أهل الجنة وأهل النار

خطبة جمعة في مسجد جامعة الإيمان في 30 شوال 1434هـ الموافق 6 سبتمبر 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  لسماع الخطبة عبر برنامج " الريل بلاير " اضغط على الرابط التالي:

http://www.ssadek.com/jomaa/ahl.mp3

    قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ، يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ، يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ . إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ، وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ، لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ، أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) الزخرف .

     جاء في تفسير ابن كثير :

     يَقُولُ تَعَالَى: هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ (إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ؟ غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ لَهَا فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُونَ كُلَّ النَّدَمِ.

     (الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) أَيْ: كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصَحَابَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَاوَةً إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهَذَا كَمَا حكى القرآن قول إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِقَوْمِهِ: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) الْعَنْكَبُوتِ .

     وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: صَارَتْ كُلُّ خلَّةٍ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.

     وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ - فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، أَحَدُهُمَا بِالْمُشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، لَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَحْبَبْتَهُ فِيَّ) .

     (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) ثُمَّ بَشَّرَهُمْ فَقَالَ: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ، وَانْقَادَتْ لِشَرْعِ اللَّهِ جَوَارِحُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ.

      قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَ يُبْعَثُونَ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إلا فزع، فينادي مناد: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فَيَرْجُوهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، قَالَ: فيتبعُها: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) ، قَالَ: فَيَيْأَسُ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ. (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ (أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ) أَيْ: نُظَرَاؤُكُمْ (تُحْبَرُونَ) أَيْ: تَنْعَمُونَ وَتَسْعَدُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ الرُّومِ.

    (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ: زَبَادِيِّ آنِيَةِ الطَّعَامِ، (وَأَكْوَابٍ) وَهِيَ: آنِيَةُ الشَّرَابِ، أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ لَا خَرَاطِيمَ لَهَا وَلَا عُرَى، (وَفِيهَا مَا تَشْهِي الأنْفُسُ) - وَقَرَأَ بعضهم: (تشتهيه الْأَنْفُسُ) - (وَتَلَذُّ الأعْيُنُ) أَيْ: طِيبَ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَحُسْنَ الْمَنْظَرِ.

     وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً وَأَسْفَلَهُمْ دَرَجَةً لَرَجُلٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، يُفْسَحُ لَهُ فِي بَصَرِهِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ فِي قُصُورٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَخِيَامٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا مَعْمُورٌ يُغدى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ صَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَيْسَ فِيهَا صَحْفَةٌ إِلَّا فِيهَا لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ ، شَهْوَتُهُ فِي آخِرِهَا كَشَهْوَتِهِ فِي أَوَّلِهَا، لَوْ نَزَلَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ لَوَسِعَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُعْطِيَ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا أُوتِيَ شَيْئًا)  .

      (وَأَنْتُمْ فِيهَا) أَيْ: فِي الْجَنَّةِ (خَالِدُونَ) أَيْ: لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا تَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا. ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ وَالِامْتِنَانِ: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أَيْ: أَعْمَالُكُمُ الصَّالِحَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِشُمُولِ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَلَكِنْ بِفَضْلٍ من الله ورحمته. وَإِنَّمَا الدَّرَجَاتُ تَفَاوُتُهَا بِحَسَبِ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ.

    وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ حَسْرَةً، فَيَقُولُ: (لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) الزُّمَرِ: وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) الْأَعْرَافِ ، لِيَكُونَ لَهُ شُكْرًا). قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَالْكَافِرُ يَرِثُ المؤمنَ منزلَه مِنَ النَّارِ، وَالْمُؤْمِنُ يَرِثُ الكافرَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ) وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)  .

     وَقَوْلُهُ: (لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) أَيْ: مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ ، (مِنْهَا تَأْكُلُونَ) أَيْ: مَهْمَا اخْتَرْتُمْ وَأَرَدْتُمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، ذَكَرَ بَعْدَهُ الفاكهة لتتم هذه النعمة والغبطة.

     ذَكَرَ تَعَالَى السُّعَدَاءِ، وثَنَّى بِالْأَشْقِيَاءِ ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أَيْ: سَاعَةً وَاحِدَةً (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أَيْ: آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) أَيْ: بِأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ جَزَاءً وِفَاقًا.

     (وَنَادَوْا يَامَالِكُ) وَهُوَ: خَازِنُ النَّارِ.  (لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) أَيْ: لِيَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا فَيُرِيحَنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) فَاطِرٍ . وَقَالَ: (وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى . الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى . ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى) الْأَعْلَى ، فَلَمَّا سَأَلُوا أَنْ يَمُوتُوا أَجَابَهُمْ مَالِكٌ، (قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَكَثَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. أَيْ: لَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ لَكُمْ عَنْهَا.

      ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ شِقْوَتِهِمْ فقال: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) أَيْ: وَلَكِنْ كَانَتْ سَجَايَاكُمْ لَا تَقْبَلُهُ ، وَتُبْغِضُ أَهْلَهُ، فَعُودُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالْمَلَامَةِ، وَانْدَمُوا حَيْثُ لَا تَنْفَعُكُمُ النَّدَامَةُ.

     ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادُوا كَيْدَ شَرٍّ فَكِدْنَاهُمْ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) النَّمْلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَتَحَيَّلُونَ فِي رَدِّ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ بِحِيَلٍ وَمَكْرٍ يَسْلُكُونَهُ، فَكَادَهُمُ اللَّهُ، وَرَدَّ وَبَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) أَيْ: سَرَّهُمْ وَعَلَانِيَتَهُمْ، (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أَيْ: نَحْنُ نَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، وَالْمَلَائِكَةُ أَيْضًا يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا. اهـ . المنقول عن ابن كثير بتصرُّف .

     جاء في تفسير الشوكاني :

    هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَيْ: هَلْ يَرْتَقِبُ هَؤُلَاءِ الْأَحْزَابُ وَيَنْتَظِرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أَيْ: فَجْأَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَيْ: لَا يَفْطَنُونَ بِذَلِكَ ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَكَذَّبُوهُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى . (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أَيِ: الْأَخِلَّاءُ فِي الدُّنْيَا الْمُتَحَابُّونَ فِيهَا يَوْمَ تَأْتِيهِمُ السَّاعَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، لِأَنَّهَا قَدِ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمُ الْعَلَائِقُ، وَاشْتَغَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ ، وَوَجَدُوا تِلْكَ الْأُمُورَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا أَخِلَّاءَ أَسْبَابًا لِلْعَذَابِ فَصَارُوا أَعْدَاءً ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُتَّقِينَ فَقَالَ : إِلَّا الْمُتَّقِينَ فَإِنَّهُمْ أَخِلَّاءُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا تِلْكَ الْخُلَّةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ .

     (يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أَيْ: يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فَيَذْهَبُ عِنْدَ ذَلِكَ خَوْفُهُمْ وَيَرْتَفِعُ حُزْنُهُمْ .. (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ)

الْمَوْصُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِعِبَادِي ، أَوْ: بَدَلًا مِنْهُ ، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ لَهُ، أَوْمَقْطُوعًا عَنْهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَدْحِ ، أَوْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ عَلَى تَقْدِيرِيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ . وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَبِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ .

     قَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا وَقَعَ الْخَوْفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ ياعِبَادِي لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا سَمِعُوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم، فَيُقَالُ: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) فَيُنَكِّسُ أهل الأوثان رؤوسهم غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ.

     قَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو يَا عِبَادِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ سَاكِنَةً وَصْلًا وَوَقْفًا، ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا فِي الْحَالَيْنِ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) الْمُرَادُ بِالْأَزْوَاجِ نِسَاؤُهُمُ الْمُؤْمِنَاتُ، وَقِيلَ: قُرَنَاؤُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقِيلَ: زَوْجَاتُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ (تُحْبَرُونَ تُكْرَمُونَ) ، وَقِيلَ: تُنَعَّمُونَ، وَقِيلَ: تَفْرَحُونَ، وَقِيلَ: تُسَرُّونَ، وَقِيلَ: تَعْجَبُونَ، وَقِيلَ: تَلَذَّذُونَ بِالسَّمَاعِ، وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ النَّاشِئَيْنِ عَنِ الْكَرَامَةِ وَالنِّعْمَةِ .

     (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) الصحاف جمع صفحة: وَهِيَ الْقَصْعَةُ الْوَاسِعَةُ الْعَرِيضَةُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: ... الصَّحْفَةُ وَهِيَ تُشْبِعُ خَمْسَةً ... وَالْمَعْنَى: أَنَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَطْعِمَةً يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِهَا فِي صحاف الذهب وَلهم فِيهَا أَشْرِبَةٌ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِهَا فِي الأَكْوابٍ وَهِيَ جَمْعُ كُوبٍ . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ. الْكُوبُ كُوزٌ لَا عُرْوَةَ لَهُ، وَالْجَمْعُ أَكْوَابٍ.

    قَالَ قَتَادَةُ: الْكُوبُ الْمُدَوَّرُ الْقَصِيرُ الْعُنُقِ الْقَصِيرُ الْعُرْوَةِ، وَالْإِبْرِيقُ الْمُسْتَطِيلُ الْعُنُقِ الطَّوِيلُ الْعُرْوَةِ.     

