهم اليهود والنصارى وسائر الكافرين ؟! وكيف بالرضا بمناهجهم وضلالاتهم في هذا الزمان ؟         

      وكيف بالترويج لها وتسويقها واستيرادها إلى ديار المسلمين؟ وفي مقدّمة هذه الضلالات ضلالة الديمقراطية التي استوردها اليهود والنصارى أنفسهم من الوثنية اليونانيّة !!

     وإذا كانت شريعة الإسلام قد نسخَتْ شريعة التوراة والإنجيل ، وهي رغم التحريف ذات أصل سماوي ، فكيف بشريعة وثنيَّة استوردها أهل التوراة والإنجيل من الوثنيين ؟ !!

     قال ابن كثير :

     وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بإفراد المِلَّة في ِقَوْلِهِ تعالى: (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) - رغم أنه ذَكَر اليهود ولهم دينٌ ، وذكَر النصارى ولهم دينٌ آخر - عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الْكَافِرُونَ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَوَارَثُ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَرِثُ قَرِينَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَقَوْلِ مَالِكٍ: إِنَّهُ لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ .

     جاء في تفسير السعدي :

     و يخبر تعالى رسوله أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى ، إلا باتباعه دينهم ، لأن اليهود والنصارى مهما تظاهروا بالإنصاف فإنهم دعاة إلى دينهم متعصِّبون له رغم تحريفهم له ، ويزعمون أنه الهدى ، فأمره أن يقول لهم: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ) الذي أَرسلني به (هُوَ الْهُدَى) .

وأما ما هم عليه ، فهو الهوَى بدليل قوله (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) .

   فهذا فيه أبلغ النهي عن اتباع أهواء اليهود والنصارى ، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم ، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أُمَّته داخلةٌ في ذلك ، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطَب ، كما أن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب..اهـ .

    قال سيد قطب في الظلال :         

   حقيقة المعركة التي يشنُّها اليهود والنصارى على المسلمين :

    وسيظل اليهود والنصارى يحاربونك ولا يسالمونك ولا يرضَون عنك ، إلا أنْ تَتْرك هذا الحق ، و تتخلَّى عن هذا اليقين، إلى ما هم فيه من ضلال وشرْك .

     ليس الذي ينقصهم هو البرهان ، وليس الذي ينقصهم هو الاقتناع بأنك على الحق ، ولو تودَّدتَ إليهم ما تودَّدت .. لن يرضيهم إلا أن تتَّبع ملتهم وتترك ما معك من الحق .

     إن حقيقة المعركة التي يشنُّها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضد الجماعة المسلمة .. إنما هي معركة العقيدة بين المعسكر الإسلامي ومعسكَرَي اليهود والنصارى ، إنهما يتخاصمان فيما بينهما و تتخاصم فِرَق الدين الواحد فيما بينها ، ولكنها تلتقي دائما في المعركة ضد الإسلام والمسلمين ! إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها ، ولكن المعسكَرَين العريقَين في العداوة للإسلام والمسلمين يُلوِّنانها بألوانٍ شتَّى، ويرفعان عليها أعلاماً شتَّى في خبْث ومكْر وتَورية.  

    إنهم قد جرَّبوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة ، ولذلك استدار الأعداء العريقون فغيَّروا أعلام المعركة .. لم يعلنوها حربًا باسم العقيدة خوفًا من حماسة العقيدة الإسلامية وجيَشانها ، إنما أعلنوها باسم الأرض والاقتصاد والسياسة والديمقراطية والمراكز العسكرية .. وما إليها .

     وألقَوا في رُوْعِ المخدوعين الغافلين أن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة ومُوضَةً سالفةً لا معنى لها ! ولا يجوز رفع رايتها ، وخوض المعركة باسمها ، فذلك علامة على التعصُّب والتخلُّف !.. بينما الصهيونية العالمية والصليبية العالمية بالإضافة إلى الوثنية العالمية - في قرارة نفوسهم - يخوضون المعركة أولاً وقبل كل شيء لتحطيم صخرة العقيدة الإسلامية التي نطحُوها طويلاً ، فأدْمَتْهم جميعاً !!! ..

    إن بعض السياسيين يُمْعِنُون في تسطيح القضيّة عندما يُنَظِّرون بأن التفاهم مع اليهود والنصارى ممكِن لاسيما في هذا الزمان الذي غَلَبَت فيه الدبلوماسية والحوار ، ويزعمون أن السياسيَّ الحاذق يستطيع بالصبر والدهاء والمثابَرة أن يُقْنِع المخالِف في الدين والمِلَّة بالتعايُش ومراعاة المصالح لكل طرَف في ظل الاحترام المتبادَل .

