مقابلة صحيفة الجمهورية مع الشيخ : محمد الصادق

أجراها الصحفي ثابت الأحمدي ونشرت بتاريخ 5 رجب 1433هـ الموافق 26 مايو 2012م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

كتاب الخلافة القادمة و الاعتماد على النصوص و الإعجاز العددي:

     س : مؤخرا أصدر الشيخ محمد الصادق كتابا بعنوان الخلافة القادمة.. نبذة موجزة عن الكتاب؟
     ج
: هذا الكتاب عبارة عن محاولة لاستقراء الأحداث والنصوص والوصول من خلال ذلك إلى التفاؤل بأن دولة الإسلام العالمية الكبرى قادمة، وقد كان استقراء النصوص بعد حشد الآيات و الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن ذلك ومعرفة بعض الإعجاز العددي فيها..  هناك أنواع من الإعجاز في القرآن الكريم وفي السنة، ومن ذلك الإعجاز العلمي الذي اشتهر وعرفه الناس ، وأيضا هناك الإعجاز العددي وهو أقل شهرة منه ، ومن خلال استقراء بعض نصوص أشراط الساعة ومحاولة معرفة ما فيها من إعجاز عددي  كان استخراج ما نظنه أنه تواريخ أحداث في سنوات قادمة سوف تعود و تستمر عندها إن شاء الله الخلافة .

 والعملية هي استقراءٌ كما قلنا ولا نستطيع أن نجزم لأنها قضية مستقبلية والغيب لا يعلمه إلا الله ، لكن كثرة الأرقام التي توصلنا إليها نظن أنها لِسنوات، لأننا وجدنا أرقاما في بعض النصوص  وكأنها تواريخ ميلادية وأخرى و كأنها تواريخ هجرية !! وإذا أتينا إلى القانون الحسابي الذي بموجبه يتم التحويل من تاريخ ميلادي إلى هجري و العكس نجد توافقا بين التواريخ الميلادية الحاصلة من الإعجاز العددي و التواريخ الهجرية الحاصلة من الإعجاز العددي أيضا ..   فهذه ظاهرة ملفتة .. وكلما استطاع الإنسان أن يجمع شواهد من هذه التواريخ أكثر كان ذلك دليلا على أن ذلك الإعجاز حقيقة من الحقائق .. أنا حشدت ما استطعت أن أحشد من الشواهد لأكثر من عشرين سنة قادمة  وكانت النتيجة التفاؤل بأن هذه الأرقام تزمينٌ للأحداث كما يبدو و الله أعلم كما سيطلع القارئ على الكتاب .. وكلامي هنا لا يغني عن الكتاب الذي يوضّح ذلك أكثر.

     س : لماذا بالضرورة الخلافة الإسلامية التي تشير إليها ؟

    ج : طبعا المسلمون سقطت خلافتهم الإسلامية وقد تآمر اليهود والغرب عليها قبل تسعين سنة ، وكان فيها بعض السلبيات إلا أنها كانت مظلة تجمعهم تحتها، كان تحتها الشعوب الإسلامية ، تآمر عليها الغرب تآمرات كثيرة ثم أسقطوها بعد أن سموها الرجل المريض، فلما أسقطوها تقاسموا الشعوب التي كانت تتبعها وتحت ولايتها فاستعمروها، فثار الناس عليهم وطردوهم، وبعد أن خرج الغربيون صنعوا للمسلمين حكاما وصارت بلاد المسلمين مقسمة إلى سبعة وخمسين دولة وهذا أمر لا يقره الإسلام، لأن الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا دولة واحدة، والله تعالى يقول:  "إنما المؤمنون إخوة" الحجرات ، وأيضا يقول: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" آل عمران . والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد" متفق عليه ، فهم جسد واحد ، والجسد له رأس واحد ، هي الدولة الإسلامية ..هي  دولة الخلافة !! ..

    الأصل أن يكون المسلمون دولة واحدة  ..مثل الدول الأخرى، أمريكا مثلاً هي اثنتان وخمسون ولاية ، لكنها دولة واحدة برأس واحد ، أوربا مؤخرا شكلت الاتحاد الأوربي من بضع وعشرين دولة ، روسيا عبارة عن ولايات كثيرة سميت الاتحاد الروسي، الصين كذلك ولايات عديدة في كيان واحد، الهند ولايات عديدة في كيان واحد، المكسيك ولايات عديدة في كيان واحد، البرازيل .. الأمم الأخرى متكتلة !! فليس حراما على المسلمين أن يتجمعوا مثلهم ، بل إن الإسلام يفرض هذا على الأمة الإسلامية فرضا، إن المسلمين اليوم بصحوتهم الإسلامية في طريقهم إن شاء الله إلى أن يستعيدوا هذا الكيان الواحد..

     مفهوم الخلافة :

     س : ما مفهوم الخلافة لديك؟

     ج : أن توجد دولة واحدة ترأسها إدارة واحدة للمسلمين تحكمهم بشريعة الله .

     س : هل من المعقول أن تصير كل الدول الإسلامية اليوم على هذا النحو برئيس واحد؟

     ج : نعم.  فإذا كانت الدول الكبرى كذلك ويرأسها كلاًّ منها رأس واحد فإن دولة الإسلام من باب أولى .

    س : ألا يخالف ذلك منطق الواقع اليوم؟

    ج : كيف استطاع الأوربيون أن يتوحدوا في الاتحاد الأوربي اليوم؟ إذا أخذ المسافر تأشيرة من أية دولة من دول أوربا يستطيع أن يتجول في دول الاتحاد  جميعا، ألسنا نحن أولى؟ عندنا من مقومات الاتحاد أكثر مما عند الآخرين.

     س : قلت إن الخلافة قادمة كيف عرفت ذلك؟

    ج : من خلال الواقع .. كما قلنا إن المسلمين فيهم صحوة، وقد زال عنهم في عدد من البلدان بفضل الله خلال العام الماضي عددٌ من الحكام الجبريين  الذين كانوا أيادي للقوى الغربية التي تريدنا أن نبقى جسدا ممزقا، و هناك تطلّعٌ الآن إلى الاتحاد والاجتماع في هذه البلدان ، تونس و ليبيا ومصر و السودان و غزة قطعة جغرافية واحدة ، و ما بينها وبين تركية إلا عرض البحر المتوسط ، و سورية في الطريق وأفغانستان .. وأظن أن التغيير قادمٌ في بقية البلدان الإسلامية ، و التقارير الغربية و الروسية و غيرها تتوقع أن دولة إسلامية عالمية ربما تولد بعد 2020م .

    س : ما هي المرجعية الدستورية التي ستحتكم إليها هذه الدولة؟

    ج : المرجعية التي ستحتكم إليها هذه الدولة القادمة إن شاء الله هي نفسها التي كانت تحتكم إليها الدولة الإسلامية في الماضي، الكتاب والسنة ، دولة الخلافة  الراشدة كان مرجعها الكتاب والسنة و كذلك دولة الأمويين ، و كذلك دولة العباسيين ، و كذلك دولة المماليك  وكذلك دولة العثمانيين .. الكتاب والسنة كانا مرجعنا طوال أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ، وما كان مرجعا لنا في الماضي سيكون مرجعا لنا في الحاضر والمستقبل إن شاء الله .

