ولَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاس..

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 13 جمادى الأولى 1435هـ الموافق 14 مارس 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/annas.mp3

     قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ،وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) فاطر ..   كما قال سبحانه : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل .

      جاء في تفسير ابن كثير :

     (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) أَيْ: لَوْ آخَذَهُمْ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ، لَأَهْلَكَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمَا يَمْلِكُونَهُ مِنْ دَوَابَّ وَأَرْزَاقٍ.

     قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَادَ الجَعْلُ أَنْ يُعَذَّبَ فِي جُحْره بِذَنْبِ ابْنِ آدَمَ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، والسُّدِّيّ فِي قَوْلِهِ: (مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) أَيْ: لَمَا سَقَاهُمُ الْمَطَرُ، فَمَاتَتْ جَمِيعُ الدَّوَابِّ .

     (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) أَيْ: وَلَكِنْ يُنْظرهُم إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُحَاسِبُهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَيُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، فَيُجَازِي بِالثَّوَابِ أهلَ الطَّاعَةِ، وَبِالْعِقَابِ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) . اهـ . بتصرُّف .   

     جاء في تفسير الشوكاني :

     الْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الْكَافِرُ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا دَبَّ وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا كَيْفَ يَعُمُّ بِالْهَلَاكِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ؟ وَأُجِيبَ بِإِهْلَاكِ الظَّالِمِ انْتِقَامًا مِنْهُ، وَإِهْلَاكُ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَلِأَجْلِ تَوْفِيرِ أَجْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَبِشُؤْمِ ظُلْمِ الظالمين، ولله الحكمة البالغة (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) الأنبياء ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) . وَفِي مَعْنَى هَذَا أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا في المتفق عليه مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ العَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ) ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْجَيْشِ الَّذِينَ يُخْسَفُ بِهِمْ فِي الْبَيْدَاءِ، وأَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ كما في المتفق عليه . وَقَدْ قَدَّمْنَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيْبَنَّ الذين ظلَمُوا منكم خاصَّة) الأنفال ، تَحْقِيقًا حَقِيقًا بِالْمُرَاجَعَةِ لَهُ ، (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) مَعْلُوم عِنْدَهُ وَهُوَ مُنْتَهَى حَيَاتِهِمْ وَانْقِضَاءُ أَعْمَارِهِمْ أَوْ أَجَلُ عَذَابِهِمْ ، وَفِي هَذَا التَّأْخِيرِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ مِنْهَا الْإِعْذَارُ إِلَيْهِمْ ، وَإِرْخَاءُ الْعِنَانِ مَعَهُمْ، وَمِنْهَا حُصُولُ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُمْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ دُونِ تَقَدُّمٍ عَلَيْهِ وَلَا تَأَخُّرٍ عَنْهُ، وَالسَّاعَةُ الْمَدَّةُ الْقَلِيلَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا هَذَا وَتَحْقِيقُهُ.

     وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ذُنُوبُ ابْنِ آدَمَ قَتَلَتِ الْجُعْلَ فِي جُحْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ ، زَمَنَ غَرَقِ قَوْمِ نُوحٍ . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ قَالَ: كَادَ الْجُعْلُ أَنْ يُعَذَّبَ فِي جُحْرِهِ بِذَنْبِ ابْنِ آدَمَ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) النحل . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: إِنَّ الظَّالِمَ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتُ هُزَالًا فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ .

     وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّهُ كَادَ الْجُعَلُ لَيُعَذَّبُ فِي جُحْرِهِ بِذَنْبِ ابْنِ آدَمَ ثُمَّ قَرَأَ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ الآية. اهـ . بتصرُّف .   

     جاء في تفسير السعدي :

     لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه ذكر كمال حلمه وصبره فقال: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) من غير زيادة ولا نقص، (مَا تَرَكَ عَليها مِنْ دَابَّةٍ) أيْ لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم، من أنواع الدواب والحيوانات فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل ، (وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) عن تعجيل العقوبة عليهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه. اهـ . بتصرُّف .

     يستفاد من الآيتين :

     1- الذنوب سبب لغضب الله وعقابه ، ومن ذلك تسليط الأشرار والكفار و عدم استجابة الدعاء .. فعن أبي الرُّقَادِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَوْلَايَ وَأَنَا غُلَامٌ فَدُفِعْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: " إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ مُنَافِقًا "، وَإِنِّي لَأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ فِي الْمَقْعَدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ .. لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَحَاضُّنَّ عَلَى الْخَيْرِ، أَوْ لَيُسْحِتَنَّكُمُ اللهُ جَمِيعًا بِعَذَابٍ، أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ، فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ".

     رواه أحمد .. و مما جاء في تحقيق مسند أحمد بإشراف التركي : هذا موقوف وهو حسن ، وقد جاء مرفوعا عند أحمد وغيره أيضا بألفاظ ، وأخرجه البيهقي في "السنن" ، والترمذي ، والبغوي  وحسَّنه الترمذي . اهـ . بتصرُّف .  كما قال الألباني إنه حسن .

     2- إلَّا أن رحمة الله وحلمه وعفوه واسع فلذلك يؤَجِّل ويُمْهِل ويتيح الفُرَص للتوبة ، و إذا عاقب في الدنيا فإنه يعاقب غالبًا للتأديب والاعتبار ، لايستقصي ولا يستأصل إلا في أحوال محدودة ، قال تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى ، فإذا حصل الاستئصال شمَل كل دابَّة ، ومن ذلك ما حدَث لبعض الأمم السالفة كقوم نوح ، ومن ذلك ما يحصل للجيش الذي يغزو الكعبة .

    3- إننا نعيش في ظروف الفِتن والتأديب ، ومن الفتن الركون إلى الكافرين في حل قضايانا ، فقد كنا بدأنا بمبادرةٍ خليجية ، فأَبَوْا إلا إدخال الأجانب ، والله يقول : (لا يألُونَكم خَبالًا) آل عمران ، فخاضوا في التشريع لنا ، مع أن التشريع لله وحده (إن الحكْم إلا لِله) يوسف ، و فرضُوا علينا الكوتا ، وليستْ في بلدانهم ، وصار بعضنا يُسارِع في الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة ، وكأننا لم نعرف الحقوق إلا منهم !! وهم  المغضوب عليهم والضالون .. وتحوَّلت المبادرة إلى مؤامرة!!.

    و كنا نصرُخ من خطر الجماعات المسلحة وقتْلها الناس وتهجيرهم وتفجير دور القرآن والمساجد ، والناس يستنجدون دون جدوى حتى وصل الخطر إلى صنعاء و حصل القتل والتهجير والتفجير بجوار العاصمة ، تمهيدًا للانتقال للعاصمة ، ورغم ذلك تجري المفاوضات الناعمة المخْمَلية لاسترضائهم ، فهل من المأمول بعد تدليلهم ، بسط نفوذ الدولة عليهم ؟ و نزع السلاح الثقيل من أيديهم ؟!! .

    و بما أنه لا مجال لإزالة كل المنكرات ، فإننا يجب أن نعمل على التخفيف منها ما استطعنا .. و هنالك مجال للنجاة بالنهْي والمفارقة ، فالعقاب يَعُمُّ و لايصيب الظالمين خاصة .

    وفي الختام يقول سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الأعراف .    

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©