الانقلابات العسكرية نقَلتْنا من العَضُوض إلى الجَبْري

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في13 شوال 1433هـ الموافق 31 أغسطس 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/enklab.mp3

    كلام الرئيس هادي عن اليمن .. و أوضاع المسلمين في نصف القرن الماضي و ماقبله و أسبابها:

      ذكَر الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي في خطابه يوم الأحد 8شوال1433هـ 24أغسطس2012م أمام الحكومة (مجلس الوزراء) أن اليمن ملّ من التجارب على مدى خمسين عامًا ، و لم يصِلْ إلى حلٍّ إلا الصراع و القتال ، و أن الدُّول الراعية  تنظُر ماذا نصنع .. اهـ . (و الدوَل الراعية فيها دولٌ كُبْرى استعمارية!! كما هو معلوم )

     و هذا الكلام هو عين الحقيقة المُتّفِقة مع النصوص التي ذكرتْ الانتقال من مرحلة المُلْك العضوض إلى المُلْك الجبري ، و رغْم الخيريّة الدائمة في الأمة إلا أن فساد الحكم في المُلْك العضوض استمرّ و ازداد في المُلْك العسكري الجبري ..

     و لم تصل الأمة في الانقلابات العسكرية على سبيل المثال في مصر و سورية و العراق و اليمن  وغيرها إلى حلٍّ ، بل ازداد الاستبداد ، وحصل التوريث لِلمُلك ، و انحسرتْ مرجعية العلماء والشريعة أكثر ، بل اضطُهِد الدعاة و العلماء بشكلٍ أكبر و سُجِنُوا و قُتِلوا كما في مصر والعراق و الجزائر و ليبية و تونس ، وازداد الأمر سوءًا في سورية بتدمير مدينة حماة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ، و اليوم كل المُدُن السورية تعاني من ذلك ، كما عانتْ من ذلك ليبية و اليمن و غيرهما طوَال العام الماضي ..

     و السبب في كلّ ذلك ذنوبنا ، قال تعالى : (و ما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديْكم و يعْفُو عن كثير) الشورى . و قال تعالى : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ، وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ، لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأنعام .

      و في اليمن وصل الأمر في مرحلة الانقلاب العسكري بعد 1962م إلى حدّ سبّ الدين من بعض المسؤولين العسكريين في شوارع صنعاء في أواسط الستينيات من القرن الميلادي الماضي ، و أُلْقِيَتْ قنابل الغاز السام على الناس في أرحب و كتاف من الطائرات المصرية في عهد عبد الناصر ، الذي كان يزعم مناصرة اليمنيين ، و اشتهرتْ في عهد هيْمَنَته قِصَص المتَنَفِّذ هادي عيسى الذي ربّما قتَل من أحضرَه إليه العساكر و لو على سبيل الخطأ ، بحجة أنه قد حضَر !!.. و شرُّ البليّة ما يُضْحِك !!

     وتمّ في تلك الفترة اعتقال عدَدٍ من السياسيين اليمنيين ، و تمّ إرسالهم إلى مصر ، وخضعوا لأنواع من التعذيب حتى قال قائلهم الكلمة المشهورة : كنا نطالب بحُرّيّة القول فأصبحنا نطالب بحُرّيّة البول !!

      قصيدة (الكارثة) للزبيري في تشخيص أوضاع اليمن بعد انقلاب 1962م :

      و سجّل شاعر اليمن الكبير الأستاذ الزبيري التحوُّلات السلبيية للمُلْك الجبري في اليمن التي كانت سوداء كسواد المرحلة الماضية مرحلة المُلك العضوض ، و أدَانَ المرحلتين معًا في قصيدته الشهيرة (قصيدة الكارثة) ، و دعا إلى مقاطعتهما و الرجوع إلى شريعة الله ، و أسّس لذلك حزب الله .. و قد حصل التآمر عليه بسبب ذلك من الطرفين المتقاتلين أنصار المُلك العضوض و أنصار الملك العسكري الجبري ، فقُتِل في منطقة بَرَط!!.. رحمه الله ، و مطلع القصيدة التي بيّنَ فيها أن الماضي والحاضر سواء و أن الحاضر ليس انفراجًا ، و إنما هو كارثةٌ جديدة :

هذا هو السيفُ و الميدانُ و الفرسُ *** و اليومَ من أمْسِهِ الرَّجْعِيُّ يَنْبَجِسُ

و (البَدْرُ) في الجَرْفِ تَحْمِيْهِ حماقَتُكم *** و أنْتُمُو مِثْلَمَا كنتُم لهُ حَرَسُ

كأنَّ وَجْهَ الدُّجَى مِرآة ُكارثةٍ *** يَرْتَدُّ فيها لنا الماضي ويَنْعَكِسُ

     و ممّا وَرَد في القصيدة عن الاستبداد الجديد في المُلك الجبْري العسْكري :

و الحُكْمُ بالغصْبِ رَجْعِيٌّ نُقَاوِمُهُ *** حتّى و إنْ لَبِس الحُكَّامُ ما لبِسُوا

     و ممّا وَرَد في القصيدة عن إقصاء الشريعة :

و المُسْتشارون في القانون لوحضَروا *** حرْبًا لَمَا كتبوا حرْفًا و لا نَبَسُوا

يُلَفِّقون قوانين العبيدِ لنا *** و نحنُ شَعْبٌ أبِيٌّ مارِدٌ شَرِسُ

     و ممّا ورد فيها عن عمليات القتْل و الدّمار و الغاز السام :

