مجمل أعمال الحج والعمرة

 

 

14 / 11 / 1428هـ ـ 24 / 11 / 2007م

 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين .

   أما بعد :

 فهذه وريقات تَذْكُر بشكل مختصرجميع أعمال الحج والعمرة ليستفيد منها الذاهب إلى أداء المناسك . أسأل الله أنْ ينفـع بها كل من اطّلــع عليها ،     وأنْ يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، إنه على كل شيء قدير .

وجوب الحج

الحج ركن من أركان الإسلام كما في الحديث المتفق عليه : ( بني الإسلام على خمس ) وهو على المستطيع لقوله تعالى : ( من استطاع إليه سبيلاً ) . والمستطيع هو الذي يملك نفقة سفره ، ونفقة من يعولهم حتى يعود ، ولا تكون المرأة مستطيعة حتى يوجد معها مَحْرم أو زوج لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) متفق عليه . ويجب الحج في العمر مرة واحدة لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم لمن سأله : ( أكلَّ عام ... ) ؟ : قال : ( لو قلت : نعم لوجبت ولَمَا استطعتم ) .

وجوب العمرة

وفي وجوبها خلاف فيرى الشافعي وأحمد وطائفة من السلف وجوبها لأدلة منها : الأمر بها وبالحج في قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) . ولحديث أبي رزين : ( حج عن أبيك واعتمر ) رواه الثلاثة وقال الترمذي حسن صحيح . ولِمَا ورد في بعض ألفاظ حديث جبريل عند البيهقي والدار قطني وابن خزيمة وذكر الحافظ ابن حجر أن إسناده أخرجه مسلم ولم يسُقْ لفظه ، وفيه ذكْر الأركان الخمسة ومنها : ( وتحج البيت وتعتمر ) . ولغير ذلك من الأدلة . ويرى مالك وأبو حنيفة وابن تيمية أن العمرة ليست واجبة . والراجح الوجوب .

هل يجب الحج والعمرة على الفور ؟

يرى الشافعي أن الحج على التراخي ؛ لأن النصوص التي فرضت الحج ليس فيها أنه على الفور ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّرَه إلى السنة العاشرة للهجرة ، ويرى أحمد ومالك وأبو حنيفة أنه يجب على الفور ، ومما يستدلون به ما رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي : ( من أراد الحج فليعجّل ، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة ) . ولمالك قولٌ إنه على التراخي ، ما لم يخشَ الفوات ـ أي كما ورد في الحديث ـ فإن خشي الفوات وجب على الفور ، ولعل هذا القول يجمع بين النصوص ، والعمرة في ذلك تتبع الحج .

على من يجب الحج والعمرة ؟

على المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع . ولو حجّ الصبي أو العبد أو غير المستطيع إذا حج به غيره ، فإنه يصحّ . ولكنّ كلاًّ من الصبي والعبد تلزمهما حجة الإسلام بعد البلوغ وبعد العتق إذا تحققت الاستطاعة ، وينالهما من الحجة السابقة الأجر . وهل يجوز للزوج عدم الإذن لزوجته في حج الفريضة ؟ يرى القائلون بالتراخي جواز تأخُّر الزوج في الإذن . ويرى القائلون بالفور أنه إذا لم يأذن لها فلها أن تخرج بغير إذنه . والمعتدة من الوفاة بين العلماء خلاف في جواز ذهابها إلى الحج وعدم الجواز ، ولها أن تختار أحد القولين .

الحج عن الغير

يجوز لمن حج عن نفسه أن يحج عن غيره لحديث : ( حج عن نفسك ثم عن شبرمة ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه ، وقال البيهقي : إسناده صحيح . وذلك إذا كان الغير مَعْضُوباً ، أي مريضاً مرضاً لا يرجى شفاؤه ، أو كان شيخاً كبيراً أو به إعاقة أو عاهة ولا يتمكن بسبب ذلك من السفر كما في حديث الخثعمية المتفق عليه . فإذا زال المرض أو زالت العاهة بعد أنْ حج غيره عنه ، فهل يلزمه الحج بشخصه إن استطاع ؟ في ذلك خلاف ، ويرى الجمهور أنه يلزمه . وأما المجنون فإذا كان قد وجب عليه الحج قبل جنونه فإن الأَولى انتظار شفائه وإلاّ فيكون الحج عنه بعد موته .

