القتل بالشبهة والاستعانة بالأمريكان والجدار على غزة

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 9 محرم 1431هـ الموافق 25 ديسمبر 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

www.ssadek.com/jomaa/ktl.mp3

    *الدولة القوية التي لا تظلم ، تعود بالخير والرعاية والحماية للبلد كله في كل مجالات الحياة قال تعالى : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج . و قال تعالى عن ذي القرنين (إنا مكنا له في الأرض و آتيناه من كل شيء سببا) الكهف .

     *ولأجل ذلك حرّم الإسلام الخروج المسلَّح على الدولة إلا في حال الكفر البواح و في الحديث المتفق عليه :(وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) وقد نقل الحافظ في (الفتح) إجماع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده  ، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها .اهـ .

    *والتمرد على الدولة يفضي إلى سفك الدماء ,و قد يُفضِي إلى الاختلال وقد يضعف الدولة ، و هذا سيدفع ثمنه كل الأفراد عندما تعجِز الدولة عن إقامة الأمن و حماية الدماء والأموال والأعراض و ضبط الأوضاع ، وقد يُسقِط الدولة كما هو حاصل في الصومال على سبيل المثال و تسود الفوضى ، و لا يرضى أحد بذلك .

    *و ظاهرة المتمردين  في بلدنا الذين يحملون السلاح من أصناف شتى ظاهرة لا بد من علاج أسبابها الفكرية و العقدية و الاقتصادية والاجتماعية و لا بد من إزالة المظالم ، حتى لا تتفاقم الأمور، و لا بد من كشْف الأباطيل مع الالتزام بالإنصاف .. وقد عمل عثمان رضي الله عنه ، وعليٌّ رضي الله عنه و عمر بن عبد العزيز على مناظرة الخوارج ، وعدم بدئهم بالقتال كما تدل الروايات الصحيحة مما كان له الأثر الإيجابي في نهاية المطاف .

     *والتسرُّع في المعالجات العسكرية يفضي إلى خسائر كبيرة في المدنيين وفي الأطفال والنساء، ويفضي إلى القتل بالاشتباه .   والدماء بالذات تحتاج إلى التحرّي والانضباط الدقيق بالشرع ، ولاسيما في الشهر الحرام ، قال عليه الصلاة و السلام : (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه ابن ماجه بإسناد حسن كما قال الألباني ورواه البيهقي والأصبهاني أو قال صحيح لغيره .

     *وحتى لو كان الذي يُسْفَك دمه بغير حق غير مؤمن ، ففي رواية للبيهقي (لزوال الدنيا جميعا أهون على الله من دم يسفك بغير حق) . قال الألباني صحيح لغيره .  وقد عرف موسى  عليه السلام ما حدث منه وندم عندما قتل على سبيل الخطأ شخصا كافراً لم يكن مأذوناً له بقتله .. قال تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ . قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) القصص .

    *والحدود في شرعنا تُدرأ بالشبهات ، و لابد من البينة الظاهرة لإقامتها ، و هذا داود عليه السلام لعله أسرع في الحكم فعوتب على تسرُّعه ذلك العتاب ، قال تعالى في القصة: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ، قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ، يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص .

     *ولا تجوز الاستعانة بالأمريكان في هذه القضية الخطيرة التي يتحسس منها الكافة ، لأن ذلك ذريعة للتدخل العسكري الاستعماري وتطبيقٌ لسياسة أمريكا في الفوضى الخلاقة التي أعلنتْها و طبّقتْها في العراق و أفغانستان وباكستان والصومال ، وإثارة للناس .  والشعوب الإسلامية والشعب اليمني بالذات،  لا يقبلون ذلك ، والإسلام يمنع من ذلك المنْع الجازم قال تعالى: ( لاتتخذوا بطانة من دونكم) آل عمران .

     *هذا الأمر الخطير لابد من التحرّي فيه و الرجوع إلى العلماء و أهل الحل والعقد والشورى ، وكف غير المسلمين عن التدخُّل ، والحرص على أن يكون الرعاة و الرعية على قلب رجل واحد في ضوء الشرع ، وعدم التصرف من جانب واحد أو الاستعانة بغير المسلم ، لأن معنى ذلك  معصية الله و حدوث الخلافات والنزاع ، والوقوع في الفوضى الخلاقة التي خطّط لها الأجنبي، قال تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الأنفال .

    *إننا نخشى أن ذنوبنا وراء هذه الابتلاءات قال تعالى:(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)الأنعام .

     *والمشهد في العالم الإسلامي هو انتشار القتل كما قال عليه الصلاة و السلام : (و الذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتل و لا يدري المقتول في أي شيء قُتل) م عن أبي هريرة. فالقتل بالظن منتشر هنا وهناك ، تكون في بيتك وأنت بريء فلا تُفاجأ إلا بالموت، أو بأنك في غرفة العناية المركَّزة في المستشفى ، أو بالإعاقة الملازمة لك طول الحياة.. وإخواننا في غزة مرَّ عام على المحرقة التي نزلت بهم بدعم من الأمريكان و لم يُكتَفَ بالحصار الظالم المفروض عليهم منذ سنوات.. بل صارت تنفذ عليهم الآن سياسة تشديد الحصار باختراع جديد هو الجدار الفولاذي الذي يراد منه تأبيد الحصار ومنع الأَنْفَاق به ، وقد كانت الأَنْفَاق شرايين إسعافية ضيقة ، وبإرسال مياه البحر إلى المنطقة حتى تصير طينا ، ولا قوة إلا بالله ، رغم أنه دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها و لم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت كما عند حم ق هـ .

   *إنه لافرَج إلا من الله ولا بد من اللجوء إليه ، والإلحاح عليه ، ولا بد أن يجعل  سبحانه مخرجا ، و إذا كان اليهود قد بنوا الجدار الإسمنتي الصلب على إخواننا في الضفة الغربية ، فإن قلوب المحاصرين لإخواننا في غزة أشد صلابة !! إنها حقّاً قلوب فولاذية صلبة كالجدار الفولاذي الصلب الذي يبنونه. وإن الله يمهل و لا يهمل.

     *إننا في شهر المحرم وهو من الأشهر الحُرُم و هو شهر مبارك و اليوم تاسوعاء وغدا عاشوراء فلنتوسل إلى الله بالعمل الصالح بالصيام و نحوه في هذه المناسبة التي أنجى الله فيها بني إسرائيل وأغرق فرعون و من معه ، وما غزة عن ذلك المكان ببعيدة ، و لا طغيان فراعنة اليوم ببعيد كذلك عن طغيان فراعنة الأمس ، و لذلك فإننا نتفاءل بنجاة إخواننا بإذن الله و هلاك اعدائهم .    

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©