     (وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ (تَشْتَهِي) ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ (تَشْتَهِيهِ) بِإِثْبَاتِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَوْصُولِ ، وَالْمَعْنَى: مَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ فُنُونِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَطْلُبُهُ النَّفْسُ وَتَهْوَاهُ كَائِنًا مَا كَانَ.

     وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ مِنْ كُلِّ الْمُسْتَلَذَّاتِ الَّتِي تَسْتَلِذُّ بِهَا وَتَطْلُبُ مُشَاهَدَتَهَا، تَقُولُ لَذَّ الشَّيْءُ يَلَذُّ لَذَاذًا وَلَذَاذَةً: إِذَا وَجَدَهُ لَذِيذًا وَالْتَذَّ بِهِ ، (وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) لَا تَمُوتُونَ وَلَا تُخْرَجُونَ مِنْهَا ، (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أَيْ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذِهِ الْمَقَالَةُ : أَيْ صَارَتْ إِلَيْكُمْ كَمَا يَصِيرُ الْمِيرَاثُ إِلَى الْوَارِثِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ، وَالْجَنَّةُ صِفَتُهُ ، وَالَّتِي أُورِثْتُمُوهَا: صِفَةٌ لِلْجَنَّةِ ، وَالْخَبَرُ: (بمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون) َ، وَقِيلَ الْخَبَرُ: الْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى . (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ) الْفَاكِهَةُ مَعْرُوفَةٌ ، وَهِيَ الثِّمَارُ كُلُّهَا رَطْبُهَا وَيَابِسُهَا ، أَيْ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ سِوَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَاكِهَةٌ كَثِيرَةُ الْأَنْوَاعِ وَالْأَصْنَافِ (مِنْها تَأْكُلُونَ) ، مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوِ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَقُدِّمَ الْجَارُّ لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ.

     (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أَيْ: أَهْلَ الْإِجْرَامِ الْكُفْرِيَّةِ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِيرَادُهُمْ فِي مُقَابَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَهُمْ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَبْلَ هَذَا (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ أَبَدًا (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أَيْ: لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْعَذَابُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أَيْ: آيِسُونَ مِنَ النَّجَاةِ، وَقِيلَ: سَاكِتُونَ سُكُوتَ يَأْسٍ ، وَقَدْ مَضَى تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ فِي الْأَنْعَامِ .

     (وَما ظَلَمْناهُمْ) أَيْ: مَا عَذَّبْنَاهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَلَا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَهُ (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) لِأَنْفُسِهِمْ بِمَا فَعَلُوا مِنَ الذُّنُوبِ. (الظَّالِمِينَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، وَالضَّمِيرُ ضَمِيرُ فَصْلٍ ، وَالْجُمْلَةَ خَبَرُ كَانَ ، (وَنادَوْا يَا مالِكُ) أَيْ نَادَى الْمُجْرِمُونَ هَذَا النِّدَاءَ، وَمَالِكٌ هُوَ خَازِنُ النَّارِ. (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) بِالْمَوْتِ تَوَسَّلُوا بِمَالِكٍ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِيَسْأَلَهُ لَهُمْ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ لِيَسْتَرِيحُوا مِنَ الْعَذَابِ ، (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) أَيْ مُقِيمُونَ فِي الْعَذَابِ، قِيلَ: سَكَتَ عَنْ إِجَابَتِهِمْ ثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ أَجَابَهُمْ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَقِيلَ: سَكَتَ عَنْهُمْ أَلْفَ عَامٍ، وَقِيلَ مِائَةَ سَنَةٍ، وَقِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً .

     (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَالْمَعْنَى إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمُ الرُّسُلَ ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ، فَدَعَوْكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا، وَلَمْ تُصَدِّقُوا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ لَا يَقْبَلُونَهُ .

     وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ:كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ وَأَنْزَلَهُ في كتبه. وقيل: هو خاص بالقرآن. وقيل وَمَعْنَى أَكْثَرَكُمْ: كُلَّكُمْ ، وَقِيلَ: أَرَادَ الرُّؤَسَاءَ وَالْقَادَةَ ، وَمَنْ عَدَاهُمْ أَتْبَاعٌ لَهُمْ .

     (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أَمْ: هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ، أَيْ بل أأبرموا أَمْرًا. وَفِي ذَلِكَ انْتِقَالٌ مِنْ تَوَجُّعِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى حِكَايَةِ مَا يَقَعُ مِنْ هَؤُلَاءِ، والإبرام الْإِتْقَانُ وَالْإِحْكَامُ ، يُقَالُ أَبْرَمْتُ الشَّيْءَ أَحْكَمْتُهُ وَأَتْقَنْتُهُ، وَأَبْرَمَ الْحَبْلَ إِذَا أَحْكَمَ فَتْلَهُ، وَالْمَعْنَى بَلْ أحكموا كيدا للنبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَإِنَّا مُحْكِمُونَ لَهُمْ كَيْدًا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) .

     وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَمْ قَضَوْا أَمْرًا فَإِنَّا قَاضُونَ عَلَيْهِمْ أَمْرَنَا بِالْعَذَابِ قَالَهُ الْكَلْبِيُّ . (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) أَيْ بَلْ أَيَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ مَا يُسِرُّونَ بِهِ في أنفسهم ، أو ما يتحدثون بِهِ سِرًّا فِي مَكَانٍ خَالٍ، وَمَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، (بَلى) نَسْمَعُ ذَلِكَ وَنَعْمَلُ بِهِ (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أَيِ الْحَفَظَةُ عِنْدَهُمْ يَكْتُبُونَ جَمِيعَ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا بَلَى.

    وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ انْقَطَعْتِ الْأَرْحَامُ ، وَقَلَّتِ الْأَنْسَابُ، وَذَهَبْتِ الْأُخُوَّةُ إِلَّا الْأُخُوَّةَ فِي اللَّهِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) .

     وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَكْوَابُ الْجِرَارُ مِنَ الْفِضَّةِ . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ ، فَالْكَافِرُ يَرِثُ الْمُؤْمِنَ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ، وَالْمُؤْمِنُ يَرِثُ الْكَافِرَ مَنْزِلَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها) . وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله: (وَنادَوْا يا مالِكُ) قَالَ: يَمْكُثُ عَنْهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ يُجِيبُهُمْ (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ).

     وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: بَيْنَا ثَلَاثَةٌ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا؟ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: إِذَا جَهَرْتُمْ سَمِعَ، وَإِذَا أَسْرَرْتُمْ لَمْ يَسْمَعْ، فَنَزَلَتْ (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) الْآيَةَ.اهـ . المنقول عن الشوكاني بتصرُّف .

     بعض ما يستفاد من الآيات :

1-            الساعة قريبة وهي إلينا أقرب لأننا في آخر الزمان .

2-            التكتلات والعصبيات عاقبتها العداوات في الآخرة، وأحيانًا في الدنيا إلا أهل الإيمان.

3-            الجنة لعباد الله المؤمنين المسلمين ، أي أصحاب الإيمان والعمل الصالح .

4-            أهل الجنة مع أخِلَّائهم وقُرَنائهم الصالحين وزوجاتهم .. يرِثون بجانب منازلهم ومقاعدهم المنازل والمقاعد التي كانت ستكون للكافرين .

5-            أما المُجرمون الذين بلَغ إجرامهم إلى الكُفْر فإنهم مُخَلَّدون في النار ، و كما أن العدل عند البشر لا يُسَوِّي بين جميع المسجونين في التأبيد لاختلاف جناياتهم ، فكذلك ولِلَّهِ المثل الأعلى ، لا يخلَّد الله في النار إلا الكافرين ، والله جلّ جلاله لا يظلم مثقال ذرة .

6-            وأهل النار المُخَلَّدون ينادُون خازِن النار طالبين أن يقضي الله عليهم بالموت للتخلُّص من العذاب ، فيجيء الجواب بعد طول انتظار : إنكم ماكثون إلى الأبد .. لا موت ولا خروج .. ما أعظم التعاسة والبليّة حين يصير الموت أمنية ثم لا تتحقّق !!.

7-            أكثريّة أصحاب النار كارهون للحق ، ومع ذلك يدخل معهم النار كلُّ مَن تابعهم على الباطل ووالَاهم وناصَرَهم ولو لم يكن كارهاً للحق ، لأن المرْءَ يوم القيامة مع مَن أحبَّ ، قال تعالى : (وبَدَا لهم مِن اللهِ ما لم يكونوا يَحتَسِبُون) الزمر .

8-            و أهل النار من الكافرين والمنافقين يتآمَرون ويُبْرِمون الأمور في مُعاداة الصالحين ،كما فعلوا أخيرًا في الانقلاب الفرعوني في مصر ، وكما يفعلون في إحراق سورية وإبادة السوريين .. والله يعامِلهم بإبرامٍ وكيدٍ بالمُقابل وينتصِر لِعباده ، فلِمَن ياتُرَى العقْبَى؟!!  

     وفي الختام يقول سبحانه : (مَن عمِلَ صالِحًا فلنفْسِهِ ، ومَن أساءَ فعليها وما ربُّكَ بظلَّامٍ لِلعبيد) فصلت .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©