وكذلك يجب الحج عمّن مات إذا كان قد وجب عليه الحج في حياته ، أو كان نَذَرَه . وبعض العلماء يرى أنه لا حَجَّ عمّن مات إلا إذا أوصى بالحج ، والراجح أنه كالدَّين فيلزم و لو مع عدم الوصية ، لِأَنّ دَين الله أحق بالقضاء . ويجوز الحج عن الغير من أي مكان ولو من مكة وليس بالضرورة من بلده ، والتيسير مقصد الإسلام . وإذا لم تتّسع التركة للوفاء بدين الآدميين وبنفقة الحج فيُقدّم  دَين الآدميين ؛ لأن حقوق الناس مبنية على المشاحّة ، وحق الله مبنيٌّ على المسامحة . وينبغي أن يعتبر الحاج عن الغير نفسه نائباً وليس أجيراً ، بمعنى أن يأخذ حاجته من النفقة بتوسُّط ويردَّ ما زاد ، ولا إشكال في النيابة ، ولكنّ بين العلماء خلافاً في جواز الإجارة على العبادات كالحج وقراءة القرآن لغير الرقية والأذان وإمامة الصلاة . والراجح عدم جواز ذلك  للنصوص المانعة و يمكن أنْ يعمل الشخص أعمالاً أخرى حقيقية بجانب العبادات فيستحق الأجرة على تلك الأعمال كالقيام على شؤون المسجد بجانب الأذان أو الإمامة، وتربية الأولاد أوتعليمهم علوما أخرى كالعربية بجانب القرآن .. و هكذا .

المواقيت المكانية

وهي ذو الحُليفة والجُحْفة ويَلَمْلَم وقرْن المنازل وذات عِرْق وهي تستوعب الجهات كلها ، وكل من أتى على واحدة منها أو حاذاها وهو يريد الحج أو العمرة فعليه أن يُحرِم منها ، ومن كان موضعه أقرب من هذه الأماكن إلى مكة فيحرم من موضعه . ومن تجاوز الميقات وأحرم فقد أخلّ بواجب فيلزمه دم ( شاة ) إلاّ إذا رجع إلى الميقات قبل الدخول في أعمال الحج أو العمرة فيسقط عنه الدم . والذي في مكة ميقاته في الحج موضعه . وأما في العمرة فميقاته أنْ يخرج إلى الحِلّ ( خارج الحرَم ) وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر           عبد الرحمن بن أبي بكر بإخراج أخته عائشة إلى التنعيم لتحرم بالعمرة كما في الحديث المتفق عليه . وإذا قصد الشخص ـ و لو في موسم الحج ـ أن يذهب قبل الحج أو العمرة لقضاء عمل وتجاوز الميقات فلا إحرام عليه كما فعل أبو قتادة رضي الله عنه في حجة الوداع عندما اصطاد حمار الوحْش كما في الحديث المتفق عليه . وإنما يحرم عندما يقصد بعد ذلك التوجه للحج أو العمرة ، فيحرم من الميقات المناسب له ، أو من موضعه إذا كان في مكة أو قريباً منها .

 

 

الإحرام

وهو نية الحج أو العمرة أو نيّتُهما معاً . وهو ركن في الحج وفي العمرة ولا يصحّان إلا به ، والإحرام بالحج يكون في ميقاته المكاني كما سبق، كما يكون في ميقاته الزماني شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة ، قال تعالى : ( الحج أشهرٌ معلومات ) . وإن أحرم بالحج قبل وقته فإنه يتحول إلى عُمرة كما يقول بعض العلماء ، لأن العمرة جائزة طَوَال العام ، كالذي يصلي قبل الوقت فإنها تكون نافلة، لأن النافلة في الجملة جائزة على مدار اليوم ، وبعضهم يقول يَحِل من إحرامه . وأما العمرة فالإحرام لها وأداؤها في أي وقت في السنة . وينعقد الإحرام بالنية ، ومن السُّنة التلفّظ معها بالتلبية ، ويجوز الاستعداد بلبس ثياب الإحرام قبل الوصول إلى الميقات ثم الإحرام بعد الوصول إليه ، كالذي يلبس قبل ركوب الطائرة .

