فَبِما رحمةٍ من اللهِ لِنْتَ لهم

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 25 ربيع الآخر 1431هـ الموافق 9 أبريل 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/lnt.mp3

    يحث الإسلام على اللين والتسامح ، وأولَى الناس بذلك المسلمون قال تعالى : ( أذلةٍ على المؤمنين ) حتى لو أساءوا قال تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت .

     تسامحه عليه الصلاة والسلام مع نسائه :

     كان عليه الصلاة والسلام مثلا في التسامح ، وما كان يستقصي في العتاب قال تعالى : ( وإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) التحريم . فعاتب النبي صلى الله عليه وسلم عن إفشاء بعض الحديث وتغاضى عن بعضه .

     قال أبو سليمان الخطابي أحمد بن محمد بن إبراهيم :

تَسامَحْ ولا تسـتوفِ حقك كـلَّـه    ***    وأَبْقِ فلم يستقصِ قطُّ كريمُ

ولا تغْلُ فـي شيءٍ من الأمرِ واقتصدْ  ***   كِلاَ طرَفَيْ قصْدِ الأمورِ ذميمُ

     ومن تسامحه قبوله بمراجعة نسائه له .. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال عمر : كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم  ، قال : وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي قال : فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك فو الله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، قال : فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : نعم ، قلت : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم ، قلت : قد خاب من فعَل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكتْ ؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا ، وسليني من مالي ما بدا لك ، ولا يغرَّنَّك أنْ كانت جارتك هي أوسم ـ أي أجمل ـ وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ـ يريد عائشة ـ .

     ومما يدل على تسامحه صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فضمها وجعل فيها الطعام وقال : ( كلوا ) . وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة.

    نَموذج لتسامحه مع الناس :

    ومن تسامحه مع الناس ما رواه البخاري ومسلم عن  أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته  ، ثم قال : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء .

     نَموذج للتسامح عند خلفائه :

     وقد ربَّى خلفاءه على ذلك فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ،  وكان القُرّاء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا ، فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي لك وجهٌ عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه ، قال سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر ، فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل . فغضب عمر حتى همَّ به ، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) . وإن هذا من الجاهلين . والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقّافا عند كتاب الله .

     دعاؤه على من شقَّ على أمته :

     ودعا على من شق على أمته من ولاة الأمر فقد روى مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة قال : أتيت عائشة أسألها عن شيء ، فقالت ممن أنت ؟ فقلت رجل من أهل مصر ، فقالت كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه ؟ فقال ما نقَِمنا منه شيئا إنْ كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير ، والعبد فيعطيه العبد ، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة ، فقالت أما إنه لا يمنعني الذي فَعَل في محمد بن أبي بكر أخي أنْ أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا : ( اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقُقْ عليه ، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً ـ يعني مهما قلَّ ـ فرفَق بهم فارفُِق به ) .

     قال المناوي في ( الفيض ) : وهذا دعاء مجاب وقضيته لا يشك في حقيقتها عاقل ولا يرتاب ، فقلما ترى ذا ولاية عسَف وجار وعامَل عيال الله بالعتوِّ والاستكبار ، إلا كان آخر أمره الوبال وانعكاس الأحوال ...  وهذا كما ترى أبلغ زجر عن المشقة على الناس ، وأعظم حث على الرفق بهم وقد تظاهرت على ذلك الآيات والأخبار ...

     وسبب الحديث أن ابن شَُمَاسة دخل على عائشة فقالت ممن أنت ؟ قال من مصر . قالت : كيف وجدتم ابن حديج في غزاتكم (معاوية بـن حديج السكوني ، أميـر مصر لمعاوية ، له صحبة ) ؟ قال خير الأمير . قالت إنه لا يمنعني قتْلُه أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعته يقول : فذكرته . قال النووي في الأذكار : ظاهر الحديث جواز الدعاء على الظلمة ونحوهم . قال الحافظ : والأَولى حمْل كلام الغزالي في المنْع على الأَولى ، وأما الأحاديث فتدل على الجواز .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©