    س : قد يقول قائل هذا كلام عام .. ومبدئيا متفقون جميعا على مرجعية الكتاب والسنة لكن تبقى التفاصيل مهمة في مسألة الدساتير والقوانين؟

    ج : كلام عام ، صحيح  ، ولكنه قد طُبِّق في الواقع، و انبثقت عنه أنظمة و ترتيبات (لوائح) حكمت الدولة الإسلامية الكبرى مترامية الأطراف و أقامت أعظم حضارة .. وتطبيقه في الواقع دليل على أنه عملي، وعلى أنه يصلح للحاضر و المستقبل ، وإن غاب نحو تسعين سنة في هذا العصر ليس معناه أنه قد ألغي .

     الجسد الإسلامي يمرض و لا يموت :

     س : ألا ترى أنه خلال المراحل التي ذكرتها لم نعرف الدولة بمعناها الصحيح ، فقد حكمتنا في النهاية أسَرٌ، أسرة بني أمية وأسرة بني العباس وأسرة العثمانيين، أين الدولة المؤسسية؟

    ج : هذه الدول صحيح أن فيها بعض السلبيات ، والرسول عليه الصلاة و السلام  قد شبه المسلمين بالجسد الواحد، هل يوجد جسد ليس فيه أمراض، قد يكون فيه الصداع وقد يكون فيه الزكام، قد يكون فيه بعض الإعاقات لبعض الأعضاء ولكنه في النهاية جسد يعيش، ولا يكاد يوجد كائن إلا وفيه شيء من هذه الأمراض، ولكنه يمارس حياته، وهكذا هي الدولة الإسلامية، قد يوجد بعض الاستبداد، قد يوجد بعض الظلم، قد تُوجد بعض الأثَرة، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سَرَد مراحل الأمة الإسلامية فقال كما في الحديث الذي رواه أحمد : إنها في البداية نبوة ثم خلافة على منهاج النبوة ثم مُلْك عضوض وهو أن تعض أسرة على السلطة بحيث يصبح الحكام من أسرة واحدة ، ثم مُلْك جبري ، ثم خلافة على منهاج النبوة من جديد ، و المُلْك الجبري هو الحاصل اليوم وهو الحكم العسكري الذي قَسَّم الأمة الإسلامية ! كان الجسد في الغالب و الجملة مجتمعاً في المراحل السابقة إلا حين حكمنا العسكريون مزّقونا إلى سبع وخمسين دولة .. الكيان الإسلامي موجود وهو يعيش رغم هذه السلبيات .

     وأنت إذا نظرت إلى الأمم الأخرى كالولايات المتحدة مثلا ترى لها سلبيات كثيرة كدولة ، لكنها في الجملة قائمة كجسد، ومثلها أوربا , والصين فيها استبداد عنيف ولكنها دولة قائمة، و كذلك روسيا .. طبعا لا توجد عندنا السلبيات الكبيرة الموجودة في الصين أو روسيا أو غيرها .. يكفي أن عندهم الكفر ، و الاختلالات الأخلاقية ...

    في الدول الإسلامية في المراحل السابقة كانت الشريعة تطبَّق وكانت الفتوحات مستمرة . و فُتِح شمال أفريقيا والأندلس والهند والسند في أيام الدولة الأموية، و فُتِحتْ جهات في آسيا و عمورية من بلاد الروم في أيام الدولة  العباسية ، و في أيام العثمانيين فتحتْ القسطنطينية وبلاد كثيرة من أوربا مثل بلغارية و المجر و رومانية و ألبانية والبوسنة ...

    س : هل كانت هذه الدول تمثل الإسلام الصحيح؟

    ج : كانت تمثل الإسلام في الجملة مع وجود بعض السلبيات التي يبتلي الله بها الناس، وعندنا في الإسلام أعظم نعمة بعد الإيمان هي الأمر بالمعروف والنهي عن ا لمنكر، يقول تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" آل عمران .. فالأمة الإسلامية حيّة بأفرادها الذين يمارسون النصيحة و الترميم المستمر و الصيانة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

     الإعجاز في الحروف الأبجدية :

     س : نعود إلى كتابك "الخلافة القادمة" بنيت تلك الأرقام على الأبجدية المعروفة، أولا لماذا الأبجدية دون الهجائية؟

    ج : الحروف الأبجدية هي مجموعات قديمة للحروف وهي كما ذكر الأستاذ بسام جرار (الفلسطيني الذي كان من الذين نفاهم اليهود إلى مرْج الزهور) وهو رائد من رواد الإعجاز العددي وله موقع نون على الانترنت ، ذكر أن الحروف الأبجدية  مشتركة بين عدد من اللغات التي نشأت في الشرق الأوسط الذي هو مهبط الديانات وهو يظن أن لها أصلا سماويا ، لأن الله تعالى يقول: "الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم" القلم ..   يقول: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت .. يقول إلى هنا هذه المجموعات بهذا الترتيب مشتركة بيننا وبين العِبْرية، و زادت في العربية مجموعتان هما ثخذ ، ضظغ ..

     ويقول: بين العِبْرية و العريبة والإنجليزية مثلا اشتراك : أبجد أولها ألف وباء و في الإنجليزية أولها: a. b.  وأيضا مجموعة : كلمن، يقابلها في الإنجليزية نفس الترتيب: k.l.m.n. ، أيضا مجموعة  قرشت، يقابلها في الإنجليزية نفس الترتيب: q.r.s.t.  ، ألا يدل هذا على أن أصل مجموعات الحروف كلها واحد مشترك ؟ وكونها مشتركة فمعنى ذلك أن لها أصلا سماويا. فترتيبها ملفت بهذا الشكل، وكذا  الترتيب في أرقامها من واحد إلى ألْف.   ويذكر الأستاذ بسام جرار أيضا أنه قد حصلتْ تطبيقات في التاريخ الإسلامي ومن قبل عند العِبريين عندما كانوا يؤرخون بهذه الحروف ، لأنه عندما يصعب حفظ الأرقام ، يأتي المؤرِّخ بالبديل و هو جملة أو عبارة ، ويستطيع بها أن يحفظ التاريخ بحساب المجموع العددي لحروف الجملة أو العبارة ..

     و كما حدث اكتشاف الإعجاز العلمي في نصوص الكتاب و السنة في هذا العصر حدث أيضا اكتشاف الإعجاز العددي في الكتاب والسنة .. فمثلا المجموع العددي لحروف آية  أو حروف عبارة من حديث ، تَجْمَعُه فيدلُّك على رقم من الأرقام ، هذا الرقم ربما كان هو تاريخ  الحدَث الذي ذكَرَتْه الآية أو ذكَرَه الحديث، و الاكتشافات المتعددة في ذلك لفتَت النظر ، وظَهَر بها أن هذا نوعٌ من الإعجاز العددي.

     خلافة المهدي و الأرقام ، و الخلاف حول المهدي :

    س :  أنت تكلمت عن خلافة المهدي في كتابك وقِسْتَ ذلك إلى الأرقام؟

    ج : نحن نؤمن بالغيب كما ذكر القرآن، نؤمن بالله مثلاً ولم نَرَهُ ، لكن عندنا أدلة عن الله بعدد المخلوقات ، كذلك نؤمن باليوم الآخر لأدلة كثيرة ، ونؤمن بالملائكة ، ونؤمن بالجن، و كل ذلك من الغيب ، و المستقبل من الغيب ،  والمستقبل في الدنيا هو أقرب إلينا من المستقبل في الآخرة، فما دمنا نؤمن بمستقبل الآخرة فكذلك نؤمن بأحداث مستقبل الدنيا و بعضها نُدْرِكها في حياتنا . والعبرة هنا بالنصوص لأن القضايا الغيبية  لا يعرفها الإنسان من تلقاء نفسه ..   فمثلا كما قلنا من قبل  ذكَر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها ستكون خلافة على منهاج النبوة ثم حصلتْ، وذكَر أنه سيكون ملك عَضُوض بعد تلك الخلافة فحصل ، وذكَر أنه سيكون ملك جبري بعد العَضُوض فحصل و نحن نُعَاصِرُه ، فهذه المراحل كلها قد حصلتْ، وبقيت المرحلة الأخيرة، وهي خلافة على منهج النبوة ، فما دام أنه قد حصل ما مضى، فإن ذلك دليل على أنه سَيَحْصُل الباقي .. فلو قال لك شخص ما: سيحضر صالح ومحمد وعلي ، وأحمد ، ثم حضر الثلاثة الأوائل ولم يبق إلا الأخير ألا تصدق بحضوره؟ الدليل قوي .. فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر لنا هذه المراحل ويمكن الرجوع إلى كتب الحديث التي ذَكَرَتْها .

