الأيام المعلومات

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 3من ذي الحجة 1433هـ الموافق 19 أكتوبر 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/aiam.mp3

   قال تعالى : (لِيَشْهَدُوا منافِعَ لهم وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ...) الحج .

     جاء في تفسير ابن كثير الأقوال الواردة في تفسير الآية ، و بيان الأيام المعلومات :

    و قوله: (وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ) قال ابن عباس: الأيام المعلومات أيام العشر ، والأيام المعدودات أيام التشريق . علّقه البخاري  بصيغة الجزم به  . و يُروَى مثله عن أبي موسى الأشعري و مجاهد و عطاء و سعيد بن جبير و الحسن و قتادة و الضحاك و عطاء الخراساني و إبراهيم النَّخعي . و هو مذهب الشافعي ، و المشهور عن أحمد بن حنبل .

     و قال البخاري: حدثنا محمد بن عَرْعَرَة حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البَطِين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (و لا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل يخرج يخاطِر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) .

     و رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وفي الباب عن ابن عمر و أبي هريرة و عبد الله بن عمرو و جابر.

     قلتُ: وقد تقصَّيتُ هذه الطرُق ، وأفردتُ لها جزءًا على حِدَتِه ، فمن ذلك ما قال الإمام أحمد: حدثنا عَفَّان أنبأنا أبو عَوَانة عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فيهن ، من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) ، قال الأرناؤوط صحيح ، و روي من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عمر بنحوه.

     و قال البخاري: و كان ابن عمر و أبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيُكبِّران ويُكبِّر الناس بتكبيرهما .

     و قد روى أحمد عن جابر مرفوعا: أن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله: (وَ الْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) الفجر . و قال بعض السلف: إنه المراد بقوله: (وَ أَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) الأعراف.

      و هذه العشر مشتملةٌ على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ، فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية) .

     و عنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) رواه مسلم .

     و تشتمل العشر على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله .

      و بالجملة ، فالعشر قد قيل: إنها أفضل أيام السنة ، كما نطق به الحديث ، ففضلها كثير على عشر رمضان الأخير؛ لأنها يُشرع فيه ما يشرع في تلك، من صيام وصلاة وصدقة وغيره، وتمتاز هذه باختصاصها بأداء فرض الحج فيها.

     و قيل: تلك أفضل لاشتمالها على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.

     و توسّط آخرون فقالوا: أيام هذه أفضل، وليالي تلك أفضل . وبهذا يجتمع شمل الأدلة، والله أعلم.

     قول ثان في الأيام المعلومات: قال الحكم عن مِقْسَم عن ابن عباس: الأيام المعلومات: يوم النحر وثلاثة أيام بعده . ويروى هذا عن ابن عمر وإبراهيم النَّخَعي وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه.

     قول ثالث: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن المديني، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا ابن عَجْلان، حدثني نافع؛ أن ابن عمر كان يقول: الأيام المعلومات المعدودات يوم النحر ويومان بعده ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر. هذا إسناد صحيح إليه .

      و قاله السدي ، وهو مذهب الإمام مالك بن أنس ، ويعضد هذا القول و الذي قبله قوله تعالى: (عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ) يعني به: ذكْر الله عند ذبحها .

       قول رابع: إنها يوم عرفة ويوم النحر، ويوم آخر بعده. وهو مذهب أبي حنيفة .

وقال ابن وهب: حدثني ابن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قال: المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر، وأيام التشريق. اهـ . بتصرُّف .

     و جاء في فتح الباري تأكيدٌ لِمَا وَرَد عن ابن عباس في الأيام المعلومات:

     قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج .

   ذكر البخاري عن ابن عباس تعليقًا : الأيام المعلومات أيام العشر ، و الأيام المعدودات: أيام التشريق ، و قد وصَل ذلك عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس .

     و روى ابن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، والمعدودات أيام التشريق . إسناده صحيح . و قد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن عباس أن المعلومات يوم النحر و ثلاثة أيام بعده . اهـ . بتصرُّف .

     كلام ابن عباس يجْمَع الأقوال :

     و لعل المرويَّ عن ابن عباس يجمع بين أقوال الآخرين و مَن جاءُوا بعده ، فالأخصّ في الأيام المعلومات  أنها يوم التروية واليوم الذي قبل التروية ، ويوم عرفة ، على قولٍ لابن عباس عند ابن مردويه  كما سبق ، لأن هذه الأيام من أفضل العشْر .

      أو أنها أيام التشريق (يوم النحر و ثلاثة أيام بعده) ، على قولِ ابن عباس عند ابن أبي شيبة  كما سبق ، لأنه يصْدُق على هذه الأيام  كما في الآية ، أنها أيام الذِّكْر العام و الذِّكْر على الأَنعام.

     أو الارتقاء إلى ماهو أعمّ باعتبار العشر كلِّها معلومات ، على قول ابن عباس في البخاري ، بجانب قوله عند ابن أبي شيبة السابق في اعتبار أيامِ التشريق المعدوداتِ معلوماتٍ أيضًا (يومِ النحر و ثلاثةِ أيام بعده)  ، فيتمُّ جمْع العشْرِ إضافةً إلى أيام التشريق فتكون ثلاثةَ عشَرَ يومًا ، لأنها كلَّها أيامُ ذِكْرٍ عامٍّ و ذِكْرٍ على ذَبْح الأنعام .  

