حكم الذبح لغير الله:

فتوى للمنتدى الفقهي

السؤال:

   ماحكم الذبح تقرباً لشخص معتدًى عليه ، أولِمَن حدث تقصيرٌ في حقه ، لكي يعفو ؟ أو من أجل إستنفار شخصٍ أو قبيلة للمؤاخاة وللنُّصْرة ؟ أو من أجل اجتناب ضَرَرِ أو شرِّ شخصٍ من الجن أوالإنس؟ أو مِن أجل استجلاب نفعٍ منه ؟ أو نحو ذلك ؟ و ما حكم الاستعداد للذبح ثم التنازل عنه من الطرف الآخر في اللحظة الأخيرة ؟

الجواب:

    الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين  .. أما بعد :

    فإن الذبح عبادة من العبادات التي لا تجوز إلا لله قال تعالى : (قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ، لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ) الأنعام 162،163 . و النُّسُك هو الذبح . و قال سبحانه : (فصلّ لربك و انحر) الكوثر2 . فدلّ ذلك على أن الذبح مثل الصلاة ، فكما لاتجوز الصلاة إلا لِله لا يجوز الذبح إلا لِله. وكما لايتقرب المسلم لشخصٍ بصلاة ركعتين فكذلك لا يتقرب له بالذبح .

   وكما أن الذبح عبادةٌ لله فهوكذلك لِغَرضِ أكل اللحم أو بيعه أو إكرام الضيف أو الاستبشار بقدوم العزيز الغائب .. و لغير ذلك من الأغراض المشروعة كالعقيقة والأضحية والهدْي .

   ويجوز في العبادات مع وجود الإخلاص و ابتغاء وجه الله إضافةُ غَرضٍ مشروعٍ أو أكثر .. فمع ابتغاء وجه الله في الحج و العمرة مثلاً يجوز أن يُضاف غَـرَض التـجارة أثناء الموسم ، و غـرَض زيارة الأقارب فـي الحرمين . وكالصلاة في الليل ابتغاء وجه الله يجوز أن يُضاف لذلك الاستعانة بالصلاة على السهر من أجل الحراسة  أو المراقبة . وكالصوم ابتغاء وجه الله يجوز أن يُضاف لذلك غرَض تخفيف وزن الجسم ، أو اكتساب بعض الفوائد الصحية .

   إلا أنه لو أضيف إلى العبادة غَرَضٌ آخر ليس مشروعاً كالتقرُّب إلى المخلوق ، أو كالرياء الذي هو الشرك الأصغر ، أو الـمَنّ أو العُجْب أو الخداع ، فإن ذلك لا يجوز ، و يكون إثماً مُفْسداً للعبادة مُحبِطاً لها .

    ومن المفسدات لعبادة الذبح بالأَولَى أن يكون الذبح من الأساس لِغرَض التقرُّب لغير الله  .. كالذي يَذبَح تقرباً للجِنّ أو للسحَرَة ، أوتقرّباً لشيخٍ أو قبيلةٍ أو ذي ولاية لكي يَسْلم من شرِّه ، أو لكي ينقذه في نظَرهِ من خطر ، أو يدفع عنه الضرَر ، أو يقف في وجه عدوّه ، ومن ذلك الذبح في المؤاخاة والتحالف ، أو يَذبَح المعتَدِي تقرُّباً للمعتدَى عليه حتى يرضى عنه ،كذبْح الهجَر للسُّوق أوللساحة أو عند بيت المعتَدَى عليه .. أو يَذبَحُ المقصِّر لكي يتغاضَى عنه صاحب الحق فلا يعاقبه و لا يضرّه ،كالذبح من الزوج المقصِّر عند أهل الزوجة ..  فهذا وأمثاله من الأغراض غير المشروعة التي مدارها على التقرب لغير الله كلُّها حرام .. قال النووي في شرح مسلم في باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعْن فاعله : (ذَكَرَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّ مَا يُذْبَح عِنْد اسْتِقْبَال السُّلْطَان تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْل بُخَارَى  بِتَحْرِيمِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى) ، ولكن إذا اختلفت ظروف الفعل والدافع و النية  تغيّرت الفتوى . وهذا ما نقله النووي بعد ذلك فقال : (قَالَ الرَّافِعِيّ : هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اِسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ ـ أي السلطان ـ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَة لِوِلَادَةِ الْمَوْلُود ، وَمِثْل هَذَا لَا يُوجِب التَّحْرِيم ، وَاللَّهُ أَعْلَم) .  و جاء في مُغْني المحتاج : (وتحرم الذبيحة إذا ذُبحت تقرباً إلى السلطان أو غيره لما مرّ ، فإن قصَد الاستبشار بقدومه فلا بأس كذبح العقيقة لِوِلادة المولود) و جاء في الروضة الندية : (قال ابن حجر المكي في الزواجر : وجعل أصحابنا مما يحرِّم الذبيحة ... أن يذبح مُسلِمٌ للكعبة أو لمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، أو تقرباً لسلطانٍ أو غـيره أو للجن.. فهذا كله يحرِّم المذبوح وهو كبيرة......قال الزمخشري :كانوا إذا اشتروا داراً أو بنَوها أواستخرجوا عيناً ذبحوا ذبيحةً خوفاً أن تصيبهم الجن فأضيفت إليهم الذبائح لذلك) . وذكر الشوكاني في نيل الأوطار : باب الذبح ... مثل كلام المكيّ و منْقُول النووي وقال : (فإن قصَد مع ذلك تعظيم غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً) .