    و الأرقام التي أوردتُها مأخوذة من المجموعات العددية لبعض النصوص التي ذكَرتْ أحداث خلافة المهدي ، و قد أوردتُ من القرائن ما يُرَجِّح أنها لعلّها تواريخ لسنوات تلك الأحداث  وكذلك تواريخ الأحداث التي  بعد الخلافة مباشرة ، ويتجلى الإعجاز في كونها أرقاما من النصوص نفسها التي ذكَرتْ تلك الأحداث .

    س : مسألة المهدي مسألة جدلية عند الفقهاء قديما وحديثا، أولا لم يَرِدْ ذكره في القرآن الكريم وكذا لم يذكره لا البخاري ولا مسلم، ثم إن بعضا من الفقهاء ينكر عودته من الأساس أولهم ابن خلدون في المقدمة، ثم العلامة رشيد رضا والعلامة الدكتور طه جابر العلواني وهما معاصران وغيرهم؟

   ج : في البخاري ومسلم أحاديث تشير إلى المهدي كما ذَكَرْتُ ذلك في الكتاب، والأحاديث الصحيحة لا تقتصر على البخاري ومسلم فقط، وإنما هناك أحاديث صحيحة في بقية كتب السنة عن المهدي ، وقد جمعها العلماء قديما وحديثا فوجدوها متواترة تواتراً مَعْنَوِيًّا و هذه قمَّةُ الصحة لأن الكذب مستحيل في المتواتر. وفي هذه الأحاديث ذِكْرُ المهدي و الأحداث في أيام المهدي ، و ذكْرُ نزول عيسى في آخر أيام المهدي، وذكْر خروج الدجال آخر أيام المهدي ، وذِكْرالجيش الذي يغزو الكعبة أيام المهدي، وذكْر الملحمة الكبرى، والملحمة مذكورة عندنا وعند أهل الكتاب، ويُسَمُّونها معركة هرمجدُّون، و هم أيضا يؤمنون بنزول المسيح ، هنالك غيبيات مشتركة بيننا وبينهم.

     س : قلت لك سابقا القرآن الكريم لم يشر إليه لا من قريب ولا من بعيد، وكذا أصح كتابين من السنة بعده، ألا يدل ذلك على أن في كلام من أنكره ما يستحق الوقوف عنده؟

    ج : القرآن الكريم أشار إلى  تمكين الأمة، يقول الله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم بعد خوفهم أمنا) فهذا وعد من الله بأن هذه الأمة سوف تتمكن، وهي أمة آخر الزمان، ونحن الآن في آخر الزمان والتمكين سيكون في آخر الزمان ، و في البخاري و مسلم إشارة للمهدي كما سبق .

     س : طيب ما وجه الدلالة هنا فيما نتكلم عنه؟ أين الإشارة إلى المهدي؟

     ج : أدلة القرآن في الغالب عامة ، ألم يأمرْنا القرآن بالصلاة و الزكاة و الصيام و غيرها؟ أين مثلاً تفاصيل الصلاة و الزكاة و الصيام ؟ أحالها القرآن على السُّنة؟ فكذلك وعدَنا القرآن وعدا عاما بالتمكين ، والتفاصيل في السنة ، وهكذا الكثير مما يذكره القرآن تفاصيله في السنة.. و القرآن ذكَر نزول عيسى مثلاً عند قوله تعالى عنه : (و إنهُ لَعِلْمٌ للساعة) الزخرف . و في قوله تعالى عنه: (و يكلِّم الناس في المهد و كهْلاً) آل عمران . و كُهولته كما قال بعضهم إنما هي عند نزوله لأنه رُفِعَ شابًّا .

     س : بِمَ نردُّ إذن على العلماء ـ وهم علماء معتبرون ـ ممن قالوا بعدم وجود مهدي منتظر؟

     ج : نصوص الحديث لها علماؤها، ابن خلدون تخصُّصه في التاريخ وهو مرجع في التاريخ.. محمد رشيد رضا ، رجل مفكِّر مُفَسِّر وتخصصه في الجانب الفكري و التفسير .. طه جابر العلواني تخصُّصه في أصول الفقه ،  لكن الأحاديث  لها رجالها وهم العلماء في الحديث و الجرح والتعديل و مصطلح الحديث ، هؤلاء هم المتخصصون و هم يُثبتون هذه الروايات بأدلة علمية منطقية .. والعالم كله يشهد لعلماء الحديث بأن عندهم معايير منضبطة جدا وموثوقة..   وكما نرجع في النحو لعالم النحو ونرجع في الأدب والشعر إلى العالم في الأدب والشعر، ونرجع في الهندسة إلى علماء الهندسة، وفي الطب إلى علماء الطب، كذلك في الأحاديث نرجع إلى أهل الحديث، هؤلاء هم المرجعية هنا.. لا نرجع إلى ابن خلدون ولا إلى العلواني .. وكما قلت لك فإن الأحداث الماضية التي وقعتْ والتي ورد ذكرها في الأحاديث  ..  فإن وقوعها دليلٌ ظاهر على وقوع ما بَقِيَ من الأحداث إن شاء الله .

     حادثة جهيمان  و ثورة الخميني من خلال الإعجاز العددي ، و كذا الإشارة للرئيس السوفيتي ميخائِل جورباتشوف:

    س : أنت أشرت في كتابك إلى حادثة جهيمان في الحرام المكي الشهيرة مطلع العام 1400هـ هل نحتج بها في مثل هذه المعادلات التي تذكرها؟

     ج : الكعبة المشرفة مهْوَى أفئدة المسلمين وقبْلتهم وأي حدَثٍ فيها يلفت الأنظار بالفعل، وينبغي أن يُشار إليه ، وقد أشار إليه الحديث، "يبايع لرجلٍ بين الركنِ والمقام ، ولن يستحل البيت إلا أهله"..

    س : هل هو جهيمان العتيبي كما ترى؟

     ج : الظاهر أنه هو من خلال استقراء المجموع العددي لهذه العبارة في الحديث ، مع إضافة اسم مَن فعَل الحادثة و هو جهيمان  و اسم الذي ظنوا أنه المهدي ، وليس المهدي طبعا .. و قد تبيّن أن المجموع لهذه العبارات يعطينا اسم السنة التي وقع فيها الحادث 1400هـ ، فهذه الحادثة واقعة و قد ربط المجموع العددي للعبارة النبوية للحادثة مع اسمَي الشخصين الرئيسين فيها بين النص وبين الاسمين و بين تاريخ الحادثة !! وهذا كما أظن إعجازٌ ملفت .

     س : ألا يثبت هذا من وجه خفيٍّ حقاًّ للرجل الذي ادّعى ما ادّعى؟

     ج : لا يُثْبِت له حقا، أوّلاً لأن الحديث  لم يمدحْه، وقال: يُبايَع لرجل ، إخبارٌ فقط .. والشيء الثاني أنه حصل بسب ذلك استحلالٌ مذموم لبيت الله ، و سفْكٌ للدماء .