     و العشْر نفسها بالإضافة إلى الذِّكْر هي استعدادٌ لذبح الأنعام بالامتناع عن مسّ الشعر والبشَر . و أيام النحر والتشريق  بالإضافة إلى الذِّكْر هي ذبْحٌ . فموضوع العشْر والتشريق واحد ، فكلُّهنَّ  إذَنْ مَعلوماتٌ.. و أقوال ابن عباس تجْمعها ، و الله أعلم .

     و جاء في تفسير الطبَري ترجيح أنها أيام الذّبْح :

    ترجيحه أن الأيام المعلومات هي أيام الذبْح و الأكْل و الذِّكْر مستدلاً بالآية:(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ ) وبالحديث عن أيام التشريق: (إنها أيام أكل وشرب و ذكر الله) . و ما سبَق أرْجح .

     و جاء في فتح القدير شيءٌ من تقريب الأقوال و ذِكْر بعض الإجماعات ، و كلام ابن زيد الذي يجمع الأقوال و هو شبيهٌ بما ورَد عن ابن عباس :

     قال القرطبي : لا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام مِنَى وهي أيام التشريق وهي أيام رمْي الجمار ... قال القرطبي : الإجماع على ما نقله أبو عمر بن عبد البر وغيره و روى الطحاوي عن أبي يوسف أن الأيام المعلومات أيام النحر ، قال : لقوله تعالى : (و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) .

     و حكى الكَرْخي عن محمد بن الحسن أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة : يوم الأضحى ويومان بعده ، قال الكَيَا الطبري : فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا فرْق بين المعلومات و المعدودات ، لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق بلا خلاف .

     و رُوِي عن مالك أن الأيام المعدودات والأيام المعلومات يجمعها أربعة أيام : يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، فيوم النحر معلوم غير معدود ، واليومان بعده معلومان معدودان ، واليوم الرابع معدود لا معلوم ، وهو مرويٌّ عن ابن عمر (كما سبق فيما نقله  ابن كثير) .

     و قال ابن زيد : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة وأيام التشريق .. (و هذا ما سبق ترجيحه عند الكلام على أقوال ابن عباس) . اهـ . بتصرُّف .

     الذِّكْر أفضل ما يُسْتَعَدُّ به للأحداث :

     و الذكر هو أفضل ما يُسْتَعَدُّ به للأحداث لاسيما في أيامنا هذه ، قال تعالى : (فاذكروني أذْكُرْكم) البقرة ، و قال تعالى : (إذا لقيتم فئةً فاثْبُتُوا و اذكُروا اللهَ كثيراً) الأنفال . و قال عليه الصلاة و السلام : (احفظِ اللهَ يحفَظْك) رواه أحمد و ذكر الألباني أنه حسن ، و في بعض لفْظِه : (تعرَّفْ إلى الله في الرخاءِ يَعْرِفْك في الشِّدة) .

    و قال عليه الصلاة و السلام : (خذُوا جُنَّتكم من النار ، قولوا : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدِّمات و معقِّبات و مجنِّبات و هن الباقيات الصالحات ) رواه النسائي و الحاكم عن أبي هريرة و قال الألباني صحيح . مقدِّمات : يسبِقْنَ الانسان و يَسِرْنَ أمامه . معقِّبات : يَسِرْنَ خلْفَه . مجنِّبات : يَسِرْنَ عن جانبَيْه .     

      و في صحيح الأدب المفرد عن عبد الله موقوفا صحيحا في حكم المرفوع كما قال الألباني : إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، و إن الله يعطي الدنيا من يحب و من لا يحب و لا يعطي الإيمان إلا من أحب ، فمن ضن بالمال أن ينفقه و خاف العدو أن يجاهده و هاب الليل أن يكابده ، فليُكْثِر من قول : سبحان الله  و الحمد لله  و لا إله إلا الله و الله أكبر " .

    و عند البيهقي عن عبد الله رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :

    (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، و إن الله يعطي المال من يحب و من لا يحب ، و لا يعطي الإيمان إلا من يحب ، فإذا أحبّ عبدًا أعطاه الإيمان ، فمن ضَنّ (بَخِل) بالمال أن ينفقه ، و هاب الليل أن يُكابِده ، و خاف العدوَّ أن يجاهدَه ، فليُكْثِر من سبحان الله و الحمد و لا إله إلا الله و الله أكبر ، فإنهن مقدِّمات و مجنِّبات و معقِّبات ، و هن الباقيات الصالحات) .

     و عند مسلم عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَسْبِيحَةً  ، وَثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَحْمِيدَةً ، وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ تَكْبِيرَةً) .

    والعجيب أنه أثناء حادث أمس الذي هزّ صنعاء بالانفجارات كان هنالك من يُطَنْطِنون في حفل تكريم الأوائل و يُمَوْسِقون عن قُرْب .. يتفاعلون وفي هذه الأيام ..  مع الموسيقى صوت الشيطان ، قال تعالى : (و استفْزِزْ من اسْتطَعْتَ منهم بصوتك) الإسراء .

     وقبل أيام جاءتني دعوة بحضور حفلٍ لتكريم حفاظ القرآن ، فاشترطت عدَم الموسيقى فكبُر عليهم الشرط ، و كأن الموسيقى ركنٌ من أركان الإسلام ، فلم يتنازلوا عنها !!.. فلم أحضُر ، و لا حول و لا قوة إلا بالله .. و هكذا فنحن في زمان الغُرْبة  .. يعتبرون اجتناب الشبهات تشَدُّدًا ، و لا يعتبرون أنفسهم مُتَشَدِّدين في الباطل !

     و في الختام يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©