الناسُ أصنافٌ ثلاثةٌ يومَ القيامة

خطبة جمعة في مسجد أمة بتاريخ ٢٩ من جمادَى الاولى ١٤٤١هـ الموافق ٢٤ يناير ٢٠20م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/asnaf.mp3

 

  * (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) الواقعة.

    * جاء في تفسير ابن كثير:

    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ؟ قَالَ: "شيَّبتْني هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وذكر الألباني أنه صحيح.

  ... (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) أَيْ: يَنْقَسِمُون يَوْمَ لْقِيَامَةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، وَيُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ. قَالَ السُّدِّيّ: وَهُمْ جُمْهُورُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَآخَرُونَ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ وَيُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ، وَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، وَهُمْ عَامَّةُ أَهْلِ النَّارِ - عِيَاذًا بِاللَّهِ- وَطَائِفَةٌ سَابِقُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُمْ أَقْرَبُ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فِيهِمُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.. وَهَكَذَا هُمْ أَنْوَاع ثلاثَة فِي آخِرِ السُّورَةِ وَقْتَ احْتِضَارِهِمْ، وَذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) فَاطِرٍ. وَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ.

   قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) قَالَ: هِيَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ(فاطر) : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ...) . وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَزْوَاجُ الثَّلَاثَةُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي آخِرِ السُّورَةِ وَفِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ.

وَقَالَ الرَّقَاشِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) قَالَ: أَصْنَافًا ثَلَاثَةً. وَقَالَ عُبَيد اللَّهِ العتكي، عن عثمان بن سراقة ابن خالة عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) اثْنَانِ في الجنة، وواحد في النار.

وَروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) التَّكْوِيرِ، قَالَ: الضُّرَبَاءُ، أي الأمثال: يعني التحاق الأرواح بأجسامها التي تُماثِلُها.

   وَروى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، أنه قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَنِ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ".

   * وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّابِقِين الْمُبَادِرُونَ إِلَى الْخَيِّرَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ) آل عِمْرَانَ. فمَن سابَق فَجَزَاؤه مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

   ويذكر تعالى عن السَّابِقِينَ أَنَّهُمْ (ثُلَّةٌ) أَيْ: جَمَاعَةٌ (مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) . وَاخْتَلَفُوا.. فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِينَ: الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ، وَالْآخِرِينَ: هَذِهِ الْأُمَّةُ. هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، عند ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ. وَاخْتارهُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَاسْتَأْنَسَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . وَلَمْ يحكِ غيره ولا عزاهُ إلى أحد.

    وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ ما رواه ابْنُ أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَنَزَلَتْ: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ) . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ: شَطْرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ- وَتُقَاسِمُونَهُمُ النِّصْفَ الثَّانِي!!". يعني بثُلَّة أصحاب اليمين كما يظهَر. انتهى بتصرف.

    * وعلى هذا فالراجح ما رجَّحه ابن جرير ، أن المُقرَّبين من الأمم السابقة أكثر، لأن هذه الأمة تأتي بعد سبعين أمة سبقتْها!!، فعن معاوية بن حَيدة أنه سمِع النبيَّ صلى الله عليه وسلم في قولِه تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ) قال: إنكم تُتِمُّونَ سبعينَ أمةً، أنتم خيرُها وأكرمُها على اللهِ رواه الترمذي وقال الألباني حسن، وقال الحافظ حسن صحيح، وله شاهد مرسل، رواته ثقات كما في الفتح، وهذه الأمة تُقاسِم أهل الجنة في النصف الثاني، إذْ أمةُ محمد ص ثلُثان من أهل الجنة في الحديث الآتي، لأن أصحاب اليمين في الجنة ثلة من الأمم السابقة، وثلة من هذه الأمة، كما في الكلام على أصحاب اليمين في سورة(الواقعة)، أي أنهم بكثرة أصحاب اليمين منهم يبلغون ثلُثَي الأمة. فعن بريدة يعني عن الرسول ص: (أهْلُ الجَنَّةِ عِشرونَ ومِئَةُ صَفٍّ، منهم ثمانُون مِن هذه الأُمَّةِ) . وقال عَفّانُ مَرَّةً: أنتُم منهم ثمانُون صَفًّا. أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وإسناده صحيح كما قال الأرناؤوط.

   * وفي آخر السورة: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الواقعة.

   * جاء في تفسير ابن كثير: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ) أَيِ: الْمُحْتَضَرُ، (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ، وَهُمُ الَّذِينَ فَعَلُوا الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَبَعْضَ الْمُبَاحَاتِ، (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) أَيْ تُبَشِّرُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّوْحَ: الِاسْتِرَاحَةُ.

وَقَالَ أَبُو حَزْرَة: الرَّاحَةُ مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْر، وَالسُّدِّيُّ: الرَّوْحُ: الْفَرَحُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَرَوْحٌ وَرَحْمَةٌ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، و ابْنُ جُبَيْرٍ: (وَرَيْحَانٌ): وَرِزْقٌ.

     وروى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ: (فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ) بِرَفْعِ الرَّاءِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ بْنُ مُوسَى الْأَعْوَرُ. لكنها قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ، والْبَاقُونَ: (فَرَوْحٌ) بفتح الراء.

     وروى أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَتَزَاوَرُ إِذَا مُتْنَا وَيَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ النَّسَمُ طَيْرًا يَعْلُقُ بِالشَّجَرِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا". وَ "يَعْلُقُ": يَأْكُلُ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِالصِّحَّةِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنِ مَالِك، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّمَا نَسَمة الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجِرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ" . وَهَذَا إِسْنَادٌ عظيم.

  * وَفِي حديث مسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ".

   وَعند أَحْمَد عن رَسُولِ اللَّهِ ص:(... وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ". قَالَ: فَأَكَبَّ الْقَوْمُ يَبْكُونَ، فَقَالُوا: نَكْرَهُ الْمَوْتَ. قَالَ:.. إِذَا حُضِر- المؤمن- (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) ، فَإِذَا بُشِّر أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّه) ثم ذكر العكس، وله شاهد من الصحيح عن عائشة. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: (فَسَلامٌ لَكَ) أَيْ: مُسلَّم لَكَ، أَنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين، أو هي دعاء، مثل: فسَقْيًا لك.

    (فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) إِنْ كَانَ الْمُحْتَضَرُ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ (فَنزلٌ) أَيْ: فَضِيَافَةٌ (مِنْ حَمِيمٍ)  يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) وروى أحمد وغيره عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ .. لَمَّا نَزَلَتْ: (فسبِّح...) قال: (اجعلُوها في ركوعِكم) ولما نزلت الأعلى قال: (...في سجودكم).

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©