واجبات الإحرام

 يجب أن يكون من الميقات ، ويجب خلْع الثياب المعتادة (كالقميص والعمامة والجبة و البرنس والسراويل ...) ولُبْس رداء وإزار ونعلين ، ويجوز لبس الخفين دون قطعْ لمن لم يجد النعلين للحديث المتأخر في ذلك ، و يجوز لُبْس السراويل لمن لم يجد الإزار ، ويجب كشْف الرأس . وتلبس المرأة ما شاءت من الثياب إلا النقاب وهو ما يشدّ على الوجه ، وإلا القُفّازين على اليدين . ويجوز لها سدْل غطاء على الوجه بحضْرة الأجانب . والمخالفة لأيّ واجب مما ذُكِر يَلْزَم معه دم ، كالذي يحتاج مثلاً إلى لبس الثياب لظرف معين .

 

 

محظورات الإحرام

الاتصال بالنساء ، ومقدماته ، والرفث ، والمعاصي ، والجدال ، قال تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ، والتطيُّب بعد الإحرام في الثوب أو البدن ، ، وعقد الزواج من المُحْرِم له أو لغيره ، وصيد البر إذا اصطاده ، أو صيد له ، أما إذا لم يُصَد له فيجوز الأكل ، وحلْق الرأس وقص الشعر والأظافر ، وإذا احتاج للحلق والقص لزمتْه فدية وهي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين أو ذبح شاة كما في الحديث الذي عند مسلم . و هذه المحظورات تشمل الرجال و النساء . ولُبْس الثياب المعتادة ، وستْر الرأس محظوران على الرجل ، ولُبْس النقاب ولُبْس القفازين محظوران على المرأة . والوقوع في أي محظور يجب بسببه دم ( شاة ) . ومن المحظورات ما فيه إثم ولا فدية كعقد النكاح والفسوق والجدال ، و منها ما لا إثم فيه وفيه الفدية كالمحتاج إلى لبس الثياب المعتادة و حلْق الرأس ، ومنها ما فيه الإثم والفدية كالصيد ولبس الثياب المعتادة والحلْق لغير حاجة .  أما الاتصال بالنساء فإنه يفسد الحج والعمرة كما ثبت عن السلف من الصحابة وهو محل إجماع عند العلماء إلا أنهم اختلفوا في الحج هل يفسده الاتصال إذا كان قبل الوقوف بعرفة أو إذا كان بعده . والأقرب للتيسير الأخذ بالقول إنه يُفسِد الحج إذا كان قبل ركن الحج الأعظم وهو الوقوف بعرفة , ويلزم بهذا الإفساد شاة ، ويجب المُضيّ في المناسك في الحج الفاسد إلى النهاية كما قال جماهير العلماء ثم يجب قضاء هذا الحج من العام القادم . أما إذا كان الاتصال بعد الوقوف بعرفة  فإنه لا يُفسِد الحج  ويجب إهداء بدَنة . وتفسد العمرة بسبب الاتصال إذا حصل فيها قبل إتمام الطواف والسعي ويجب المُضي في العمرة الفاسدة إلى النهاية مع ذبْح شاة ثم يلزم قضاء هذه العمرة . ومن وقع في محظور ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ؛ لأن الله رفع عن الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه كما في الحديث . قال تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .

 

سنن الإحرام

الاغتسال حتى للحائض والنفساء ، وقص الأظفار والشارب وإزالة الشعور غير المرغوبة ، وتطييب البدن دون الثياب قبل الإحرام ، وأن يكون الإحرام عقيب صلاة فرض أو تطوع ، وأن يبدأ التلبية مع النية بأن يقول : ( لبيك بعمرة ) للمعتمر عمرة مستقلة ، أو للمتمتع بالعمرة في موسم الحج . أو يقول : ( لبيك بحجة ) إذا كان مُفْرِداً للحج أو يقول : ( لبيك بحج وعمرة ) إذا كان قارناً        (  حديث أنس عند البخاري ) . وإذا لم يُعيّن نسكاً عند النية فيجوز أن يصرف الإحرام إلى أيّ نسُك فيما بعد : التمتع أو الإفراد أو القران .

مباحات الإحرام

الاغتسال ، وتغيير ملابس الإحرام ، والادّهان بغير طِيْبٍ للجسد لا للرأس        ولا ِللِّحية ، والاكتحال للتداوي والاستظلال ، وشد الحزام ، ولبس الساعة والخاتم ، ولُبس التُّبَّان(سروال قصير على العورة) ، وتغطية الوجه للحاجة ، وقلْع الضِّرس وفَقْءُ الدمّل ، والحجامة ، والحك في الرأس والجسد ، و لُبس الحُلِيّ للمرأة ، وقتل المؤذيات كالذباب والبراغيث والفواسق .