     س : أيضا أنت أشرت إلى الخميني وتكلّمت عليه وفقا للمعادلات التي ذهبت إليها في الإعجاز العددي؟

    ج : نعم. هناك حديث رواه أحمد و أبو داود و غيرهما، ذكَر بعض الأحداث  التي تأتي قبل الخلافة وأثناءها، وهذا الحديث مذكور في الكتاب ، و مضمونه أن الرسول عليه الصلاة و السلام  ذكَر فتنة الأحلاس وقال هي حرَبٌ وهرَبٌ ، ثم ذكر فتنة السَّرَّاء، وفتنة السراء هي فتنة حرب الخليج ، فتنة النفط ، لأن السراء تعني الثروة.

    س : كيف فسرت السراء بالنفط والثروة؟!!

     ج : لدلالة ما قبلها ودلالة ما بعدها ، ما قبلها : حرَبٌ وهرَبٌ .. في فترة من الفترات حصلت حروب لتحرير بلاد المسلمين حرَبٌ وهرَبٌ ، يعني عصابات كانت تحارب وتهرُب، وهذا حصل في عددٍ من بلدان المسلمين، حصل في الجزائر، التي تحررت من فرنسا، بواسطة جبهة التحرير ، كانت جبهة التحرير تعتمد حرب العصابات، اضرِبْ واهرُب ، ثم تحررت الجزائر بعد أن ضحت بمليون شخص  ، الجنوب اليمني تحرّر أيضًا من بريطانيا بحرب العصابات عن طريق الجبهة القومية وجبهة التحرير ، ارتيريا تحررت من أثيوبيا أيضًا بهذه الطريقة. هناك عدد من البلدان تحررت بهذه الطريقة .. ثم ذكر الحديث فتنة السراء، وفتنة السراء  كما ذكرنا هي حرب الخليج لأن الحديث قال: "دخَنُها من تحت قدَمِ رجُلٍ من أهل بيتي يزعُم أنه منِّي وليس مني إنْ أوليائي إلا المتقون" ذكَر السراء ،  ثم ذكَر الدَّخَن ، والسراء هي الثروة، والثروة في هذا العصر  تتركز  في الخليج العربي في البترول ، لأن البترول عُمْدة الصناعات ، لذلك حصلت  الصراعات هناك ، حصلت حرب الخليج الأولى والثانية وحصلتْ الحرب على العراق .. صدام حسين عندما دخل الكويت أحرق أكثر من سبعمائة بئر نفط، فانطلقت في السماء سحبٌ هائلة من الدخان قطعت آلاف الأميال حتى وصلت إلى بلدنا، ونزل مطر أسود ورأيناه ، فالحديث يشير إلى هذا الحدَث، قال: (دخنها من تحت قدَمِ رجُلٍ من أهل بيتي) .

    س : من هو الرجل إذن؟

    ج : أبرز شخص في الخليج ادّعَى في هذه الفترة أنه من آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام هو الخميني ، و هو الذي كان السبب الأول في بداية الحروب في الخليج ، و هذا ما ذكَره الحديث (من تحت قدَمِ رجُلٍ من أهل بيتي) و الخميني فعلاً مُوْسَوِيٌّ ينتسب إلى موسى الكاظم ، وموسى الكاظم ينتسب إلى علي بن أبي طالب ، يعني إلى  بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالرسول أثبت نسبه ، لكنه قال: (يزعُم أنه مني) أي على طريقتي (وليس مني) ، أي ليس على طريقتي ، لأنه من الروافض ، فمجموع هذه القرائن جعلتْني أرجِّح أن المقصود هو الخميني ولما أخضعْنا الأمر للحساب العددي لِلنص ولِاسْم الرجل وجدنا تطابُقاً.

     س : عفوًا هذا الحساب رقمي دقيق وفقا للحروف الأبجدية وهناك حرف سيزيد أو ينقص في اسمه وفقا للقاعدة الصرفية في النسب القياسي، الأمر الذي يخل بالمعادلة في كلمة "موسوي، أو موساوي"؟

     ج : نعم. هذا الرجل شُهْرته موسوي، بدون الألِف ، فهو رسميًّا آية الله روح الله الموسوي الخميني ، أنا حذفت زوائد المبالَغة مثل آية الله، وأتيت باسمه: روح بدون الإضافة إلى الله، و تركت موسوي خميني بدون (أل) فالاسم معرفة أصلاً بدونها ، فهذا أعطانا رقما يتوافق مع وصف هذا الرجل في الحديث ، وأما موساوي بزيادة الألف وهي النسبة القياسية فقد أعطانا احتسابها مع غيرها كما في الكتاب رقماً آخر يوافق سنة تنصيب هذا الرجل بالتاريخ الهجري .

    س : من هذه المعادلات أيضا اسم الرئيس السوفيتي ميخائيل الذي قارنْتَه أنت باسم الملَك ميكائِل؟

     ج : هذا اسم الرئيس السوفيتي السابق، ميخائيل جورباتشوف، وبعضهم ينطقها ميخائيل بزيادة الياء.. ويمكن  التصرُّف فيها فتقول ميخائِل قياساً على قراءة اسم الملَك في إحدى القراءات المتواترة في سورة البقرة (ميكائِل) ، فالاسم الذي ليس عربيًّا يمكن تعديله في النُّطْق العربي مثل اسم إبراهيم  ليس عربيا، وهناك قراءتان متواترتان في نُطْقه في القرآن: إبراهيم وإبراهام، ، فلا مانع في لغة العرب أن تقول ميخائيل أوميخائِل، والذي يناسب عندنا في الإعجاز العددي ميخائِل بدون الياء ، واستأنسنا بقراءة ميكائِل بدون الياء، الذي هو اسم الملَك، وقد ورد هذا الاسم في سورة البقرة بثلاث قراءت متواترة : ميكال وميكائِل و ميكائيل .

     الديمقراطية هل هي فتنة الدهيماء؟ :

     س : لي معك وقفة أراها مهمة في فتنة الدهيماء التي ذكرْتها ورأيت أنها الديمقراطية التي يفتتن بها الناس اليوم، في إشارة منك إلى عدم رضاك عن الديمقراطية التي فيها حلول في نظر الناس اليوم وخروجهم من الصراع؟

    ج : نعم. الحديث ذكَر فتنة السراء كما سبَق ثم ذكر فتنة الدهيماء ..  بعد حرب النفط (السراء) التي حدثتْ في الخليج  وُجِدَت القواعد الغربية  في الخليج ولا تزال، وجاءت فتنة الدهيماء بعدها وهي فتنة فَرْض الديمقراطية بالحروب .

