أصحاب المشروعات الصغيرة

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 13 شوال 1430هـ الموافق 2 أكتوبر 2009م    

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/ashab.mp3

     كم من الـناس من يكون نـظره قاصـرا فيـكتـفي بالدون و لايطلق نظره فيما تتطلع إليه العيون .. ويختار لنفسه القليل دون الكثير ،

  سقطتْ في شِبْرِ ماءٍ ***  هو عند النمْل كاليَمّ

      جاء في (تاريخ مختصر الدول لابن العبري)  : و في سنة أربعين و ستمائة بويع المستعصم يوم مات أبوه المستنصر ، و كان صاحب لهوٍ و قصف ، شغفاً بلعب الطيور و استولت عليه النساء ، و كان ضعيف الرأي قليل العزم كثير الغفلة عما يجب لتدبير الدول ، و كان إذا نُبِّه على ما ينبغي أن يفعله في أمر التتار إما المداراة و الدخول في طاعتهم و توخي مرضاتهم  ، أو تجييش العساكر و ملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم و استيلائهم على العراق ، فكان يقول: أنا بغداد تكفيني و لا يستكثرونها لي إذا نزلتُ لهم عن باقي البلاد!! و لا أيضاً يهجمون عليّ و أنا بها و هي بيتي و دار مقامي . فهذه الخيالات الفاسدة و أمثالها عدلت به عن الصواب فأصيب بمكاره لم تخطر بباله .اهـ .

       و من هؤلاء أولئك الذين يؤثرون الدنيا (بل تؤثرون الحياة الدنيا ، و الآخرة خير و أبقى) الأعلى . والدنيا بأكملها قليلة و مشروع صغير (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) النساء . (ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه) حم ت ه حب وقال الألباني والأرناؤوط صحيح .1

     وأولئك الذين يعظمون الدنيا و كبراءها من الكافرين مغرورون بالمشروع الصغير ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم و بئس المهاد . لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...) آل عمران . ( و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) الرعد .

     وكم عتَا من الكافرين من عتَا ثم خفَتَ كانْ لم يكنْ (ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ، و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، و فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب ، إن ربك لبالمرصاد) الفجر .

     وهكذا أهل الدنيا ممن لهم نوعُ اتصال بأهل الدين (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) القصص .

     ويوجد كذلك في داخل المسلمين ممن لم يعقلوا شمولية الإسلام من يحملون مشروعات صغيرة كا لمسارعين في الكافرين (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ) المائدة ثم قد ينكشف لهم الأمر عاجلا (فعسى الله أن يأني بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) ومن هؤلاء المنهزمون أمام الغطرسة اليهودية ومشروعاتها ومنها الغلبة على الأقصى حكام الدول في بلاد المسلمين فتجدهم رغم امكاناتهم لا يحركون ساكنا ، لأنهم صغار لا يتحركون إلا لمشروعاتهم الصغيرة ، و لم يشأ الله أن يشرِّفهم بالدفاع عن المقدّسات .

      و من أصحاب المشروعات الصغيرة أصحاب التعصُّب لشهوةٍ أو جاهٍ أو فكرٍ دنيوي أو بدعة أو مذهب ، فيسعون لتشطير الناس من أجل أهوائهم و أمزجتهم ..  وقد تصل بهم أهواؤهم إلى تقليل المقلَّل وتصغير المصغَّر و تمزيق الممزّق والطعن في الميت ونهب المنهوب و سرقة المسلوب ، وامتصاص الفقير و المسكين ، والرقص في العزاء والفرح في المأتم كما تفعل وسائل الإعلام في بلدنا هذه الأيام ، ولا يهمها ما يجري في البلد من ظلم وقتال وإجرام ، تماما كما حكى الله على الظالم ذي الأعصاب الباردة الذي يغتصب حق من مرّ به ، ولا يسلم من قلبه الصخري المساكين ، قال تعالى : (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) الكهف .  و منهم أيضا المنعزلون في صفوف الصلاة  من المبتدعة في نواحي المساجد رغم أنهم في نفس الجماعة ، الذين يخالِفــون ليَظهروا ، و  بعض المقدَّمين من أمثالهم اليوم هم أصحاب مشروع صغير في تمزيق اليمن لصالح فكرهم  .1

     ولقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم  في كلام جامعٍ المشروع الإسلامي العظيم والمشاريع المنعزلة الصغيرة فقال : (إن الله زوَى لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها و إن مُلْك أمتي سيبلغ ما زُوِي لي منها ، و إني أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض  ، و إني سألت ربي لأمتي أن لا يهلِكوا بسنة عامة و لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، و إن ربي عز و جل قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرَدُّ ، و إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة و أن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم و لو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يفني بعضا ، و إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، و إذا وُضِع في أمتي السيف لم يُرفَع عنهم إلى يوم القيامة ، و لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ، و إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي و أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) حم م د ت هـ  عن ثوبان .1

     ومن هؤلاء الصغار أصحاب مشروعات التمزيق الصغير ة في اليمن : أصحاب الصراعات المسلحة ، وأصحاب الفساد والغصب و الظلم ، وأصحاب اللهو واللعب والمنكرات في الإعلام و غيره مع أن المثَل يقول الطعن في الميت حرام .

     و كل أحدٍ من هؤلاء يزعم الصلاح و الإصلاح ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه ...) البقرة . (و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا ...) البقرة . (إن أردنا إلا إحسانا و توفيقا ...) النساء .    

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©