الأنساك الثلاثة

  التمتُّع :

أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يؤديها ويتحّلل ولا يرجع لبلده ، ثم يحرم بالحج في الموسم نفسه . ومعنى ذلك أنه جمَع الحج والعمرة في موسم واحد ، وتمتّع بالتحلل بينهما ، فيلزمه هدْي لاستفادته من هذا التيسير شُكْرًا لله          على فضله . وهذا الذي أحرم بالعمرة وحدها متمتعاً يجوز له أن يتحوّل فيَقْرِن الحج مع العمرة فيما بعد لِمُبَرِّرٍ كما فعلت عائشة رضي الله عنها لأنها لم تتمكن من الطواف للعمرة بسبب الحيض ، و من فعَل ذلك فإنه يصير قارنا ، و أعمال الحج تكفيه للحج وللعمرة معاً ،   فالقِران ـ إذَنْ ـ مَبْنِيٌّ على تقليل المناسك و فيه تيسير من نوعٍ آخرلِمَن شاء ولاسيما للمحتاج لذلك كالمرضى و أصحاب العاهات و نحوهم ، بالإضافة إلى وُجود الإعْفاء العام (في جميع الأنْساك ـ جميع أنواع الحج) للمعذورين من بعض الواجبات كما سيأتي ، فليس عليهم مبيت في المزدلفة و لا في منى ، ويمكنهم التوكيل في رمْي الجمار ، أو قضاء الرمْي كله في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ، أو الثالث عشر إذا اختاروا التأخير ، كما يجوز التوكيل في ذبْح الهدْي  ، كما أنه يكفي أيّ حاج في الوقوف بعرفة (إذا أراد ما يؤدّي به الرُّكْن فقط) أنْ يقف و لو لحظة يسيرة ، وأمابالنسبة لِرُكْنَي الطواف والسعي فإنه يجوزأداؤهما بالركوب على عربَة أو نحْوها ويجوز تأخيرهما إلى أي وقت مناسب ، وهكذا يَظْهر يُسْر الإسلام وعظمته.

 

  القِران :

هو الإحرام بالحج والعمرة معاً ويبقَى الإحرام إلى انقضاء الحج ، وتَـنْدَرِج أعمال العمرة في الحج كما سبق ، ويلزم هدْي . و للقارن أن يتحول إلى العمرة متمتعاً بشرط أن لا يكون قد ساق معه الهدْي... فإذا تحوّل أدّى عمــرةالتمتع    وأحرم بالحج بعد ذلك قال ابن القيم في الزاد: ( ثم ندَبَهم ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ عند دنوّهم من مكة إلى فسخ الحج (المفرد) والقِران إلى العمرة( عمرة التمتع) لمن لم يكن معه هدْي ثم حتّم ذلك عليهم عند المروة ) .

    أما إذا ساق الهدْي معه من الميقات فإنه لا يتحوّل و يبقى على قِرانه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

الإفراد :

وهو أن يحرم بالحج وحده مفرداً ، ولا يلزمه هدْي .  و له أنْ يتحوّل من هذا الحج إلى العمرة متمتعاً ، ثم يحرم للحج فيما بعد ، ويلزمه هدْي . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحول للتمتع بعد أن أحرموا بالحج . وفي جواز التحوّل مزيدٌ من المرونة واليسر .   والحج ذاته بالإفراد فيه تيسيرأيضًا لِمَن احتاج إليه ، والمناسك  في الإفراد كالمناسك في القِران ، و يمكن أن يُحرِم بالحج المفرد من لا يتيسر له الهدْي و لا بَدَلُه ، لأنه لا هدْي فيه ، و تبقى عليه العمرة ، فإذا لم يكن أدّاها في فرصة سابقة فيمكن أن يؤديها في فرصة لاحقة، أو يُؤدّيها بعد الحج إذا ذهب الزحام .

 

                              النسُك الأفضل  

 

