التداول السلمي للسلطة:

السؤال:

س: التداول السلمي للسلطة مصطلح نسمعه كثيراً من بعض الأحزاب السياسية ذات التوجهات الاشتراكية

   والقومية و... كما نسمعه من بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي، فماذا يعني هذا المصطلح؟

مع الأخذ في الاعتبار تصريح تلك الأحزاب الإسلامية أنها تسلّم لأي حزب يصعد للسلطة اشتراكياً أو

 نصرانياً أو... الخ ؟    سائل .

الجواب:

التداول السلمي للسلطة مصطلح من مصطلحات الديمقراطية، وهو معمول به في الدول الغربية والدول التي

 على شاكلتها ،بحيث من حاز الأغلبية يتولى السلطة ثم يتركها إن فقد الأغلبية وحازها غيره، فيتم التداول

 للسلطة سلمياً بواسطة الانتخابات، وهذا التداول يحصل حيث توجد التعددية الفكرية والعقدية التي هي

 أيضاً إحدى أبْنِيَةِ الديمقراطية .   ولأن الغرب ومن على شاكلته يدينون بالعلمانية، فإن الديمقراطية القائمة

 على التعددية العلمانية وعلى التداول تزدهر عندهم، فمرةً يحكم عندهم محافظون يؤمنون بمبادئ معينة، ومرة

 يحكم عندهم متحررون يؤمنون بعكس تلك المبادئ.

وقد حاولت الأحزاب والأنظمة في ديار المسلمين استيراد الديمقراطية مع مكوناتها كالانتخابات والتعددية

 والتداول والعلمانية فلم تنجح في ديار المسلمين، وبقيت مجرد شعارات، فالهند وباكستان على سبيل المثال

 ظروفهما وتاريخهما واحد، ونجحت الديمقراطية في الهند بمكوناتها ولم تنجح في الباكستان، والدول التي

 كانت في ظل الاتحاد السوفيتي نجحت الديمقراطية في الدول غير الإسلامية منها مثل أوكرانيا وليتوانيا

 واستونيا ولاتفيا وملدافيا ، وفشلت في بلاد المسلمين مثل أوزبكستان، وكزخستان وتركمانستان،

 وطاجكستان وقرغيزستان ، ونجحت فيها الديكتاتورية والملك الجبري، لأنهم يعلمون أنه لو وصل صالحون

 إلى السلطة ما تركوا بعد ذلك لغير الصالحين فرصة الوصول، ولذلك بقيت الديمقراطية مزوّرة في ديار

 المسلمين في بعض مفرداتها  بما في ذلك التداول، ولم تنجح إلا في الدول التي صارت فيها أنظمة الحكم موغلة

 في العلمانية، ولا أذكر إلا مثلاً واحداً أظن أنه لا يوجد سواه هو دولة تركيا التي بالغت في العلمانية لدرجة

 أن الإسلاميين فيها أصبحوا يحكمون بالعلمانية.

إن الديمقراطية كما ذكرنا بتداولها لا يمكن أن تقوم إلا مع العلمانية، أما النظام الإسلامي وهو نظامُ شورى

 أهلِ الحل والعقد فهو يخالف الديمقراطية، فليس فيه تعددية تداولية؛ لأن الإسلام منهجه العقدي واحد،

 والخلافات التي في الفروع لا يمكن تسميتها تعددية سياسية إضافة إلى أن المذاهب الأربعة مع المذهب

 الظاهري، وهم الذين يعتبرون أهل السنة والجماعة مرجعيتهم جميعاً واحدة هي الكتاب والسنة والإجماع

 والقياس،  والمجتمع المسلم مجتمع واحد متماسك كالجسد لا يقبل التباين، وعند الخلاف الفرعي فإن اجتهاد

 ولي الأمرــ إذا رغب في اختيار اجتهاد معين ــ فإن اختياره يكون هو المعمول به ويجب عليه مشاورة

