تفسير ( يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ... ):

السؤال:

   ماتفسير قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتيَ التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين).

الجواب:

  هذه الآية نداء إلى بني إسرائيل ليتذكروا نعمة الله عليهم وتفضيله لهم على العالمين فيقوموا بشكر هذا النعمة باتباع الحق ودين الإسلام والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات الوارد ذكرها في  التوراة والإنجيل. وقد أنعم الله على بني إسرائيل بنعم كثيرة وذلك في عصورهم الأولى فأنجاهم من آل فرعون، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وأخرج لهم الماء من الحجر، وظلل عليهم الغمام، وآتاهم الملك العظيم والنبوة المتواصلة وغير ذلك من النعم، وقد تميَّز بنو إسرائيل بهذه النعم على سائر الناس سواء في زمانهم أو في كل زمان؛ لأن الله سبحانه لم يؤت أحد من الأمم في العالمين مثل هذه النعم مجتمعة قال تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين). وقال سبحانه مبيناً اصطفاءه لهم بهذه النعم على سائر العالمين: (ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين). ويكفيهم تميُّزاً أن الله جمع لبعض أنبيائهم بين النبوة والملك العظيم، فقد كان داود ملكاً ونبياً وكذلك ابنه سليمان. بل أعطي سليمان من الملك ما لم يُعط لأحد قبله ولن يعطى مثله لأحد من بعده استجابة لدعوته: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعد إنك أنت الوهاب). وكان مما أعطاه الله أن سخر له الريح تحت تصرفه وسخر له الجن والإنس والطير قال تعالى: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب. والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص. وآخرين مقرَّنين في الأصفاد. هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب). وقال تعالى: (وحشر لسليمان جنوده من الجن  والإنس والطير فهم يوزعون)، وعلَّمه الله لغة الطير فتحاور مع الهدهد، ولغة النمل ففهم كلام النملة كما ورد ذلك في سورة النمل. ويَّسر له الله عيناً يخرج منها النحاس مذاباً ليسهل على الصُّنَّاع لديه أن يشكلوه كما يشاءون قال تعالى: (ولسليمان الريح غدوها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر) والقطر هو النحاس.

  ولقد كثر الأنبياء في بني إسرائيل كثرةً لا نظير لها في أي أمة أخرى، واستمرت النبوة متتابعةً فيهم لعدة عصور. قال صلى الله عليه وسلم: (كانت بنوا إسرائيل تسُوسهم الأنبياءُ كلما هلك نبيٌ خَلَفَهُ نبي، وإنه لا نبي بعدي) متفق عليه. وأمام هذه النعم والتميز والاصطفاء، طلب من بني إسرائيل أن يكونوا في الشكر والعبادة وتطبيق دين الله على مستوى الاصطفاء، ولكن بني إسرائيل في بعض المراحل ثم في نهاية المطاف كفروا هذه النعم، وكثرت فيهم الانحرافات فاستحق الكافرون منهم أن يوصفوا بأقبح الأوصاف جزاءً لهم على انحدارهم من تلك القمة السامقة، قال تعالى: (قل هل أنبِّئكم بشرٍ من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، أولئك شرٌّ مكاناً وأضلُّ عن سواء السبيل). ولقد انتقلت الريادة والاصطفاء، من أمة بنى إسرائيل عندما غرقت في الكفر والعصيان إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وقال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). وهذا الاصطفاء. لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يعني عدم وجود الانحراف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالانحراف وراد، فقد قال تعالى: (فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله). ولكن الانحراف في هذه الأمة لا يصل إلى حد القضاء على مبررات الاصطفاء وفي مقدمتها القدرة على الحفاظ على الرسالة وحمل الدين علماً وعملاً, فهذه الأمة باقية فيها هذه القدرة إلى قيام الساعة، ولا تزال طائفة منها ظاهرة تحمل الحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها إلى آخر الزمان كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة قال تعالى: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون). وهذا ما افتقده بنو إسرائيل، ولذلك سلب منهم الاصطفاء، لأنهم فقدوا القدرة على الريادة والأستاذية، بل ضاع الحق من بين أيديهم وضاع الدين، لأن مادة هذا الحق ومادة الدين قد اختلطت بغيرها بسبب ما حدث من تحريفات كثيرة في التوراة ثم في الإنجيل، ولم تبق في بني إسرائيل طائفة ظاهرة تعرف الحق وتحمله. وقيض الله الطائفة الظاهرة في أمة محمد لتقوم بذلك، فلله الحمد والثناء وله المنَّة.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©