     س : الديمقراطية موجودة من  العصور القديمة في أثينا ، ثم في الغرب كله في القرون الأخيرة ، وموجودة في الوطن العربي من قبْل حرب الخليج ؟

     ج : نعم، و كان الغربيون يسِّوقون للديمقراطية بالإقناع ، و لكن أمريكا و معها الغرب بعد حرب الخليج أصبحتْ تريد أن تفرضها بالقوة ! حاربت العراق بحجة نشر الديمقراطية و أعلنتْ أن نظام صدام حسين استبدادي .. حاصرتْه بعد إخراجه من الكويت (في حرْب السراء) اثنتي عشرة سنة  ثم هاجمتْه واحتلتْه بأكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل مع أنها أكذوبة في العراق و حقيقة في دولة اليهود .. أمريكا و حلفاؤها  أوجدوا لهم قواعد لهم في الخليج و قضَوا على دولة العراق التي كانت شوكة في حلوقهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بحجة فرض الديمقراطية و حتى يكون العالم أكثر أمنا بزعْمهم و بنفس الذريعة احتلوا أيضا أفغانستان ..  بوش رئيس أمريكا عندما فعل ذلك كانت عنده قائمة بستين دولة ، ينوي غزوها بَدْءًا بالعراق وأفغانستان ثم لم يَمْنَعْه من المُوَاصَلة إلا العجْز و الهزائم .. وكان من ضمن القائمة مصر والسعودية وسورية واليمن .. احتلال جديد تحت غطاء إقامة الديمقراطية لتحل بزعْمهم محل الأنظمة الديكتاتورية  .

     والديمقراطية  في الأصل نظام يوناني قديم تعني حُكْم الشعب، و الغربيون لأنهم نصارى ليس عندهم نظام سياسي في دينهم استعاروا الديمقراطية من النظام اليوناني الوثني القديم، استعاروها في الثورة الفرنسية والأمريكية ثمّ عمّ هذا النظام أوربا وأمريكا، ويريدون اليوم أن يفرضوه على العالم الإسلامي وأن يربطونا بهم ، وأن يبعدوا المسلمين عن دينهم ، لأن الإسلام نظام حياة بما في ذلك النظام السياسي ، و الرسول صلى الله عليه و سلم أشار إلى الديمقراطية فيما يبدو بـِ (فتنة الدهيماء) التي لا تدع أحدا من الناس إلا لطمتْه لطمة.

     س : لو عدنا إلى الجذر اللغوي أو القاموسي للكلمة، ماذا تعني؟

     ج : الدُّهَيماء تصغير دهْماء، والدهْماء في قاموس اللغة معناها العامة، و العامة بمعني الشعب، و الديمقراطية تعني حكم الشعب ،  و الغربيون يحاولون خداعاً أن يثيروا في الناس جميعًا أن لهم حقا في أن يحكموا.

     س : طيب وما العيب في ذلك؟ أليس من حق الشعب أن يحكم؟

    ج : هذه مغالطة حتى في الغرب. هل الشعوب هي التي تحكم؟ الحقيقة أن الذي يحكم لوبيهات، هناك لوبي مثلا في أمريكا، هذا اللوبي يسيطر على الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري، وفي الغالب وراء هذا اللوبي اليهود الذين بيدهم عناصر القوة، وعناصر القوة كما هو معلوم : الإعلام والمال والسلاح ، واللوبيهات بيدها هذه العناصر الثلاثة وهي بها تقود الشعوب.. إذا أرادوا مثلا رئيسًا ما فإنهم يلمِّعونه إعلاميا ويدفعون له الأموال الكافية ، والقوة تدعم من الخلف بطريقة خفية، فينجح هذا الرجل .. ففي الحقيقة ليست الشعوب هي التي تختار وإنما اللوبي يهيئ الشعوب إعلاميا وماليا ويرتبها ترتيبا خفيا لكي تختار من يريده اللوبي .

     س : وهل الشعوب من السذاجة بمكان إلى هذا الحد تتحرك وفق رغبات جماعة معينة؟ ألا ترى أن الرئيس مثلا يفوز بمجموع الأصوات التي تمنح له من المواطنين؟

     ج : أنا معك أن الأصوات من الشعب، لكن من هو الذي أقنع الأغلبية بهذا الرجل؟

     س : أقنعه البرنامج الانتخابي للمرشح.

      ج : لا.. أقنعه اللوبي بوسائله من الترغيب و الترهيب بأن هذا الرئيس هو الأنسب، ألا ترى أن الفقير و لو كان من أكفأ الناس لا يمكن أن ينجح لأنه ليس عنده مال ولا إعلام ، و لا ضَغْط ، لا ينجح عادة إلا الرجال الذين عندهم أموال هائلة ،  أو مدعومون بأموال و دعايات هائلة لكي يسوِّقوا برامجهم ولكي يقنعوا الناس، و لوكانوا أغبياء ، و المشهور مثلاً في أمريكا أن بوش لم يكن ذكيا بالقدْر المطلوب و مع ذلك نجح لِدَوْرَتين ، و نجح من قبْل أبوه لِدَورة .. فهذا حاصل على سبيل المثال في أمريكا وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي دولة اليهود ، و في الهند التي تناوب عليها على فترات أشخاص من أسرة واحدة هي أسرة نهرو الذي جاءت بعده ابنته أنديرا ثم ابنها ثم ابنها الآخر راجيف ثم زوجته..  والحقيقة أن الديمقراطية فتنة يريدون أن يسوِّقوها عندنا في العالم الإسلامي ، وأنت تعلم عندنا مَن الذين ينجحون كل مرة ، تنجح القوى الحاكمة ، تعيد إنتاج نفسها من جديد بالانتخابات ، لأن هذه القوى بيدها المال وبيدها الإعلام وبيدها القوة التي تصنع النتائج و يشهد لها المراقبون الدوليون من الدّوَل التي يصفونها بأنها العريقة في الديمقراطية ..  الفارق فقط أنهم في الغرب لا ينجحون بصورة مفضوحة كما هو الشأن عندنا ، و لا يتكرّر الشخص نفسه أكثر من مرّتين ، يتبدّلون و لكن السياسة في النهاية واحدة ، لأن اللوبي واحدٌ دائمًا وراء الستار ؟ و عندنا قد يبقى اللوبي خلْف الستار , ويقوم بتبديل الرئيس كل فترة كما حدَث في الجزائر في العقدين الماضيين ، و السياسة واحدة ، و كذلك كما يحدث في إيران..ولكن أكثر ما يكون عندنا رئيس اللوبي هو الرئيس الظاهر فيصعد إلى السلطة مرة ومرتين وثلاثا وأربعا وعندما يموت يصعد ابنه. 

     س : طيب لماذا لا نزاوج نحن المسلمين بين هذا النظام وبين النظام الموروث لدينا فنستفيد مما عندهم إلى جانب ما عندنا؟

     ج : الإسلام حساس لا يقبل الشراكة، والله لا يقبل الشركاء، الله يقول: ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) الكهف ..الله الذي خلق البشر، وبالتالي فلا يرضى أن يحكم عبادَهُ غيرُه، ولا يرضى بنظام من عند غيره يحكُم خلْقَه، أنت في بيتك تشعر أنك ربُّ أسرتك هل تقبل أن يتدخل أحد في بيتك؟ صاحب المصنع هل يقبل أن يأتي شخص دخيل لكي يُنَظِّم العمال في مصنعه؟ و لله المثل الأعلى قال سبحانه (ألا له الخلق والأمر) الأعراف . إضافة إلى أن الإسلام نظام كامل لا يحتاج إلى تكميل ، قال تعالى : (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) النحل .

     س : كلام جيد فيما يتعلق بأمور التشريعات الدينية، لكن تبقى مسائل السياسة العامة وشئون الحياة اليومية بيد الناس هم من ينظمونها؟

    ج : الإسلام كما قلت لك نظام محْكم في كل المجالات، و من ذلك السياسة ، و قد توجد حاجة إلى اجتهاد مأذون فيه ، و لكن من أهل الاجتهاد وهم العلماء المجتهدون لأنهم أعلم من غيرهم بالإسلام ، و لا توجد حاجة أبداً إلى تلفيق و استيراد ، و الإسلام رتّب الشورى في أهل الحل و العقد و هم كبار أهل النفوذ و الاختصاص في المجالات.. الإسلام يسمح بالاجتهاد لمن هم أهل للاجتهاد ويسمح بالشورى لمن هم أهل للشورى .. على  الطريقة الإسلامية، وليس على الطريقة الديمقراطية .. الطريقة الديمقراطية لا تراعي التأهيل الشرعي و لا التقوى ولا العدالة ..لا تراعي الالتزام بالدين ولا تراعي الصدق و التجرّد ، الديمقراطية ليس لها ضوابط أخلاقية كالضوابط الإسلامية، والإسلام له نظامه الشامل الكامل المستقل المنضبط جدا، الذي يربط بين إيمان المسلم بالله وبين سلوكه في الواقع .

