حكم سبّ  بعض الصحابة رضي الله عنهم:

فتاوى لإذاعة صنعاء بتاريخ16/12/1412هـ الموفق 17/6/1992م

السؤال:

 ماحكم سب بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أنهم خالفوا أوامر رسول الله بعد موته؟

السائل: سلمان جبران الوالي. محافظة صعدة

 

الجواب:

 لا يجوز سب المسلم العادي بغير مبرر شرعي فضلاً عن الصحابي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه. وللصحابة مكانة خاصة لأنهم كانوا السبب في تلقي الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه كتاباً وسنةً وتطبيقه ونشره بين الناس، والجهاد في سبيله. وكل الذين دخلوا في دين الله بعد الصحابة، للصحابة مثل أجورهم لأن الدال على الخير كفاعله كما هو معلوم. وقد بين الله سبحانه الموقف الشرعي للمؤمنين الذين جاءوا بعد جيل الصحابة تجاه جيل الصحابة، وأن هذا الموقف يتمثل في الدعاء لهم، والاعتراف لهم بالأسبقية والفضل،وسؤال الله أن لا يجعل في القلوب أو النفوس أي غل أو حزازة نحوهم ونحو سائر المؤمنين، قال تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم). ونظراً لأن الصحابة كانوا السبب في هداية وتعليم من بعدهم، وحفظ الدين للأجيال اللاحقة إلى يوم القيامة فإن أجورهم عظيمة جداً، ولا تعد شيئاً بجانب ما حصل من بعضهم من أخطاء عن حسن نية وسلامة قصد واجتهاد، ومن اجتهد منهم فأخطأ فله أجر كما هو معلوم من الحديث الصحيح، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه) أي نصف مده.. متفق عليه . ويقول عليه الصلاة والسلام: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني، وهو حديث حسن كما في (صحيح الجامع الصغير). وإذا كان الصحابة السابقون إسلاماً أفضل من المتأخرين منهم إسلاماً، ومن أسلم قبل الفتح أفضل ممن أسلم بعد الفتح؛ فإن الجميع قد وعدهم الله الحسنى وهي الجنة قال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى). وما دام الجميع قد وعدهم الله الجنة التي لن يدخلوها إلا بعد موتهم، فمعنى ذلك أنهم سيموتون على الإيمان والطاعة، ولن تقع منهم مخالفات مقصودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد علم الله منهم ذلك؛ لأنه سبحانه يعلم المستقبل كالحاضر، ولذلك وعدهم الجنة، وأما ما شجر  بينهم من خلاف بعد وفاة الرسول فذلك مرده كما أشرنا إلى الاجتهاد عن حسن نية لا عن هوىً ومزاجية، ومن أصاب فله أجران، ومن أخطاء فخطأه مغفور وله أجر، وقد وصف الله سبحانه الصحابة بأن الإيمان محبب إليهم، وأن الكفر والفسوق والعصيان أمورٌ مكروهة إليهم قال تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ). فكيف يجوز أن يقال بعد ذلك أن الصحابة عصوا الرسول وفسقوا بعد موته. إن الذي يقول هذا الكلام إنما يصادم صريح القرآن ولا يستحق أن يلتفت إليه، وكذلك الذين يتخذون من أنفسهم حكاماً وقضاة بين صحابة رسول الله بعد 14قرناً في وقائع لم يشهدوا حقيقتها ولا اطلعوا على نيات أصحابها، ثم يحكمون على هذا بالفسق وعلى ذاك بالمروق، فهؤلاء بهذه الأحكام يصادمون شهادة الله في محكم كتابه لهؤلاء الصحابة شعروا أم لم يشعروا، وأسلمُ مَسْلكٍ هو حسن الظن بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والثناء عليهم تبعاً لثناء القرآن الكريم  والسنة عليهم، والإمساك عن الخوض في تفاصيل ما جرى بينهم، وعن بناء أحكام على ذلك. وهذه هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأجيال اللاحقة حيث قال: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا...) رواه الطبراني وغيره وهو حديث صحيح كما في (صحيح الجامع).

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©