     يرى أحمد أن التمتع أفضل وله سلف من الصحابة ، ويرى مالك والشافعي والأوزاعي وغيرهم أن الإفراد أفضل ولهم سلف من الصحابة ، ويرى أبو حنيفة وسفيان وٍإسحاق أن القران أفضل . ويرى أحمد في رواية له أن القِِِران أفضل إن ساق الهدْي ، وإن لم يسقْه فالتمتع أفضل . و لعلّ هذا القول الأخير لأحمد هو الأرجح فهو يجمع بين الروايات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدْي وقرَنَ ، وأمر أصحابه الذين لم يسُوقوا بالتمتّع .  ولا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأمر إلا بما هوأفضل ، بل ثبت أنه تمنّى أنه لم يسُق الهدْي لكي يكون متمتعاً ، مما يعني أن التمتع أفضل على الإطلاق ؛ لأنه أداءٌ لِنُسُكَين في سفر واحد وموسم واحد وهو أقرب ليٍُسْر الإسلام ، وفيه مخالفة للجاهلية التي كانت تعدّ هذا الجمْع من أفجر الفجور ، كما أن فيه دفْعاً لمشقة استمرارالإحرام التي قد تطول في حال القران والإفراد .  ومشروعية التحوُّل و مُرُونته ـ كما سبق ـ فيها إمكان التحوّل إلى النسك الأفضل أو الأيسر .       

التلبية

شعار الحج ، ويستحب الإكثار منها في كل وقت بعد الإحرام حتى للجنب والحائض ، ويستحب رفع الصوت بها لِمَا ورد في ذلك ، والمرأة تُسْمِع نفسها ومن بجوارها من رفيقاتها ، ويرى ابن حزم أنها ترفع مستدلاًًّ بقصة لعائشة و تبعه الألباني .    ووقت التلبية من وقت الإحرام إلى أول رمْي جمرة العقبة للحديث المتفق عليه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعَل ذلك . ومعنى ( لبيك اللهم   لبيك ) : إجابةً لك بعد إجابة . وأما المعتمر فيلبِّي حتى يستلم الحجر لحديث ابن عباس أيضاً عند الترمذي وقال : صحيح .

الاشتراط في الإحرام وحكمه وحكم فوات الحج

يستحب للمحرم الاشتراط عند الإحرام إن خشي أن يَعُوْقَه عائق أو يُحْصَر عن إتمام الحج أو العمرة بسبب.. كالمرض ، أو العدوّ ، أوحدوث حادث،أو ضياع نفقة ، أو حبْس ، أو موت محْرم المرأة ، لحديث عائشة أن ضُبَاعة لما كانت شاكية قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( حُجّي واشترطي أن مَحِلّي حيث حبَسْـتـني ) متفق عليه . ومن فعَل ذلك فإنه يحل ولا دم عليه ، وإذا لم يشترط فيلزمه دم ، فإنْ عجَزَعنه صام عشرة أيام كالمتمتع كما قال بعض العلماء ،  وإذا كان العائق قد منَعَه من أداء الفرْض، فعليه الأداء عند زوال العائق والتمكُّن من الأداء ، أما إذا كان متطوّعا فلا يلزمه ذلك ، وإذا كان قد ساق هدْيا فإنه يذْبحه حيث أُحْصِر ويُغْنِي عن الدم الواجب عند عدم الاشتراط في الإحرام . و من فاته الحج بفوات الوقوف بعرفة الذي آخر فُرْصةٍ فيه لحظة يسيرة قبل فجر يوم النحر(العاشر من ذي الحجة) ، فإنه يتحلّل من إحْرامه بعمرة ، وإنْ ساق هدْياً فيذبحه ، وإنْ كان الذي فاته فرْضاً فعليه الحج في العام القادم وعليه دم، فإنْ لم يجد صام كالمتمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .

الطواف

وهو خمسة أنواع : للقدوم وللعمرة وللإفاضة وللوداع وللتطوّع . فأما طواف القدوم فيكون للمفرد بالحج وللقارن بين الحج والعمرة وهو سُنة . وأما طواف العمرة فهو ركنٌ من أركان العمرة سواء عمرة التمتع أم العمرة المفرَدة خلال العام  . وأما طواف الإفاضة فهو ركنٌ في الحج ، ويبدأ وقت أدائه يوم النحر .  وأما طواف الوداع فيكون في خاتمة أفعال الحج وهو واجب يلزم بترْكه دم ويسقط عن الحائض ، ولا وداع في العمرة . وأما طواف التطوّع فيكون في أيّ وقت .  ويستحب في طواف القدوم أو طواف العمرة الرَّمَل وهو الإسراع في الأشواط الثلاثة الأولى (ما عدا في المسافة بين الركن اليماني والحجر الأسود فيمشي ) ، كما يستحب في هذين الطوافين الاضطباع وهو كشف اليد اليمنى كاملة مع الكتف ، وليس على النساء رمَل ولا اضطباع .