     وسواء حصل ذبْح الحيوان أو تنازل الشخص المقصود بالتقرب فلم يحصل الذبح و أرجَع الحيوان حيّاً  ، فإن الاستعداد للتقرب قد حصل ، و يكون قد حصل به الذنب ، و هذا شبيهٌ بالذي يستعد لصلاة ركعتين تقرّباً لشخص ثم لا يصلي لسببٍ ليس راجعاً إليه ....! نسأل الله السلامة و العافية .

     وبناءً على ذلك فصُوَر الذبْح تقرُّباً لغير الله محرَّمة ، و لا يجوز أن يصدُر بها حكم أو صُلْح أو تراض ، و أقلُّ أحواله أنه كبيرة من الكبائر لأن الرسول صلى الله عليه و سلم لعَن فاعله كما في الحديث عند مسلم ، ويصل إلى درجة الكفر إذا قصد تعظيم المذبوح له .

     والبديل لذلك هو أن يلتزم الناس بالشرع فإن فيه الحلّ لكل إشكال قال تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) النحل ، وليس بالاحتكام إلى الطاغوت والذبح لغير الله ..

     فيكون  الصلْح أو الاحتكام ابتداءً  إلى الشرْع و ليس إلى الطاغوت ، و يتم ترتيب الضمانات الكافية من الجهة الرسمية أو من المحكَّم أو القائم على الصلح بأن يأخذ مثلاً ضمانات قبَلية رادعة لإخضاع الطرفين للشرْع .. ثم يكون العقاب للمعتدِي بتعزيره مثلاً بالحبس أو بالمال .. وإذا اقتضى الأمر الـقـصاص الشـرعي فما المانع منه ؟ فهو الرادع حقاً .. فالذي يلطِم شخصا مثلاً يُلطَم  على انفراد أو أمام الناس ، تماماً كما فعل في اعتدائه..  ولاشك أن فعّاليّة القصاص وأثره في حسْم القضايا وترضِية المعتدَى عليه أعظم بكثير من أثر الذبح الحرام لغير الله .. وإذا تمكّن المعتدَى عليه من القصاص فيمكن أن يحصل ترغيبٌ له بالعفو، و سوف يعفو الكثيرون عند المقدرة  .

     هذا هو حكْم الله الذي تمسَّك به المسلمون على مدار القرون و لايحتاجون إلى غيره ، و يتمسك به المسلمون الملتزمون  بدينهم اليوم في ديارنا و في غير ديارنا مِمّن آثروا حُكْم الله .. فنحتاج إلى الصدْق و العزيمة و الثبات والتمسُّك بالدين .. و لايمكن أن يقبل المسلم بحكم الطاغوت مهما كانت الضغوط والإحراجات ، فدين الله أغلى عليه من كل شيء ، و سوف يجعل الله له بالتزامه و تقواه من كل ضيق مخرجا ، و من كل عُسْرٍ يُسْراً و فرَجاً .. قال تعالى :(أفحكْم الجاهلية يبغون ، و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة 50 .

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©