و الموتُ من مِدْفَعٍ حُرٍّ نقولُ له *** موتٌ و إنْ أوْهَمُونا أنَّهُ عُرُسُ

لَيْتَ الصواريخَ أعْطَتْهم تجاربَها *** فإنها دَرَسَتْ أضعافَ ما درَسُوا

    و ممّا ورد فيها عن تشابُهِ المرحلتين المُلْك العضوض و المُلْك الجبري :

و أنتُمُو طبْعَةٌ للظُّلْمِ ثانِيَةٌ *** تَدارَكَتْ كلَّ ما قدْ أَهْمَلوا و نَسُوا

ما أشْبَهَ الليلةَ الشَّنْعَا بِبَارِحَةٍ *** مَرَّتْ و أشْنَعَ مَن يَهْوِي و يَنْتَكِسُ

     و ممّا ورد فيها عن تدهْوُر الاقتصاد و استبدال العُمْلة الفِضية التي نُهِبَت بعُمْلةٍ وَرَقِيّةٍ تَنْهارُ في كلّ وقت ، كما نلمسُ إلى اليوم .. أنه شَبَّهَ هذه العُمْلة في شراء الذِّمَم بِصكُوك الغُفران الوهمية التي كان يُصْدِرُها القُسُس في أوروبا فقال :

أوراقُكم لشِراءِ الشَّعْبِ تُذْكِرُنا *** ما باعَهُ قُسُسٌ بالصكِّ و اخْتَلَسُوا

أَتُنْكِرُونَ عليهم بَيْعَ جَنَّتِهم *** ياقومِ لا تَخْدَعُونا كُلُّكم قُسُسُ

     و أذكُر بعد الانقلاب  و أنا صغير أنني كنت أسمع أنشودة من إذاعة صنعاء ، و سمعتُ كثيرين غيري يذكرونها فيما بعد .. و فيها :

     لا يَحْكُم الشّعْبَ بعدَ اليومِ مَن صَلَّى!! ..

    و بعد توقُّفٍ و انتظارٍ يقول المُنْشِد (لِطاغوتٍ) .. فيظنُّ السامع غير المُنْتَبِه أن المعنى في شطْر البيت الأول هو المقصود .

     و أنشودة أخرى .. و ذكَّرَني بها الشيخ عبد الملك داود ، وفيها :

     يَتَحدَّى مِدْفَعي عُنْفَ القَدَر!! ..

     ما حدث بعد الخلافة العثمانية :  

     لقد كانتْ الخلافة العثمانية رغم عيوبها و كونها مُلكاً عضوضاً ، مظلّةً تجْمَع المسلمين ، كما أنها كانت تحمل شِعار الإسلام .. ثم أسقطها الكفار و العملاء و استعمَروا أرض المسلمين ، ثم جاء بعدهم الملك الجبري العسكري ..

     و هنالك بعض البلاد الإسلامية بقيتْ على المُلْك العَضوض بعد الاستعمار ، كالمغرب و الأردن و ليبية ،و بعضها تحوّلتْ إلى المُلْك الجبْري بعد العَضوض مثل ليبية ، و بعضها كاليمن تحوّلتْ من العَضوض إلى الجبْري و لم يُسْتَعْمَر إلا الجُزْءُ الجنوبي منها وتحوّل هذا الجُزْءُ إلى الحكم البوليسي الاشتراكي الجبري .

     بعض الإرهاصات لعودة الأمة إلى الخلافة من جديد إن شاء الله :

     إنّ هنالك اليوم إرهاصاتٍ إيجابيةً عديدةً هي مُقَدِّماتٌ في اتجاه استيقاظ الأمة ، و كلام الرئيس عبد ربه منصور في نفس اتجاه كلام الزبيري الذي أوردناه ، و جزءٌ من الاعتراف بالحقيقة ، و إدانةٌ للماضي . و إن العلاج هو في رجوع الأمة إلى الإسلام ، بعيدًا عن التزييف و التلبيس ، و بعيدًا عن تحريف الوعي الذي كان يصوّر للناس أنهم بالانقلابات خرَجوا من الظلمات إلى النور ، و الحقيقة أنهم إنما انتقلوا في الفترة الماضية بالانقلابات و الصراعات من ظلماتٍ إلى ظلمات .

    و من الإرهاصات الإيجابية المواقف الرائدة للرئيس المصري في الاعتداد بالإسلام على منهج أهل السنّة و الجماعة و رفْع شعاراته بكل قوّة ، و آخرها ما فعله يوم أمس في قمة دول عدم الانحياز التي انعقَدتْ في عُقْر دار الروافض حيث أسْمَعهم الرئيس المصري الحقَّ  و صدَع به ..

     لقد أعلن بوضوح وجوب نصْرة سورية المظلومة التي يذيقها الروافض و حلفاؤهم منذ سنةٍ و نصف سوءَ الدمار و سوءَ التقتيل و سـوءَ العذاب ، و ينفّذون في مُدنها سياسة الأرض المحروقة ..

     كما أن الرئيس المصري ترضَّى عن الخلفاء الراشدين الذين هم مرجعية أهل السنة والجماعة بوضوح و قوّة دون خنوع أو نفاق سياسي دبلوماسي ، و ظهر الرجل بذلك أنه صاحب مشروعٍ يهدِف لإقامته و إعادة الأمة إلى الصواب .. نسأل الله له و لأمثاله الحِفْظ و التوفيق و السداد .

     و في الختام يقول الله سبحانه : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©