حكم من يقول : إن الشر ليس من أقدار الله:

فتاوى لإذاعة صنعاء بتاريخ 20/12/1412هـ 21/6/1992م

السؤال:

   إن بعض الناس يقولون:إذا حدث على إنسان شرٌ كانقلاب سيارة أو هلاك مال، إن ذلك ليس من قدر الله، ويقولون إن الله لا يُقدِّر إلا خيرا. فهل هذا الكلام صحيح أم باطل؟

الجواب:

   إن هذا الكلام غير صحيح. والله تبارك وتعالى هو وحده الذي يقدر الخير والشر. والإيمان بهذا من صميم أركان الإيمان، وفي الحديث الشهير المتفق عليه الذي سأل فيه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم كان من ضمن الجواب قوله عليه الصلاة والسلام: ( وتؤمن بالقدر خيره وشره). فكلا نوعي القدر: خيره وشره حكمهما واحد أنهما من الله تبارك وتعالى، لا فرق بينهما في ذلك، ولا يتم إيمان أحد حتى يؤمن بذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطئه لم يكن ليصيبه) رواه الترمذي، وهو حديث صحيح كما في (صحيح الجامع). ويقول عليه الصلاة والسلام مبيناً خطورة عدم الإيمان بالقدر على النحو المذكور: (ولو أنفقت مثل أُحدٍ ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطأك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم، وهو صحيح كما في (صحيح الجامع). ويقول صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً - أي توبة ولا فدية أو نفلاً ولا فرضاً -: عاقٌّ، ومنَّان، ومكذبٌ بالقدر) رواه الطبراني وهو حسن كما في (صحيح الجامع). إن التكذيب بأحد شقَّي القدر كما ذكرنا تكذيب بالقدر، وقد نبَّه عليه الصلاة والسلام إلى أنه سيوجد في أمته من يكذَّب بالقدر، ومن ذلك التكذيب الصورة الواردة في السؤال، وهذا من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه تكلم عن شيء في المستقبل لم يكن ليعلمه لولا تعليم الله له، قال صلى الله عليه وسلم: (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) رواه أحمد والحاكم، وذكر الألباني أنه صحيح، وذمَّ عليه الصلاة والسلام القدريَّة ذمًّا شديداً فقال:   (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أبو داود والحاكم وهو حديث حسن كما في (صحيح الجامع الصغير) والمقصود بالقدرية الذين يكذبون بالقدر، وسماهم عيه الصلاة والسلام مجوساً؛ لأنهم يُشبهون المجوس الذين يعتقدون بوجود إلهين: إلهٌ للخير وإلهٌ للشر، فالقدرية كما ذكر المناوي في (فيض القدير) يضيفون الخير إلى الله؛ والشر لغيره، وهذا يشبه إضافة المجوس للموجودات إلى إلهين أحدهما: (يزدان) ومنه الخير، والآخر: (هرمز) ومنه الشر.

    وهذا الحديث يبين بجلاء حقيقة الذين ينكرون أن الله خلق الشر؛ لأن مؤدى كلامهم هذا أن الشر من فعل خالق آخر، وهذا نوع من الشرك. والحقيقة التي لا مِرْيَة فيها أن الله سبحانه خالق كل شيء بما في ذلك الخير والشر، ومن وفقه الله للعقيدة السليمة فإنه يعتقد ذلك قال تعالى: (الله خالق كل شيء). وقال سبحانه: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا). وبالإضافة إلى الأحاديث السالفة ذكرها؛ فإن هنالك آيات عدة تدل بوضوح على أن المصائب وأقدار الشر من الله سبحانه وتعالى قال تعالى: (ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن الله). وقال جل وعلا: (قل لن يُصيبنا إلا ما كتب لنا) أي من الخير والشر، وهذه الآية جاءت عقب آية ذكرت حالتي الخير والشر، إذ كان المنافقون يستاءون إن أصابت المؤمنين حسنة، ويفرحون إذا أصابتهم مصيبة، ونصُّ الآية: (إن تصبك حسنة تسؤهم، وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل، ويتولوا وهم فرحون) فأمر الله المؤمنين أن يقولوا: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب لنا). وقد يقول قائل إن ذلك مجرد كتابة، ولكن يُردُّ عليه بأن الآيات والأحاديث أثبتت أن الله خالق كل شيء، وكما أن الحاصل في الخير كتابة وخلق، فكذلك الحال في الشر ولا فرق، وقد قال تعالى في الشر بالذات والابتلاء به، وأن ذلك من فعله وخلقه، قال: (ولنبلونكم  بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشِّر الصابرين). وقال: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، وردَّ على من فرق بين الحالين بآية صريحة بحيث قال جل وعلا: (وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند الله، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك. قل كلٌ من عند الله - أي الحسنات والسيئات والخير والشر - فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) وجاءت الآية التالية لهذه الآية لتبين أنه وإن كان خلقُ السيئة والشر من الله إلا أن سبب السيئة والشر الذي ينزل بالإنسان قد يكون من الإنسان، فيخلق الله الشر عقاباً، أو تكفيراً، قال تعالى: (ما أصابك من حسنةٍ فمن الله (أي بفضله وتوفيقه) وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك (أي بسبب ذنبك))، ويؤكد ذلك الآية الأخرى حيث يقول سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير). وبهذا يُجمَعُ بين النصوص الواردة في هذا الباب كما قال العلماء. وأما ما ورد من الأدلة التي تدل على أن الشر لا ينسب إلى الله كما في الحديث الذي رواه مسلم وغيره وفيه (والشر ليس إليك). فالمقصود من ذلك أن ما يخلقه الله لا يمكن أن يكون شراً في حقيقة الأمر، وإنما هو خير بالمعنى العام، وإن كان شراً نسبياً، أي بالنسبة لمن وقع عليه؛ وذلك لأن أفعال الله تجري على منتهى الحكمة، فالنكبة عندما تقع على شخص هي شر بالنسبة له، وهي من خلق الله ، ولكنها خير بالمعنى العام، إذ قد تكون عقاباً لمجرم أو كافر أو تكفيراً لذنب مسيء، أو حكمة أخرى كالابتلاء فمن أجل ذلك، وتأدُّباً مع الله فلا يُنسب إليه الشر بالمعنى المطلق، أما مع بيان المعنى النسبي فلا ما نع من ذلك كما هو ظاهر من قوله تعالى: (قل كلٌ من عند الله) والآية التي بعدها. وكذا في النصوص المشابهة، وأعمال الإنسان خيرها وشرها كذلك تنطبق عليها الآية هذه التي بعدها، والآيات والأحاديث السابقة، فما عمله الإنسان من حسنة فمن فضل الله وتوفيقه (والذين اهتدوا زادهم هدى) وما عمله من سيئة فهو عقاب له: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)،  وكلا النوعين من خلق الله ولايمكن أن يكون الإنسان خالقا مع الله الذي هو خالق كل شيء إنما يؤاخذ الإنسان على أعماله بسب ماخلق الله له من إرادة يختار بها الأعمال دون أن يشعر أدنى شعور أن هنالك قوة تُسيِّره عند العمل، قال تعالى: (وهديناه النجدين). وهذا من عجيب صنع الله أن يتناسق خلق الله للأعمال , (والله خلقكم وما تعملون) , (... كل صانع وصنعته) مع خلقه للإرادة على نحو تتحيَّر عنده الأفهام، وكذا مشيئة الله مع مشيئة الإنسان: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©