     س : ذكرت أن الخلافة الإسلامية قادمة قريبا؟

     ج : هناك مقال صحفي لكاتب أمريكي قدمه للرئيس أوباما ونقلته في كتابي و مضمونه أنه يتوقع قيام الخلافة الإسلامية في خلال السنوات القادمة ، وهذا طبعا توقعهم واستشرافهم للمستقبل، ونحن نستشرف المستقبل نتيجة للواقع الذي لدينا ونتيجة لما عندنا من النصوص، وهذا سيأتي ومؤكد ، و عيسى سينزل  وستكون معه معجزات، و اليهود و النصارى يؤمنون بذلك .. وعندنا أنه سيقول لهم  أنتم على باطل ، وأهل الإسلام على حق ، فاتّبِعوا الإسلام ، ويُسْلم الناس.

     س : يقال إن لك موقفا من الانتخابات ولا تجيزها؟

     ج : الانتخابات إذا كانت للموصوفين بالعدالة  ووفقا للضوابط الشرعية في بعض المجالات فلا بأس بها. نحن نمنعها على من لا يستحقها ، وأقول لك لو اختزلنا الدولة في نموذج مستشفى فإن شَعْب المستشفى  هم الأطباء والحراس والممرِّضون والإداريون والمرضى .. هؤلاء هم شَعْب  المستشفى، هل تُطرح قضايا المستشفى على هذا الشعب المصغَّر بكامله؟ أم أنها ستطرح على المتخصصين والكبار فيه؟ بالطبع على أهل الكفاءة وعلى الخُلّص منهم من كبار الأطباء والاستشاريين ثم كبار الإداريين، لكنها لا تَطرح الأمر على الممرضين والفراشين فهذه فوضى وإخراج أيضا لأسرار العمل إلى من لا يحفظها. ونفس الأمر في المُعسكر مثلا.. فإذا كنا داخل مؤسسة محصورة وصغيرة لا نأخذ إلا رأي  العقلاء و المختصين فما بالك بشعب كامل ؟ وما بالك بدولة تحوي مؤسسات كثيرة وكبيرة؟ هل يصلُح أن نطرحها على العوام؟  

     أهل الحل و العقد :

     س : من هم أهل الحل والعقد في الإسلام؟

     ج : أهل الحل والعقد هم أصحاب النفوذ بالإضافة إلى العلماء الشرعيين. لأن العلماء الشرعيين هم الأعلم بالكتاب والسنة، وهم الذين يجتهدون في إنزال النصوص على الواقع .

     س : من تقصد بأصحاب النفوذ؟

     ج : هم كبار ضباط الجيش، كبار شيوخ القبائل، كبار القضاة، كبار التجار، كبار الاقتصاديين، كبار أصحاب المهن، كالأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين و غيرهم ، هؤلاء هم أصحاب النفوذ ، وهم مَن يفرزهم المجتمع تلقائيا بشرط أن يكونوا من العدول ، و هذا الشرط جوهري و فارق بين النظام الإسلامي و الديمقراطية .. أنت إذا جئت إلى أي بلد ستجد أن الناس يعرفون تلقائيا كبار علمائهم .. كبار قضاتهم ..كبار ضباطهم .. كبار شيوخ القبائل فيهم.. كبار السياسيين .. كبار المحامين..كبار الأطباء ..إلخ .. هؤلاء يفرزهم المجتمع تلقائيا فطريا.

    س : ألا نعتبر البرلمانات اليوم هم أهل الحل والعقد؟

     ج : لا. لأن بعض مَن فيها هم دون المستوى إما في العدالة أو في الكفاءة  و إنما صعدوا بالإعلام و المال وأحيانا بالقوة ، الشخص الغني يستطيع أن يشهر نفسه ولو لم يكن أهلا، المهم أن عنده مالا، أو أن جهة أخرى تدعمه لأن لها مصلحة فيه، أما الفرز الطبيعي في الإسلام فإنه لا يكون بالمال ولا بالإعلام ، وإنما يكون بالكفاءة، الشخص الكفء المؤهل يشتهر بين الناس، العالم المجتهد يشتهر بين الناس ، السياسيّ المُتَمَيِّز يشتهر بين الناس ، المهندس الكفء يشتهر بين الناس، الطبيب الكفء يشتهر بين الناس.

     س : لماذا لا تفرزهم الانتخابات وفقا لكفاءاتهم؟

    ج : يصعب هذا .. أنت تتعامل مع كمٍّ كبير من البشر هم الشعب ، والشعب يصعب تربيته كله .. والبشر لهم أهواء، لهم شهوات، والذي عنده مال كثير يحب أن يهيمن، ويحب أن يأتي بأشخاص يتبعونه في البرلمان ولو لم يكونوا أكفاء، يسوقهم بالمال والإعلام و نحو ذلك .

     س : وهل الناس كلهم بهذا المستوى من السذاجة لا يفرقون بين ما يضرهم وما ينفعهم؟

     ج : نعم كثير من عوام الناس هم كذلك. وهم طيّبون ينخدعون بسهولة ، و كثير منهم إدراكه محدود ، والرسول عليه الصلاة والسلام  يقول في الحديث الذي رواه مسلم: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)، وأنت إذا دخلت إلى فصل من فصول الدراسة كم تجد الأذكياء فيه؟ تجدهم معدودين بعدد أصابع اليد.

     س : لنفترض أن المجتمع وصل إلى قدر عال من الوعي ألا يشفع له ذلك باختيار ممثليه؟

     ج : يصعب تربية المجتمع كله كما سبق ، ومهما وصل إليه المجتمع من الوعي فإنه معرض للانخداع بوسائل الإعلام الخادعة لاسيما في هذا العصر، أنت تعلم أن وسائل الإعلام تسوِّق لكل شيء، تجعل الحق باطلا والباطل حقا!! ألم تسوِّق وسائل الإعلام العالمية اليوم لكل ما يريده الغرب و اليهود؟

    س : لماذا لا تعملون على تربية المجتمع وتأهيله وتوعيته؟

     ج :  يجب الاجتهاد في ذلك ، والإسلام يربي الفرد تربية كاملة ويربي المجتمعات والشعوب حتى تصل إلى شيء من اليقظة ومن الكمال البشري ، و دائرة العدول كلما اتّسعتْ كان أفضل ، و على قدْر اتّساعها لهم أن يختاروا من شاءوا في هذه الحالة ، ولكن بضوابط العدالة والتقوى..  الانتخاب عند الغربيين لا يشترط شيئا من هذا القبيل ، في أنظمتهم الانتخابية يشترطون غالباً السن فقط وأن يكون الناخب من أهل البلد، قد يكون  فاجرا، سيء الأخلاق ، انتهازياًّ ، غير متديِّن .. أما الضوابط في الإسلام  فهي حاسمة ولا تُفْرِز إلا  الخُلّص من الناس.

