الابتلاء رغم العَدَد

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 27 شوال1430هـ الموافق 16 أكتوبر 2009م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/ebtla.mp3

    * حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اكتبوا لي من تلفَّظ بالإسلام من الناس) . فكتبنا له ألفاً وخمسمائة رجل ، فقلنا : نخاف ونحن ألف وخمسمائة ؟ فلقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف . رواه البخاري .

    ثم قال : حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش : فوجدناهم خمسمائة . قال أبو معاوية : ما بين ستمائة إلى سبعمائة .1

    * حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير وأبو كريب ( واللفظ لأبي كريب ) قالوا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (أحصوا لي كم يلفِظ الإسلام؟) قال فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة ؟ قال ( إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتَلَوا ) قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا . رواه مسلم .  وكذلك رواه أحمد و النسائي وابن ماجه و ابن حبان .1

     قال في شرح الحديث في (الفتح) : قوله ( اكتبوا لي من تلفَّظ بالإسلام ) في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند مسلم : (أحصوا) بدل : (اكتبوا .) وهي أعم من (اكتبوا) . وقد يفسَّر (احصوا) بِـ (اكتبوا) . قوله : فقلنا نخاف .. هو استفهام تعجب ، وحذفت منه أداة الاستفهام وهي مقدرة ، وزاد أبو معاوية في روايته فقال : (إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا) وكأن ذلك وقع عند ترقّبِ ما يخاف منه ، ولعله كان عند خروجهم إلى أُحد أو غيرها ، ثم رأيت في شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق .  وحكى الداودي احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية ، لأنه قد اختلف في عددهم هل كانوا ألفا وخمسمائة أو ألفا وأربعمائة أو غير ذلك مما سيأتي في مكانه .1

      وأما قول حذيفة : فلقد رأيتنا ابتلينا الخ ... فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة ، كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها ، وكان بعض الورِعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشيةً من وقوع الفتنة ... ووَهِم من قال إن ذلك كان أيام قتل عثمان لأن حذيفة لم يحضر ذلك .  وفي ذلك علَم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه ! وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره .1

     قوله : حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة.. يعني أن أبا حمزة خالف الثوري عن الأعمش في هذا الحديث بهذا السند فقال خمسمائة ، ولم يذكر الألف . قوله : قال أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة أي أن أبا معاوية خالف الثوري أيضا عن الأعمش بهذا الإسناد في العدّة  .. وطريق أبي معاوية هذه وصلها مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه .1

     وكأن رواية الثوري رجَحت عند البخاري فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقا وزاد عليهم ، وزيادة الثقة الحافظ مقدمة ،  وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه ، ولذلك اقتصر مسلم على روايته لكنه لم يجزم بالعدد ، فقدّم البخاري رواية الثوري لزيادتها بالنسبة لرواية الاثنين ، ولجزمها بالنسبة لرواية أبي معاوية . وأما ما ذكره الإسماعيلي أن يحيى بن سعيد الأموي وأبا بكر بن عياش وافقا أبا حمزة في قوله خمسمائة .. فتتعارض الأكثرية والأحفظية فلا يخفى بعد ذلك الترجيح بالزيادة ، وبهذا يظهر رجحان نظر البخاري على غيره .1

     وسلك الداودي الشارح طريق الجمع فقال لعلهم كتبوا مرات في مواطن ، وجمَع بعضهم بأن المراد بالألف وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي ، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة ، وبالخمسمائة المقاتِلة خاصة .. وهو أحسن من الجمع الأول وإن كان بعضهم أبطله بقوله في الرواية الأولى ألفا وخمسمائة رجل  .. ولكن يمكن أن يكون الراوي أراد بقوله: "رجل"  "نفس" وجمَع بعضهم بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة ، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم ومن ليس بمقاتل ، وبالألف وخمسمائة هم ومن حولهم من أهل القرى والبوادي .1

     قلت (القائل ابن حجر) : ويخدش في وجوه هذه الاحتمالات كلها اتحاد مخرج الحديث ومداره على الأعمش بسنده واختلاف أصحابه عليه في العدد المذكور والله أعلم . (لكن يحتمل أن يكون الأعمش كان يحدث بهذا العدد تارة ، و بالعدد الآخر تارة ، و بالثالث تارة ، حسَب المواطن أو المقصودين بالعَدَد) .1      

     وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش ، وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة مِمَّن لا يصلح ، وفيه وقوع العقوبة على الإعجاب بالكثرة وهو نحو قوله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم... الآية) التوبة .

