كمال التوحيد وكمال التوحُّد

خطبة جمعة في الإصلاح بصنعاء في 14 شعبان 1429هـ الموافق 15 أغسطس 2008م

 

 صيام الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الأسبوع وفي شعبان وعرْض الأعمال على الله :

     * روى أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى يقال لا يفطر ، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم إلا يومين من الجمعة ، إن كانا في صيامه وإلا صامهما ، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان ، فقلت: يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد أن تفطر ،وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما.  قال: (أي يومين؟) قال قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس . قال: (ذانِك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين ، وأحب ان يعرض عملي وأنا صائم) ، قال قلت: ولم أرَكَ تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان.  قال: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ،وهو شهر يُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب ان يرفع عملي وأنا صائم).

     قال الألباني والأرناؤوط : إنه حسن .

      *(تُعرَض أعمال الناس في كل جمعة مرتين : يوم الاثنين و يوم الخميس فيُغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدًا بينه و بين أخيه شحناء ، فيقال اتْرُكوا هذين حتى يَفِيئَا) م  عن أبي هريرة .

      *شرْحه :

      وشرْحه في (شرح مسلم)  : باب النهي عن الشحناء  :

      قوله صلى الله عليه وسلم في رواية لهذا الحديث : ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ) الحديث .. قال القاضي قال الباجي معنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل قال القاضي : ويحتمل أن يكون على ظاهره(وهو الصواب) وأن فتْح أبوابها علامة لذلك ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( اُرْكُوا - في رواية بدل اتْرُكُوا -) هذين حتى يصطلحا هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل، أي أخِّروا يقال رَكَاه يَرْكُوهُ رَكْوًا اذا أخَّره ، قال صاحب التحرير: ويجوز أن يرويه بقطع الهمزة المفتوحة من قولهم أَرْكَيتُ الامر اذا أخَّرته وذكر غيره أنه رُوِيَ بقطْعِها ووصْلِها ، والشحناء العداوة ...

    المغفرة في ليلة النصْف من شعبان:

       * و في صحيح ابن حبان وعند الطبراني  عن الأوزاعي و ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ( يطَّلِع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلـقه إلا لـمـُشرِك   أو مُشاحِن).  وهو عند هب  عن كثير بن مرة الحضرمي مرسلاً  .

     وعند  هـ  عن أبي موسى .

     قال شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح بشواهده .

     قال الشيخ الألباني : صحيح  في (صحيح الجامع) .

     *شرْحه :

     وشرْحه في (فيض القدير): (إن الله تعالى لَيَطَّلِع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه ) ذنوبهم واللام إما على بابها بتضمين (يطلع) معنى ينظر ، أو بمعنى على وفيه شمول للكبائر  ( إلا لمشرك ) بالله يعني كافر ، وخص الشرك لغلبته حينئذ (أو مشاحن) أي مُعادٍ ، والشحناء العداوة ، قال الطيبي : لعل المراد البغضاء التي بين المؤمنين من قبل نفوسهم الأمارة بالسوء .

    و في السلسلة 1563 للألباني : المشرك : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى أو في صفاته أو في عبادته . والمشاحن : قال ابن الأثير : هو المعادي والشحناء : العداوة والتشاحن تفاعل منه وقال الأوزاعي : أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة .

     الاهتمام بصيام شعبان والاثنين والخميس:

     في الحديثين الأولين الحث على صيام شعبان وصيام الاثنين والخميس، والتعليل بأن الأعمال تُعرَض أثناء ذلك . والجمع بين النهي عن الصوم بعد منتصف شعبان ، وتقدُّم رمضان بصوم ، وبين هذا ، أن من صار الصوم عادةً له في شعبان فهو مستحب  للسبب المذكور ، ومن لم يكن له عادة فالنهي موجَّهٌ إليه حتى يستعد ويتهيَّأَ لصوم رمضان .

     المغفرة كل اثنين وخميس وفي منتصَف شعبان:      

     *عندما تُعرَض الأعمال، والأفضل أن يكون الشخص صائمًا، فإن الله يغفرلعباده المؤمنين تفضُّلًا منه وتكَرُّمًا، فيغفر لهم كل اثنين وخميس  ، و في ليلة النصف من شعبان - كما سبق - إلا أنه سبحانه يستثني من أشرك بالله، بمعنى أن علاقته بالله مقطوعة ، لأن الله لا يغفر أن يُشرَك به، إذا لم يتب الشخص ، ويستثني كذلك من كان في حال تشاحن مع أحد إخوانه ، بمعنى أن علاقته مع بعض إخوانه مقطوعة .

     كمال التوحيد وكمال التوحُّد:

    *من أجل أن يحث الله عباده على نبْذ كل أنواع الشرك الذي ينافي التوحيد ، ونبْذ أنواع الخصام الذي ينافي الأُخوَّة والتوحُّد  ، ربط بين ذلك وبين المغفرة .

      *ومعنى ذلك أنه لابد من كمال التوحيد ، توحيد الإلهية بمعنى إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادة ، وتوحيد الربوبية بمعنى اعتقاد أن الله وحده الرزاق النافع الضار المحيي المميت عالم الغيب والشهادة ... وتوحيد الأسماء والصفات بمعنى الإيمان بأسماء الله وصفاته كما وردت دون تأويل أو تفويض أو تعطيل ، فلا تفويض إلا في الكيف لأنه مجهول .

     *ولا بد كذلك من كمال التوحُّد والأخوَّة ، وحل الخلافات بين المؤمنين أولًا بأوّل بالتنازل ، أو بالتصالُح ، أو بالتحكيم ، فلا توجد قضية يعجز الإسلام عن حلها، وإذا أحيلت القضية للتحكيم فتأخذ مجراها، وتمضي الأخوَّة على مجراها ، وكل شيء في بابه ،والشيطان حريص على التحريش بين المصلين ، فلا بد لهم من ردِّ كيده ، والحفاظ على أُخُوَّتهم التي هي قوّتهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) آل عمران .

    * إن المؤمن يطير إلى الفوز بالدنيا والآخرة بجناحَي التوحيد والتوحُّد فيصلح علاقته بالله وعلاقته بإخوانه ، (هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين) الأنفال .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©