التدخُّل الأجنبيُّ في (مالي) و غيرها

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 13 ربيع الأول 1434هـ الموافق 24 يناير 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/mali.mp3

    تعاوُن اليهود مع الكافرين في قتْل إخوانهم و إخراجهم .. ثمّ مُناقضة أنفسهم في فدائهم :

    قال تعالى : (وَ إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ،ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ .. أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ؟ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة .

     قال ابن كثير في تفسيره :  

     قال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير - أو عكرمة- عن ابن عباس: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) الآية، قال: أنَّبَهم الله من فِعْلهم ، وقد حرّم عليهم في التوراة سَفْك دمائهم و افترض عليهم فيها فِدَاء أسراهم ، فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع و هم حلفاء الخزرج ، و النضير و قريظة و هم حلفاء الأوس ، فكانوا إذا كانت بين الأوس و الخزرج حربٌ خرجتْ بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يُظاهِر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم .

     و الأوس والخزرج أهل شِرْك يعبدون الأوثان ، ولا يعرفون جنّةً ولا نارًا ، ولا بعثًا ولا قيامة ، ولا كتابًا ، و لا حلالًا ولا حرامًا ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتَدَوا أسْراهم ، تصديقًا لما في التوراة ، و أخذًا به؛ بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ، و يفتدي النضير و قريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ، و يطلبون ما أصابوا من دمائهم  وقتْلَى مَن قتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرةً لأهل الشرك عليهم .

     يقول الله تعالى ذِكْره حيثُ أَنَّبهم بذلك: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) أي: يفاديه بحكم التوراة ويقتله ، وفي حكم التوراة ألّا يفعل ، ولا يُخْرَج من داره ، ولا يُظَاهَر عليه من يُشْرك بالله و يعبد الأوثان من دونه ، ابتغاء عرض الدنيا .. ففي ذلك من فِعلْهم مع الأوس والخزرج - فيما بلغني- نزلت هذه القصة .
    وذلك أن أهل المِلَّة الواحدة بمنزلة النفْس الواحدة ، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه : (مثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفهم مثل الجَسَد ، إذا اشتكَى منهُ عضوٌ تَدَاعَى له سائرُ الجسدِ بالسهَرِ و الحُمَّى) .

    و في الحديث الآخر : (المؤمنون تَكافَأُ دماؤهم ، و هم يدٌ على من سواهم ، و يسعى بذِمَّتهم أدناهم ، ألا لا يُقتَل مؤمنٌ بكافر و لا ذو عهدٍ في عهدِه ، من أحدَث حدَثًا فعَلى نفسه  ، و من أحدَث حدَثًا أو آوى مُحدِثا فعليه لعنةُ اللهِ و الملائكةِ و الناسِ أجمعين) . رواه أبو داود و النسائي و الحاكم  عن علي و قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و وافقه الذهبي و الوادعي ، و قال الألباني و الأرناؤوط صحيح . اهـ . بتصرُّف .

     و قال السَّعْدي في تفسيره :

      كان اليهود  ثلاثَ فِرَق : بني قريظة ، وبني النضير، وبني قينقاع ، وكل فرقة حالفتْ قبيلة من أهل المدينة المشركين .
     فكان المشركون إذا اقتَتَلوا ، يَقْتُل اليهوديُّ في هذا الحِلْف اليهوديَّ من الحِلْف الآخر ، ويُخرِجُه من داره إذا حصل جلاء ونهْب ، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها ، و هنالك أُسارَى بين الطائفتين فَدَى بعضُهم بعضا.
     و كانت المفروضُ عليهم ثلاثةَ أمور : أن لا يَسفِك بعضهم دمَ بعض ، ولا يُخرِج بعضُهم بعضا ، وإذا وجَدوا أسيرًا منهم ، وجَب عليهم جميعًا فِداؤه ، فعمِلوا بالأمْر الأخير وترَكوا الأمْرَين السابِقَين، فأنكَر الله عليهم ذلك فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ) وهو فداء الأسير ، (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) وهو القتْل والإخراج ، وفي هذا دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي.

    و لمَّا خالفوا مقتضى الإيمان قال تعالى: (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، و قد وقع ذلك فأخزاهم الله ، وسلَّط رسوله عليهم ، فقتَل من قتَل ، وسبَى من سبَى منهم ، وأجْلَى من أجْلَى ، (وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) .
     و لمَّا توهّموا أنهم إن لم يُعِينوا حلفاءهم المشركين حصل لهم عار، فاختاروا النار على العار، و كفروا ببعض الكتاب ، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ) ولا يحصل لهم راحةٌ بوقت من الأوقات، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) مـن أحد . اهـ . بتصرُّف .

    متابعة هذه الأمة لِمَن كان قبلها :    

    و هذه الأُمَّة تَتَّبِع سَنَن من كان قبلها في أُمورٍ كثيرة ، كما في الحديث المتفق عليه ، و من ذلك قتال بعضهم بعضًا ، و إيذاء بعضهم بعضًا و التحالُف مع الغربيين و الكافرين عمومًا لِأَجْل ذلك .