     س : قلت إن الدولة في الإسلام ليست وراثية وليست جمهورية وليست ملكية.. وليست دستورية ما هي الدولة الإسلامية تحديدا؟

   ج : الدولة الدستورية من آثار النظام الديمقراطي لأنها نظريّا تعتمد على الدستور المعتمد على الأغلبية التي يمكن خداعها و التي ذكَرنا عيوبها .. و أما النظام الإسلامي فهو مُتميِّز، دستوره الكتاب و السنة ، و لا يمكن و قوع الخَلَل فيهما ، و الأنظمة الأخرى مجرَّبة في بلاد المسلمين  خلال الفترة الماضية ، جرّب المسلمون الأنظمة الجمهورية الدستورية، جربوا الأنظمة الملكية، بشكلَيْها العضوض والجبري ، الأنظمة الجمهورية أصبحت أكثر استبدادية .. أليس كذلك؟ و لذلك حصلت لها الزلازل في العام الماضي ..

     س : طبعا لأننا لم نأخذ بالنظام الديمقراطي كما هو على أصوله؟

     ج : ما هي النماذج المعتَبَرة للنظام الديمقراطي على أصوله ؟ نموذج  بريطانيا مثلا .. نموذج أمريكا؟ هل يحكم المنصفون منهم والعادلون ؟ الذين يحكمون هم أصحاب رأس المال واللوبيهات كما ذكرنا ، كيف يتعاملون مثلاً مع المُلَوّنين و الفئات المُهَمَّشة؟ .. أين العدالة؟ أين العدالة في تعاملهم مع غيرهم من الشعوب التي تحت نفوذهم ؟ النظام الديمقراطي في الغرب غير إنساني ، لأن الأقلية الصهيونية  و خلْفها الماسونية هي التي تُسَيِّره ، و لذلك تجدهم  مثلاً يقفون مع دولة اليهود ، واليهود بضعة ملايين ، و يتجاهلون مليارا و نصفا من المسلمين .. ألا يدل هذا على أنهم في قبضة اليهود ، و أن النظام الديمقراطي مطيّةٌ للمُتَحايِلين؟! .

     س : هؤلاء بهذا النظام بَنَوا دولًا وأسسوا حضارات؟

     ج : بَنَوا دولًا قوية .. هذا صحيح . لكنها ليستْ حضارية .. هل هذه الدول تعدِل في الأرض أم تظلم؟ أليس فيها سجن جوانتنامو و أمثاله مما أقاموه في الخفاء في بلدان عديدة ؟ أليسوا هم الذين احتلوا العراق وأفغانستان و دمّروهما و قتلوا وشرّدوا الملايين..؟ ألم يقصفوا هيروشيما و نجازاكي بالقنبلتين النوويتين لإحداث دمار لم يعرف مثله التاريخ ؟ أليسوا المتآمرين على الباكستان لأنها الدولة الإسلامية النووية فيقصفونها كل يوم ؟ أليسوالمتآمرين على وحدة إندونيسيا و اقتصادها و على اقتصاد ماليزيا ؟ أليسوا المتآمرين على اقتصاد ووحدة السودان ؟ أليسوا الكابوس الجاثم على منطقة الخليج ؟ أليسوا هم وراء المآسي في فلسطين و الصومال و في سورية الآن و غيرها بصورة مباشرة و غير مباشرة ؟ ألم تحدث الحربان العالميتان الأولى والثانية  في بلاد الغرب وعندهم الديمقراطية و قضتْ على عشرات الملايين منهم ؟ في الحقيقة أنظمتهم فاسدة جدا .. إنها أنظمة ديمقراطية مدمِّرة، وليستْ كما يصوِّرها الإعلام .. هات لي نموذجا واحدا لنظام ديمقراطي إنساني عادل؟

     هل حقوق الإنسان محترمة في الغرب ؟ :

     س : شيخنا .. حقوق الحيوان عندهم مكفولة أحسن من حقوق الإنسان عندنا؟

    ج : لا يحترمون الإنسان و لا حقوقه كما سبق ، في أمريكا و أوروبا الأسرة مفكَّكة ، الأب بينه وبين أولاده وزوجته فجوات، المرأة لها أصدقاء، والرجل له صديقات، الرجل لا يطمئن إلى أن الأولاد أولاده .. الأسرة هي الخلية الأولى لبناء المجتمع يسودها التشتت والدمار. الثقة غائبة .. فكيف بالمجتمع كله ؟ قلَّ الزواج عندهم ونتيجة لقلّة الزواج قل النسل. بريطانيا وفرنسا تؤولان اليوم إلى الشيخوخة و ألمانيا كذلك تؤول إلى الشيخوخة، الشباب  قلة ، عندهم خلل في اللبنة الأولى للمجتمع وهي الأسرة، على عكس ما هو عليه الوضع عندنا. نحن لدينا نسل كثير، عندنا ثقة من المرأة بالرجل ومن الرجل بالمرأة،  والأولاد عندنا يحترمون الأب والأم. مجتمعاتنا أقوى من مجتمعاتهم، الزوج عندهم لا يعرف حق زوجته والزوجة لا تعرف حق زوجها وكل منهما يخون الآخر، فعن أية حقوق تتحدث؟ الإعلام الغربي حاول أن يوهمنا أن حقوق الإنسان عندهم . كم من المظالم في الغرب؟ أين حقوق الإنسان من أسلحة الدمار الشامل التي يجهزونها للعالم؟

     س : هل ترانا اليوم أحسن منهم؟

    ج : نعم. بكثير. ولكن نحن نجلد ذواتنا وهم يجلدوننا.حال المسلمين أنهم يذكرون الله ويقيمون الصلاة و لهم علاقتهم بخالقهم ، وهذا لا يوجد في الغرب، الشياطين معششة في ديارهم، بيننا تراحم، في الغرب لا يوجد تراحم ، في إعصار كاترينا أُعلنتْ حالة الطوارئ في ولايات أمريكية عديدة ، لوجود حالات من النهب والسلب،  قد يكون الغربيون صادقين في المجال التجاري أحيانا لأنهم جرّبوا أن الصدق ينفعهم أما في بقية المجالات فهم كذابون مستعمرون.. أين ثرواتنا وخيراتنا؟

     لا يوجد تداول في السلطة .. لا في النظام الإسلامي و لا في النظام الديمقراطي رغم الفارق بينهما :

     س : نعود إلى مسألة الحكم والسياسة والانتخابات.. أنت لا تقر مسألة التداول للسلطة؟

    ج : الأصل في العمل النجاح، فإذا نجح شخص ما في عمله هل نُبعده؟ لو أن عندنا قسم جراحة في مستشفى  مثلاً وعندنا كبير أطباء الجراحة في المستشفى هل يمكن أن نقول من المهم أن يتداول هذا الطبيب الكبير الموقع مع غيره ؟

     س : هذه عملية فنية القياس فيها غير موضوعي إلى العملية السياسية؟

     ج : الحكم  فن أيضاً وهو أهم فن، لأنه يدير كل مؤسسات الدولة  بل هو فن الفنون، إذا كانت الجراحة فنا ، وإذا كانت الهندسة فنا ، فرئاسة الدولة أهم من ذلك كله، الحكم هو فن الفنون في الحقيقة، و الرسول عليه الصلاة والسلام شبّه المسلمين بالجسد الواحد، والجسد له رأس واحد فقط، هل يتم تداول هذا الرأس؟

     س : ألا ترى أن السلطة المطلقة فساد مطلق كما يقال، وأن استمرار بقاء الحاكم في منصب واحد مفسدة للمنصب وله؟

