الجزاء المُضَاعَف لا يَعني الإجْزاءَ عن غيره

خطبة جمعة في مسجد قونشلي في 18 من محرَّم 1440هـ الموافق 28 سبتمبر 2018م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/jaza.mp3

     تواتُر أن ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، لِأن القرآن متواتر:

      بسم الله الرحمن الرحيم ..  إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) .

       وتواتر أن الله يوفِّي الصابرين أجرهم بغير حساب، لأن ذلك في القرآن أيضًا:

       قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر.

       وتواتُر أن سورة الإخلاص تعْدِل ثلُث القرآن كما في الأحاديث:

       جاء في صحيح الجامع الصغير أن ذلك الحديث رواهُ مالك حم خ د ن عن أبي سعيد، ورواهُ خ عن قتادة بن النعمان، ورواهُ م عن أبي الدرداء، ورواهُ ت هـ عن أبي هريرة، ورواهُ ن عن أبي أيوب، ورواهُ حم هـ عن أبي مسعود الأنصاري، ورواهُ طب عن ابن مسعود، ومعاذ، ورواهُ حم عن أم كلثوم بنت عقبة، ورواهُ البزار عن جابر، ورواهُ أبو عبيد عن ابن عباس. وبهذا يَظهَر أنه حديث متواتر.

      قال الحافظ في الفتح:

     قَوْلُهُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ: حَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ هِيَ ثُلُثٌ بِاعْتِبَارِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَحْكَامٌ وَأَخْبَارٌ وَتَوْحِيدٌ، وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هِيَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَكَانَتْ ثُلُثًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ جَزَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ (وهو في مسلم)..                     

     وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَضَمَّنَانِ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْكَمَالِ لَمْ يُوجَدَا فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ وَهُمَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَحَدِيَّةِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ .

      وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَدَ يُشْعِرُ بِوُجُودِهِ الْخَاصِّ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُه،ُ وَالصَّمَدُ يُشْعِرُ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ سُؤْددُهُ فَكَانَ مَرْجِعُ الطَّلَبِ مِنْهُ وَإِلَيْهِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ إِلَّا لِمَنْ حَازَ جَمِيعَ خِصَالِ الْكَمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى , فَلَمَّا اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمام الْمعرفَة بِصِفَات الذَّات وصفات الْفِعْل ثناءًا..اهـ. المنقول من الفتح.           

      ووَرَد في الحديث الصحيح أن العمل في عشر ذي الحجة لا يُماثِله عملٌ في غيرها:

       فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ - يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ - " قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: " وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ".

     أخرجه البخاري وجاء في تحقيق مسند أحمد أن إسناده صحيح على شرط الشيخين وأنه أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وابن ماجه، والترمذي وابن حبان والبغوي، وأخرجه عبد الرزاق والطبراني والبيهقي في "شعب الإيمان"، وأخرجه أبو داود، وأخرجه الدارمي.

      ووردتْ مضاعفات كثيرة في فضل الاستعداد لِلجمعة:

    عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ فَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا " رواه أحمد.

      وجاء في تحقيق مسند أحمد: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، غير أن صحابِيَّهُ لم يخرج له إلَّا أصحاب السنن.

    وأخرجه ابنُ أبي شيبة، ومن طريقه ابن ماجه ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" ، والطبراني في "الكبير"، وأبو داود ومن طريقه البيهقي في "السنن، وفي "فضائل الأوقات" ، والبغوي في "شرح السنة"، وابن حبان  ، والحاكم من طرق عن عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد، وأخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" من طريق محمد بن مصعب، عن الأوزاعي به.

         وفي قيام ساعة في الصفِّ في سبيل الله:

      «قيامُ ساعةٍ في الصفِّ لِلقتال في سبيلِ اللهِ خيرٌ من قيامِ ستينَ سنَة» .

جاء في صحيح الجامع الصغير أنه صحيح أخرجه ابن عديٍّ وابن عساكر عن أبي هريرة. وأخرجه حم، ت، ك. وحم عن أبي أمامة.  والدارمي، ك، هق عن عمران بن حصين.

       وصلاة الشروق بعد الانتظار بعد الفجر في المسجد:

       «من صلَّى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكرُ الله حتى تطلُع الشمسُ ثم صلَّى ركعتينِ كانتْ له كأجْرِ حَجَّةٍ وعُمرةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّة» .

جاء في صحيح الجامع الصغير أنه صحيح أخرجه الترمذي عن أنس..

       ولكن مضاعفة هذه الأجور وغيرها لا تُجزِئ عن مُواصَلة القيام بأمثال تلك الأعمال في أوقاتها الأخرى الآتية في عمر الإنسان:

      فعلى سبيل المثال  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» رواه الشيخان وأحمد.

      ففي هذا الحديث تتضاعف التمرة حتى تكون مثل الجبل، أي ملايين المرات، ولكن هذا الأجر والجزاء العظيم لا يُجْزِئ مثَلًا عن الإنفاقات والصدقات الأخرى، ولا سيما عن الواجبات كالزكوات والنفقة على الأقارب.

       وكذلك الانتظار إلى الشروق بعد صلاة الفجر جماعة وصلاة ركعتين، لا يُغني ذلك عن الحج إلى بيت الله الحرام ولا عن السفر للعمرة، وهكذا...

      وفي الختام يقول الله سبحانه: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) النحل.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©