غفْلة المُخَطِّطين عن الفرائض و النوافل

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 12 ربيع الآخر 1434هـ الموافق 22 فبراير 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/gflh.mp3

    أهمية الفرائض و النوافل :

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَ مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَ مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، و َرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَ إِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَ لَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَ مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) رواه البخاري .    

   اهتمامات النبيِّ عليه الصلاة و السلام و جيلِ الصحابة :

    قال تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ،ِنصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ،أوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) إلى أنْ جاء التخفيف : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ، وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزّمّل .

    عن سعد بن هشام قال قُلْتُ لعائشة رضي الله عنها : أَنْبِئِينِى عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .. فَقَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قُلْتُ بَلَى ، قَالَتْ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِى أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً (حتى انْتَفَخَتْ أقدامُهم) ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا فِى السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِى آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ.. رواه مسلم .

    و عن عَلِيِّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَةً فَقَالَ : (أَلَا تُصَلِّيَانِ؟) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا ، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) متفق عليه .

    و عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ ، قَالَ وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ .. ثُمَّ قَالَ : يَسِّرَا وَ لَا تُعَسِّرَا ، وَ بَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا) ، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ ، وَكانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ، وَ إِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدْ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَ إِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيُّمَ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ، قَالَ : لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ ، قَالَ : إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ ، قَالَ : مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قَالَ أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا ، قَالَ فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟ قَالَ أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنْ النَّوْمِ ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي .. متفق عليه .  

    و في الشرح : أتَفوَّقه : أقرأه شيئا بعد شيء ، من فُواق الناقة وهو أن تُحلَب و تُتْرَك مرةً بعد مرّة  . أحتسب : أطلب ثواب نَوْمَتي و ثواب قَوْمَتِي  .

    شرَف أهل العبادة و الصلاح عند الله :

    عَنْ سَهْل بن سعد قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟) قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَ إِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ . قَالَ ثُمَّ سَكَتَ ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : (مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟) قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)  رواه البخاري .

     و عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَلْ تُنْصَرُونَ وَ تُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟) رواه البخاري .

     قال في (الفتح) : "رأى" أي ظنّ ، وهي رواية النسائي . "على من دونه" زاد النسائي: "من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي بسبب شجاعته ونحو ذلك . (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) في رواية النَّسائي: (إنما نصَر الله هذه الأمة بضَعَفَتهم ، بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم) ، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ: (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم) قال ابن بطال: الضعفاء أشدُّ إخلاصًا في الدعاء لعدم التعلق بزُخْرف الدنيا .. اهـ . بتصرُّف .

    و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ)رواه حم، د ، ت قال حسن غريب.

     تَمَيُّزُ النبيّ داود الخليفة القاضي القويّ .. في الاستفادة من العبادات : 

    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ على آله و صحبه و سَلَّمَ : (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَ يُفْطِرُ يَوْمًا ، وَ أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ) متفق عليه . و في رواية أخرى في المتفق عليه  في وصْف داود عليه السلام: (و لا يَفِرُّ إذا لَاقَى)  يعني بسبب القوّة التي يتمتّع بها كما في قوله تعالى : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، إنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ، وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ،وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) ص .     

         قال ابن كثير في تفسيره عن أهمية قيام الليل :

         قال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن أبي رجاء محمد ، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، ما تقول في رجلٍ قد استظْهَر القرآن كله عن ظهْر قلبه ، ولا يقوم به ، إنما يُصلِّي المكتوبة؟ قال: يتوسَّدُ القرآن .. لعَن الله ذاك !!... قال الله تعالى للعبد الصالح: (وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ) يوسف . (وَ عُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ) ، قلتُ: يا أبا سعيد ، قال الله : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، قال: نعم ، و لو خمْس آيات .    و هذا ظاهرٌ من مذهب الحسن البصري أنه كان يرى حقًا واجبًا على حَمَلة القرآن أن يقوموا و لو بشيءٍ منه في الليل؛ و لهذا جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن رجل نام حتى أصبح ، فقال: (ذاك رجلٌ بالَ الشيطان في أذُنِه) متفق عليه ، فقيل معناه نام عن المكتوبة ، وقيل عن قيام الليل .

     و عن عليٍّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ : (أَوْتِرُوا يا أهلَ القرآن) رواه أبو داود والترمذي والنسائي و ابن ماجة وقال الترمذي: حسن ، و عن ابن مسعود رضي الله عنه مِثْله ، رواه أبو داود وابن ماجة .

 و عن بريدة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و سَلَّمَ: (مَن لم يُوتِرْ فليس مِنَّا) رواه أحمد و أبو داود .

     و الراجح ما قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، و غير واحد من السلَف: إن هذه الآية نَسَخت الذي كان الله قد أوجبَه على المسلمين أولًا من قيام الليل ... و قد ثبَت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لِرجلٍ: (خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلة) .. قال: هلْ عليَّ غيرها؟ قال: (لا إلَّا أن تَطَّوَّع)  متفق عليه . اهـ . بتصرُّف .

    يقول المتنَبِّي عن الاهتمام أو التَّشخيص أو التخطيط عندما يُغْفِل أُمورًا مُهِمَّة:           

يقولُ لِيَ الطّبيب : أكَلْتَ شيئاً    ...   و داؤُك في شرابِك والطّعامِ

       و ما في طِبِّه أنّى جَوَادٌ  (حِصان)   ...   أضرَّ بِجِسْمه طُولُ الجَمَامِ (الرَّاحَة)

فإنْ أَمْرَضْ فما مَرِضَ اصْطِبَارِي ... و إن أُحْمَمْ فما حُمَّ اعتِزَامِي

  وفي الختام يقول سبحانه : (و قال اللّهُ إنِّي معكم لَئِنْ أقَمْتُمُ الصلاةَ و آتيتُمُ الزكاة...) المائدة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©