 أهل الحل والعقد الذين يفرضهم علمهم وثقلهم في المجتمع، فانتفتْ بذلك التعددية، وانتفى بذلك مبرر

 التداول.    ولذلك كان الخليفة على مدى القرون الإسلامية يبقى مدى حياته، ويتم تقديم النصائح له عندما

 تقع مخالفات ، و لا يكون الخروج عليه إلا في حال الكفر البواح؛ وهذا الخروج ليس تداولاً، وإنما إعادةٌ

 للحق إلى نصابه .    والأصل في اختيار الخليفة إذا كان موقعه شاغرًا بموت أو جنون أو أسْرٍ بلا أمل قريب

 في إطلاقه،  أ ن يكون الاختيار من أهل الحل والعقد ، وهم كبار العلماء والوجاهات الذين يفرزهم المجتمع

 تلقائيا، فيفرضهم ثقلهم  .فإذا تجاهل متغلّب أهل الحل والعقد فنصب نفسه حاكماً واستقر له الأمر فهوآثمٌ

 بتجاهلهم، ولكن طاعته واجبةصيانة ًللمجتمع من الصراع وسفك الدماء، ما دام المتغلّب لم يظهر منه الكفر

 البواح ، بمعنى أنه لم يغيّر المنهج الإسلامي . وهذه الطريقةبيّنتها النصوص وكتب الفقه على مدى القرون

واستمر عليها واقع المسلمين ... وهي الطريقة الفطرية ، لأنها تكفل الولاية للأقوى سواء بالاختيار أم بالتغلّب

 ، والدولة الإسلامية الأفضل لها الحاكم الأقوى دائما ما دام في دائرة الإسلام بأي طريقةٍ وصل، وإثمه على

 نفسه لو أساء، وقُوَّتُه للمسلمين ، فيكون الحكم عند المسلمين للأقوى بالفرز الفطري .  وقد ابتلي المسلمون

 بالحكم العضوض والحكم الجبري بسبب ذلك ،إلا أن الإيجابيات في الجملة كانت أكثر بكثير من السلبيات

 وأقام المسلمون في ظل ذلك حضارتهم التي بهرتْ العالم ،وقد أخبر النبي ^ بذلك و بالملك العضوض والملك

 الجبري وأمر بالسمع والطاعة للحاكم ما لم يكن أمرٌ بمعصية ولم يكن كفرٌ بواح، وشجع على النهي عن

 المنكر، وجعل أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، وحرّم الخروج ، فأوجد بذلك الضمانات

 والتوازن  . وفي هذه النصوص ،وفي الإخبار بذلك معجزات له ^ يدرك أبعادها أولو الألباب .    والشورى

 في الإسلام واجبة على الحاكم فإن فرط فيها فهو آثم و تجب مناصحته ،وهو الذي يختار أهل شوراه أو

 يسمح للناس بالاختيار بضوابط شرعية وليست ديمقراطية  .  وفي حال الكفر البواح يجب الخروج عليه

 بالجهاد ، وعند عدم الاستطاعة يجب الإعداد لذلك  . والحاكم في الإسلام  بالنسبة للمجتمع كالقلب

 بالنسبة للجسد  ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام شبّه المؤمنين بالجسد، وكما أنه لايُعقل التفكير بتبديل

 القلب إلا في حال التلف التام ، فكذلك لا يُعقل التفكير بتبديل الحاكم إلا في حال الكفر الواضح ، كما أن

 الحاكم شبيه بإمام الصلاة أثناء الصلاة وشبيه برب الأسرة في القوامة ، يعطَى كل منهما صلاحيات واسعة ،

 ولا سَماحَ بالخروج عليهما ولا على الحاكم إلا في ظرْف مشدَّد ،   فلا نتنازل عن أحكام ديننا ،وأ نظمتنا

 الفريدة المحْكمة  للأهواء الديمقراطية الوضعية المستوردة  ، ولا لنزَوات الطامحين...( ثم جعلناك على شريعةٍ

 من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) .

وبالله التوفيق...

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©