     كما هو حاصلٌ مثلًا في باكستان المُسْلِمة المتحالِفة مع الغرْب لمحاربة المسلمين في أفغانستان ، و كما هو حاصلٌ من التعسُّف والاضطهاد و الإرهاب لشعب فلسطين في الضِّفَّة الغربية الفلسطينية ، مِمّا يُسَمَّى السُّلطة الفلسطينية المُتَعاوِنة مع دولة اليهود !!..

     و كما هو حاصلٌ من الدّولة السوريّة البَعْثِية النُّصَيريّة المتحالِفة مع روسية و الصين و إيران لقتْل الشعب السُّوريِّ المُسلم و إهلاك الحرْث و النَّسْل ، و التدمير الواسع ..إلخ ! .

    و الحاصل كذلك في مالي حيث تتعاون دول غرْب و شمال أفريقيا المُسْلِمة مع فرنسا والغرب في ضرب شمال مالي المُسْلِمة و ممارسة القتْل والتشريد لأهل البلاد المسلمين و إخراجهم من الديار ، تماما كالحاصل أيضًا في الصومال و في اليمن و الباكستان في قصْف الطائرات الغربية بطيّار و بدون طيّار للناس و قتْلهم بالجملة بدون رحمة و كل ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة و مجلس الأمن في حين إنهم يَغُضُّون الطَّرْف  عن كلّ ما يجري في بورمة و في سورية ..

     و لم نسمَع إدانةً لِمَا يجري في مالي إلّا من مصر التي تحرّرتْ تقريبًا من هيمنة الغرب ، و من بعض العلماء و منهم علماء البحرين ، و كانت الجزائر حاولتْ التخلُّص من الضغوط الغربية في القبول بالتدخُّل الأجنبي  و استخدام أراضيها ، و لكنها رضَختْ أخيرًا ، و لا قوة إلا بالله .

     إن الغرب المتآمر الحاقد يَصْنع بواسطة هؤلاء المتحالِفين معه بُؤَرَ توتُّرٍ .. لِيَنْزِف المسلمون و لِيَتَأخر مشروع دولة الخلافة الجامعة ، و لو لِسَنَة واحدة فأيُّ تأخير فهو في مصلحتهم ،  و كذلك لِتَجْتَمِع كلمة الغربيين المُثْقَلين بالأزمات أمام العدوّ المشترك (الإسلام) ، و كذلك لإيجاد سوق للسلاح و توابعه ، و مناطق نفوذٍ و احتلال و قواعد .

     و حتى مع وجود متمرِّدين فرْضًا في بلاد المسلمين .. فمن الذي كان يجب أن يواجِه المتمرِّدين ؟ هل يأتي الأجنبيّ فيَدْخُل بيتك ليُربِّي أولادك و أفراد أسرتك؟ و هل يقبل أحدٌ بذلك ؟ و أين مزعوم السيادة و الاستقلال؟!! ..

     لقد حصَل لهذه الأمة ما يُشبِه ما حصَل لبني إسرائيل من تحالُف بعضهم مع دُوَل الأعداء ضد إخوانهم المسلمين ، بمزعوم مكافحة الإرهاب الذي صار ذريعةً مِثْل مِسْمَار جُحا ، و بمزعوم الشراكة و التعاون ، و بمزعوم تطابُق وجهات النظر .. مع تجاهل تامٍّ لِأبجديّات العزة و الكرامة و السيادة والاستقلال !! ..

     حتى صارتْ الدويلات في بلاد المسلمين مُدَجَّنةً تابعةً للغرب ، و منها الدولة النّوَوِيّة (الباكستان) التي تَدَجَّنَتْ كذلك .. و سلّط الله على كثيرٍ من هذه الدُّوَيلات الذُّل ، و التفرُّق ، و انتهاب الغرْب لثرواتهم كما في الخليج  ، كما سلّط عليهم القتْل والدّمار والتشريد .. و أصبح الدّم الإسلاميّ أرخص الدّماء في الأرض !!..

     و الخير مع ذلك في هذه الأمة بحمد الله أكثر بكثيرٍ من أيِّ أمَّةٍ أُخرى ، لأنها خير أمّة أُخرجتْ للناس ، و الطائفة الصالحة الظاهرة فيها أوسع بكثير ، و دينها محفوظٌ بصورة كاملة تامّة.

     و الأمة مرحومة في الجملة ، ليستْ كأمّة بني إسرائيل التي آل أمْرها في الجُملة إلى الطرْد و الّلعْن و الإبعاد ..  هذه الأمة موعودةٌ بالتجديد و الفرَج و عودة ظهور دينها على الدين كله قريبًا بإذن الله .. اللهم إنا نسألك تعجيل الفرَج بعودة الأمة إلى دينها ، و إلى جهادها ، و إلى خِلافَتها .

    و في الختام يقول الله سبحانه : (هو الذي أرسَلَ رسولُهُ بالهُدَى و دينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّيْنِ كُلِّهِ و لو كَرِهَ المُشْرِكون) التوبة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©