    وبعض هؤلاء السياسيين يحاول الظهور بأنه أكثر واقعيّةً عندما يصبُّ غضبه على اليهود الصهايِنة بالذات لأنهم متعصِّبون وعُنصِريُّون ، وأنه إذا اكتمَل الحذَر منهم ، وتمَّ الحوار مع النصارى الذين هم ضحايا المكْر اليهودي لِكَشْف هذا المكْر ، وتمَّ البحث خلال ذلك عن اليهود العقلاء !! غير المتعصّبين !! لِكَسْب مساندتهم ، فإن بالإمكان تحْيِيد النصارى كخُطوةٍ أولى ، ثم الانتقال بهم بالتدريج إلى ساحة التعاون والتصالح والتعايُش المُستمرّ مع المسلمين ، وإقصاء الصهاينة من اليهود وتهميشهم من الجميع ، لاسيما واليهود أقليةٌ صغيرةٌ في هذا العالَم العريض . 

    هكذا يظنُّون ، لكن الواقع الأليم والتجارب المريرة تقول غير ذلك عبْر القرون في التعامل مع النصارى وحدهم التي كان منها الحروب الصليبيّة ، وكان منها إلغاء الأندلس من الخريطة الإسلامية بعد أن عاشت إسلاميةً عربيّةً ثمانية قرون ، وكان منها تحالُف اليهود والنصارى لإقامة دولة لليهود في قلب العالم الإسلامي في فلسطين ،  وكان منها مآسي الاستعمار الصليبي المعاصر ، كما في الجزائر على سبيل المثال ، وكان منها مجازِر البوسنة والهرسك ومجازر الشيشان ، وكان منها مجازِر العراق وأفغانستان .. إلخ . 

     (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) .. فذلك هو الثمن الوحيد الذي يرتضونه ، وهو أن نتَّبِع مِلَّتهم ، وما سواه فمرفوض عندهم ومردود ! وهنا يأتي الأمر الإلهي الحازم ، والتوجيه الصادق: (قُلْ: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى) ..

    هكذا على سبيل القصر والحصر (إنّ هُدَى اللهِ هو الهُدَى) وما عداه ليس بهُدى ، فلا فِكاك عن الهدى ، ولا محاولةَ في التساهل فيه و لا التنازل عنه ، ولا ترضيةَ على حسابه ، ولا مساومةَ في قليلٍ منه أو كثير، ومن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر .. اهـ . بتصرُّف .

    وبعد هذا .. فهل يجوز أن يكونوا رُعاةً لنا ؟ .. انـظروا ماذا يفعلون بنا.. :

    الرعاة الأساس في اليمن الآن للعملية السياسية هم الدول الخمس الكبرى باسم الأمم المتحدة ومجلس الأمن ،  وإلى الآن في ظل رعايتهم تجري التفجيرات والاغتيالات بالعشرات في المدن ، ولا أثر لِأيِّ إجراء أو تحقيق ، ولم تُسْحب أسلحة المليشيات ، ولم تَبسُط الدولة نفوذها بل نقص نفوذها ، حتى صارت المليشيات على أبواب صنعاء ، بل في بعض أحياء صنعاء ، والكوتا النسائية 30% في كل المرافق ، وليس هذا موجودًا في أي بلد في العالم  .. و الطائرات بدون طيار تقصف من تشاء في أيِّ مكان ، وكم قصفت من المدنيين ، ومن القاصرين وبعضهم في سن الرابعة عشرة بحجة أنهم من القاعدة ؟ !! ؟ وهل هنالك دولة من دول الغرب أو دولة ذات سيادة ترضى بمثل هذا القصف العشوائي في بلدها ؟. والاعتقالات بعد منتصف الليل عادت من جديد ، بدون أمر من النيابة ولا أمر من القضاء، وبدون أمدٍ محدود !! .

    و الذي يجري في العراق من الدمار تحت رعاية الأمم المتحدة ، والذي في سورية من الأهوال تحت متابعة مؤتمَرَيْ جنيف برعاية الأمم المتحدة ، و كذلك ما يجري في ليبية ، وانظروا ماذا يصنعون بواسطة الانقلابيين في مصر؟ ..

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©