ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلًا

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 16من ربيع الأول 1435هـ الموافق 17 يناير 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/gafl.mp3

   (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب .

     جاء في تفسير ابن كثير :

     قَالَ عِكْرِمة : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) : نَزَلَتْ فِي الْمُصَوِّرِينَ..وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ" متفق عليه .

    وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهم في الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَقُولُونَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَعَلَ بِنَا كَذَا وَكَذَا. فَيُسْنِدُونَ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الدَّهْرِ وَيَسُبُّونَهُ، وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ لِذَلِكَ هُوَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

     والْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ آذَى الرسول بِشَيْءٍ، وَمَنْ آذَاهُ فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمِنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمِنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ). رواه أحمد و التِّرْمِذِيُّ وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وقال الألباني و الأرناؤوط ضعيف .

وفي الحديث الآخر: (من سبَّ أصحابي فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين) رواه الطبراني عن ابن عباس والخطيب عن أنس والبغوي وأبو نعيم في الحلية عن عطاء مرسلا ، وقال الألباني حسن .

     (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أَيْ: يَنْسُبُونَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ بُرَآء مِنْهُ لَمْ يَعْمَلُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وَهَذَا هُوَ الْبُهْتُ الْبَيِّنُ أَنْ يُحْكَى أَوْ يُنْقَلَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ، عَلَى سَبِيلِ التَّنَقُّصِ لَهُمْ، ومَنْ أَكْثَرِ مَنْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الكفرةُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ الرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَتَنَقَّصُونَ الصَّحَابَةَ وَيَعِيبُونَهُمْ بِمَا قَدْ بَرَّأهم اللَّهُ مِنْهُ، وَيَصِفُونَهُمْ بِنَقِيضِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَ أنه قد رضِي عن المهاجرين      وَالْأَنْصَارِ وَمَدَحَهُمْ ، وَهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الْأَغْبِيَاءُ يَسُبُّونَهُمْ وَيَتَنَقَّصُونَهُمْ ، وَيَذْكُرُونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَا فَعَلُوهُ أَبَدًا، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْكُوسُو الْقُلُوبِ يَذُمُّونَ الْمَمْدُوحِينَ، وَيَمْدَحُونَ الْمَذْمُومِينَ.

     و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْغِيبَةُ؟ قَالَ: (ذِكرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّه) رَوَاهُ أحمد ومسلم و أبو داود و التِّرْمِذِيُّ .

     وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "أيُّ الرِّبَا أَرْبَى عِنْدَ اللَّهِ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللَّهِ استحلالُ عِرْضِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) رواه ابن أبي حاتم و قال الألباني ضعيف . وعند أحمد وأبي داود عن سعيد بن زيد : (إن مِن أربَى الرِّبا الاستطالةَ في عِرْض المسلمِ بغير حقِّ) قال الألباني صحيح ، وعند أبي داود والبيهقي وأحمد : (إن من أكبر الكبائرِ استطالةَ المرء في عِرْض رجلٍ مسلمٍ بغير حق، ومن الكبائر: السَّبَّتان بالسَّبَّة) قال الألباني إسناده صحيح.

     جاء في تفسير الشوكاني :

     الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كما قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَصَفُوا الله بالوالد فقالوا: عزير ابن الله، والمسيح ابن اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَكَذَّبُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَشَجُّوا وَجْهَهُ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَقَالُوا مَجْنُونٌ شَاعِرٌ كَذَّابٌ سَاحِرٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.   

    وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَذِيَّةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِالتَّصْوِيرِ وَالتَّعَرُّضِ لِمَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا اللَّهُ بِنَحْتِ الصُّوَرِ وَغَيْرِهَا.

    واللَّعْنَةُ:الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وهو فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِتَشْمَلَهُمُ اللَّعْنَةُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى وَقْتٌ مِنْ أَوْقَاتِ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتِهِمْ إِلَّا وَاللَّعْنَةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ اللَّعْنِ عَذاباً مُهِيناً فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، لِمَا يُفِيدُهُ مَعْنَى الْإِعْدَادِ مِنْ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.

    ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذِيَّةَ لِصَالِحِي عِبَادِهِ بِأيِّ أَذًى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، بِغَيْرِ فعلٍ اكْتَسَبُوه يُوجِبُ الْأَذِيَّةَ .. فَأَمَّا الْأَذِيَّةُ بحَدٍّ واجب أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ نَحْوِهمَا، فَذَلِكَ حَقٌّ أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ وَأَمْرٌ أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ وَنَدَبَنَا إِلَيْهِ .

    و إِذَا وَقَعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الِابْتِدَاءُ بِشَتْمٍ لمؤمنٍ أو مؤمنةٍ أو ضرب، فَإِنَّ الْقَصَاصَ مِنَ الْفَاعِلِ لَيْسَ مِنَ الْأَذِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا لِهَؤُلَاءِالمؤذِين وأنهم احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً أَيْ: ظَاهِرًا وَاضِحًا لَا شَكَّ فِيه .

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَى النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ اتَّخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَذَفُوا عَائِشَةَ.

     يستفاد من الآيتين :

     1- إيذاء أولياء الله وفي مقدمتهم الصحابة ونساء النبي صلى الله عليه وسلم وفي مقدّمتهنَّ عائشة إيذاءٌ لِله ورسوله وكذلك محاربة السُّنة وحمَلَتها ، ولا يُغْني الخداع بمثل الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم للتغطية على ذلك ، فالله ورسوله والمؤمنون لا يُخْدعون .

    2 – الحرب والحصار ثم التهجير لأهل دمَّاج في اليمن بصورة مأساوية في كل المراحل في هذه الغابة التي يسمُّونها العالم إنما هي حربٌ للدين الصحيح ، وزيادةً في المأساة فلم يُسمح للمُهَجَّرين إلا بأربعة أيام للمغادَرة .. مع كل التعسُّفات التي واجهوها ثم أُخْرِجوا إلى العراء ! مع أن الإحسان مطلوبٌ ولو في الذَّبْح !!  وكلُّ من شارك في المأساة باسم الوساطة واللجان من الدولة فإنما يَخدُم المخطَّط الغربي والإقليمي لحرب الدين الصحيح بالدين المزيّف شعَر أم لم يشعُر.. ولو تكلَّم بكلام ناعم!!

    وذلك هو مايجرى أيضًا في مصر ، ويجري في سورية والعراق وليبية و الآن في اليمن باسم الدين (المزَيَّف) ومكافحة الإرهاب والتكفير ، وهنالك الدستور المصنوع الآن لذلك في مصر وغيرها والقوانين والفتاوى الجاهزة ، والأحزاب المبَرِّرة لذلك باسم الإسلام وحتى باسم السلَفية ، وهنالك أحزاب وتنظيمات باسم التشيُّع ، وباسم الجهاد أيضًا  كما في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ، وكما يجري في اليمن من اغتيالات وتفجيرات ، وكلُّ شيءٍ يفعلونه باسم الدين المزيَّف .

    3- يجب علينا أن نتبرَّأَ إلى الله مما جرَى لإخواننا في دماج وأن نبادر لإسعافهم بما نستطيع ، دفعًا لمقْت الله وللعقاب فإن المخطَّط على الجميع ، على حدِّ قول المثَل : أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض .

     وفي الختام عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) هود ، متفق عليه . و يقول سبحانه : (ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلًا عمَّا يعمَلُ الظالمونَ) إبراهيم .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©