     وقال ابن المنيِّر : موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل أن كتابة الجيش وإحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع البركة  ، بل الكتابة المأمور بها لمصلحة دينية ، والمؤاخذة التي وقعت في حنين كانت من جهة الإعجاب . ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس قال رجل: يا رسول الله ، إني اكتتبت في غزوة كذا ... وهو يرجح الرواية الأولى بلفظ (اكتبوا) لأنها مُشعِرةٌ بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي .اهـ المنقول من (الفتح) .1

     *و التخطيط و الإحصاء مما حرص عليه الإسلام لأمور كثيرة  .. وللعدد أهميته و لكن الأهم منه قوة العزيمة و الإرادة و الصدق والنية الجالبة لتوفيق الله ، حتى إن الرجل الواحد يغني عن العدد الكبير .. عن جابر و أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لَصوتُ أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل) رواه الحاكم و غيره ، و قال الذهبي: رواته ثقات على شرط مسلم ، و ذكَر الألباني أنه صحيح . و قال تعالى : (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) البقرة . و قال صلى الله عليه و سلم : (خير الصحابة أربعة و خير السرايا أربعمائة و خير الجيوش أربعة آلاف و لا تهزم اثنا عشر ألفا من قلة)حم د ت ك حب يع خز  عن ابن عباس .   قال الحاكم: على شرطهما ، و قال الألباني والأرناؤوط ولأعظمي و حسين أسد : صحيح .1

     *وكما أن الغرور يبطل أثر العدد الكثير فكذلك يذهب بخير المال و بخير العلم (قال إنما أوتيته على علم عندي) القصص . (و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتْبعه الشيطان فكان من الغاوين) الأعراف . (ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتبته على علم ، بل هي فتنة و لكن أكثرهم لا يعلمون) الزمر . وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يستعيذ من العلم الذي لا ينفع كما في الحديث عندأحمد و مسلم  و النسائي و غيرهم .1

   *و المسلمون اليوم كُثْرٌ و لكنهم كغثاء السيل  بدون تربية كافية ،كما في الحديث عندأحمد و أبي داود وغيرهما وذكر الألباني أنه صحيح و الأرناؤوط أنه حسن . و لكن المجاهدين من المسلمين رغم قلتهم مؤثرون جدا و منتصرون لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم  كما في الحديث المتواتر ، يواجهون إرهاب العدو بإرهاب مقابل كما في فلسطين و أفغانستان ..

      لا عدْل إلا إن تعادَلت القوى   ***   وتَصَادَم الإرهابُ بالإرهابِ                        *ونحن في اليمن كثيرٌ و إمكاناتنا كثيرة فعددنا اثنان و عشون مليونا ، وعندنا ثروة سمكية وسواحلنا أكثر من ألفين و اربعمائة كيلو متر ، و عندنا ذهبٌ يُستخرج و يصدَّر على تكتُّم وعندنا المغتربون الذين يُدخِلون إلى البلد مئات الملايين من الدولارات ، ولكن غلبَنا الفقر و التفرُّق بسبب المؤمرات والمنكرات والتعرُّض للفتن و الفساد ، وسوء الإدارة والتوزيع و بسبب الغرور الرسمي والفخْر بمُنجزات كثير منها وهمية ،   والغرور الفردي  ، وغابت التربية الإسلامية عن الكثيرين بإلغاء المعاهد الشرعية ، وضعُفَ أثَر الكثْرة فأصبحنا عاجزين عن حل مشاكلنا ، و لا علاج إلا بالتناصح و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكــر   و التوبة ..  و لا بد أن يبدأ المسؤولون و المترفون !!

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©