     ج : طبيعة البشر حبّ الهيمنة  ، و الناس في الغرب يغيّرون الشخص لكن النظام  واحد مهيمنٌ في جوهره، الصهيونية مسيطرة على الغرب، وهي وراء اللوبيهات المتحكمة، والصهيونية تديرها الماسونية الخفية، التي تنتهي في النهاية إلى رأس واحد، فالذي يحكم في الغرب هو رأس واحد وإن كان يتكرر الممثلون. ، وفي إيران مثل ذلك ، من الذي يدير إيران في الحقيقة؟ كان  الخميني ثم الخامنئي، و الذين يتناوبون في السلطة التنفيذية  شكْليُّون، و هم و الغرب  لا يقولون معنا رأس مُتَحَكِّم  إنما  شأنهم التلبيس في  ذلك..  نحن عندنا شفافية  ، و السوابق التاريخية و الشرعية عندنا .. تدل على أننا نترك الرأس مدى الحياة ما دام لم تحصل له عاهة عقلية أو جسمية معطّلة أو أسْرٌ معطَّل ، و تزداد خِبْرته مع الأيام وإذا خرج عن الإسلام عزلناه و لو بالقوة ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في عزل الحاكم (إلا أن تروا كفرا بواحا) متفق عليه ، و قد يحصل تنازل أو تداولٌ مشروعٌ يُقرّه الشرع لحل بعض المُعضلات السياسية ، وهو استثناء قليل ، و يكون بدون دماء كما حدث من الحسن بن علي رضي الله عنهما .

     س :  اليوم الجماعات الإسلامية  أعلنتْ وأقرّتْ مبدأ التداول السلمي للسلطة وأعلنت الديمقراطية؟

     ج :  أولاً :هذه الجماعات الإسلامية هي في طريق التعافي إن شاء الله و التعلُّم من التجارب ، و لو على مستوى القواعد ، إنهم في الجملة يمثلون الصحوة والعافية بعد الاستعمار و هم بَشَرلا يزالون يتعلّمون وقد يخطئون بعض الأحيان فيستوردون ، لكن في حال العافية التامة التي ستأتي إن شاء الله سوف يتخلّصون أو يتخلّص جُلُّهم من كل الشوائب المستوردة ، ثانيا : واضربُ لك مثلا من داخلهم ، هل يجري تداول للسلطة بين قيادات الحركة الإسلامية؟  إذا كان التداول هو الخيار الأفضل كما تقول، فهل يجري داخل أروقة الجماعات الإسلامية بشكل عام؟ لا يجري في الجملة طبعا، لأنهم يعلمون أن الأصل هو الاحتفاظ بالكفاءات والخبرات في القيادات ..  يحتفظون بقياداتهم ولا يتداولون، قد يحصل تداول في بعض الحالات القليلة ، لكن الأصل عندهم بقاء القيادات .

     س : يفهم من كلامك أنهم قد يتراجعون مستقبلا على ما يعلنونه اليوم؟

     ج : و ما المانع ؟. وهم الآن غالباً ثابتون في تنظيماتهم على عدم التداول، و حتى في بعض الدول كالسودان وغزة ،  لأنه هو الأنسب مع الفطرة ومع الدين .

     س : ما يقولونه اليوم عكس ما تقول به أنت الآن؟ هم يؤمنون بمبدأ التداول السلمي للسلطة؟

     ج : الواقع أقوى من التنظير .

     س : حصل جزء من ذلك حتى الآن؟

     ج : ربما حصل و لكنه ليس الأصل كما سبق القول .. و هنالك من يقول الإسلاميون يناورون بالديمقراطية وإذا وصلوا إلى الحكم لن يقبلوا بها، أما أنا فأقول: الأصل أنهم لا يأخذون بها ابتداءً. نحن نقول من البداية إننا نتمسك بقياداتنا وكفاءاتنا سواء من خارج الحركة الإسلامية أم من داخلها ، لأن الإسلاميين ليسوا طلاب سلطة  ، وليس عدم التداول عيبا، سيكون عيبا إذا مَيّزْنا بذلك قيادات الحركات ، أما عندما نرضاه حُكْمًا عاما في كل الكفاءات فسنقطع الطريق على المُغْرِضين وكما قلت لك المستشفى و المؤسسة الناجحة تتمسك بكفاءاتها .. و في الغرب اللوبيهات أيضا ثابتة لاتتداول كما ذكرنا ، و لكنها مخادعة غير شفافة فلذلك لاتعترف بالحقيقة ، و تفترق عنا في فوارق الدين و التقوى و العدالة .

     س : لدينا نموذج تركيا يؤمن بهذا المبدأ وبالانتخابات وغير ذلك؟

     ج : تركيا مختطَفةٌ منا ، اختطفها العلمانيون عشرات السنين ، والإسلاميون فيها اليوم يحاولون أن يعودوا إلى الأصالة ونحن ندعو لهم ، وقد قطعوا شوطاً جيّدا في العودة و حمْل بعض قضايا المسلمين أكثر من الدول التقليدية .. أردوغان يريد أن يعيد الُّلحمة الإسلامية من جديد فيزيل الحواجز و يُلغي التأشيرات بين المسلمين . و الممارسات التي فيها تنازلات قد تكون أخطاءً ، و قد تكون بتأويلات ، وقد تكون بفتاوى غير سديدة ، و قد تكون بسبب العجز و عدم الاستطاعة  ولكن المؤشرات في المحصِّلة العامة إيجابية  ولذا يقال عنهم العثمانيون  الجدد.

    والجسد الإسلامي أصيب بالشلل و الأمراض خلال الفترة السابقة ووُجدت فيه بعض التيارات اليسارية والقومية  ، ونتوقّع إن شاء الله أن  تعود إلى الصواب مستقبلا مع مرور الأيام ومع تعافي هذا الجسد ومع إعادة التربية .. مع الأيام قد يصلح الناس، والناس على دين ملوكهم في النهاية .

    س : في كلامك ما يؤكد نظرية صراع الحضارات لصاحبها صاموئيل هانتنجتون الشهير والتي يروج لها الصهاينة في الغرب؟

    ج :  ليس صراع حضارات ، لأن الذي بيننا وبين الغرب إسلام وكفر، حق وباطل، لا لقاء بيننا وبينهم، الله يقول: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) الكافرون . لن نلتقي معهم إلا إذا أسلموا أو كفرنا والله تعالى يقول: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) البقرة ، وهم من يبدأ اليوم بحربنا ويحتل أراضينا ويأخذ ثرواتنا..  هم من يحرص أن يهيمن على حكامنا ، و على تمزيقنا ، قواعدهم في بلادنا .  و نحن نؤمّل إن شاء الله أن يُسلِموا فنحن نحب لهم الخير ، بل ذلك هو الذين سيكون بإذن الله لورود النصوص بذلك .

     س : في بلادكم من خلال تنظيم القاعدة  يحصل القتل لمواطنيهم الأبرياء والمعاهدين ؟

     ج : نحن لا نقر قتل الأبرياء من الغربيين وغيرهم .  القاعدة يقولون إن مرجعيتهم الإسلام فلا بد من مناقشتهم و مواجهتهم مع كافة الأطراف بالضوابط الشرعية عن طريق العلماء حتى يظهر الحق من الباطل .

     س : الكلمة الأخيرة مفتوحة؟

     ج : الكلمة الأخيرة هي أن المستقبل للإسلام رضي من رضي وأبى من أبى. والله المستعان قال تعالى : (هو الذي أرسلَ رسولَه بالهدى و دينِ الحقِّ ليُظْهِرَهُ على الدِّينِ كله ولو كَرِهَ المُشْرِكون) التوبة .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©