 

 

 

شروط الطواف

الطهارة من الحدثين لأنه كالصلاة ، وتنتظر الحائض والنفساء لِطواف العمرة أو طواف الإفاضة حتى تطهر ، وأما طواف القدوم فيسقط لأنه سُنة ، ويسقط عنها كذلك طواف الوداع للحديث الوارد في ذلك . كما أنه يسقط عنها شرط الطهارة وتطوف طواف العمرة أو طواف الإفاضة للضرورة إذا خشيت سفر رُفْقتها كما قال ابن تيمية وابن القيم وليس عليها شيء . ويُشترط كذلك للطواف ستْر العورة ، وأن يكون الطواف سبعة أشواط ، وإذا شك في العدد بنى على الأقل ، ولا يضر الانقطاع بين الأشواط لصلاة الجماعة أو للاستراحة ونحو ذلك .

ويُشترط أن يبدأ الطواف من الحجَر الأسود وينتهي إليه في كل شوط ، وأن يكون البيت(الكعبة) عن يسار الطائف . وأن يكون الطواف خارج البيت خارج الحِِجْرالواقع شمال البيت ؛ لأن الحِجْر من البيت . وإذا أحْدثَ توضأ وبنَى على الأشواط السابقة .

سنن الطواف

من سننه تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه إن أمكن بدون مزاحمة، أو استلامه باليد وتقبيل اليد ، أوالاكتفاء بالإشارة إليه ، والتسمية والتكبير عند التقبيل أوالاستلام أوالإشارة . واستلام الركن اليماني باليد إن أمكن دون تقبيل ، و لايُشْرع استلام أيّ موضع آخر لا في الكعبة و لا في غيرها من بقاع الأرض كما نقل الألباني عن ابن تيمية ، ويفعل ما سبق في كل شوط ، ومن السنة الدعاء والذكر في الأشواط ، ولا يوجد في الطواف ذكْر محدّد ، إلاّ أنه وَرَد الدعاء بين الحجر الأسود والركن اليماني     بـ ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) في الحديث الذي رواه أبو داود وهو صحيح كما ذكر الألباني . ويُشرع إلصاق الوجْه والصدْر والذراعين على المُلْتَزَم ، وهو جدار الكعبة الذي بين الحجر الأسود وباب الكعبه إنْ أمكن ذلك ،ويدعو بما شاء ، وقد ورَد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وجمْع من الصحابة رضي الله عنهم كما قال الألباني ،  وبعد الطواف يقرأ(واتخذوا من مقام إبراهيم مُصلّى) ويصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن أمكن وإلا أينما تيسر في المسجد ويقرأ في الأولى سورة الكافرون وفي الثانية الإخلاص . و يعود لاستلام الحجر الأسود و يشرب من ماء زمزم لأي نيّة صالحة للحديث و يصب على رأسه منه ، (كما ينقله معه في سفَره ويُهدي منه .. لِما وَرَد في ذلك)، ثم يتجه للصفا إذا كان يريد السعي . ويجب أن تطوف النساء معتزلات للرجال ، ويجوز الركوب في الطواف على عرَبة و نحوها ، وأن يُطاف بالمريض والعاجز محمولاً .

السعي بين الصفا والمروة

وهو ركن في كل نوع من أنواع الحج (في الأنساك الثلاثة) ، وركن في العمرة ، والركن يلزم أداؤه ولا يجبره دم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ) رواه أحمد والدارقطني والحاكم .

شروط السعي

أن يكون بعد طواف ، وهنالك من العلماء من أجاز تقديم السعي على الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ( لا حرج ) كما عند أبي داود بإسناد صحيح . كما يُشترط أن يبدأ السعي من الصفا وينتهي الشوط في المروة ويستوعب ما بينهما ، ثم يبدأ الشوط الثاني من المروة وينتهي في الصفا ، وهكذا حتى تكتمل الأشواط ، ويشترط أن يكون السعي في موضع السعي ( الوادي ) ، وليس في خط آخر . ولابد من إكمال سبعة أشواط ، ويبني عند الشك على الأقل ، ولا يضر الفصل لصلاة الجماعة أو للاستراحة أو نحو ذلك .

ولا بد من السعي للعمرة المفردة ، ولا بد من السعي للعمرة المتمتَّع بها إلى الحج . وأما القارن بين الحج والعمرة فيكفيه سعيٌ واحد لهما وهو الذي يؤديه بعد طواف القدوم ، فإن سعَى فلا يعيده بعد طواف الإفاضة .

ولا بد من السعي للمُفْرِد في الحج فإن سعى بعد طواف القدوم فلا يعيده بعد طواف الإفاضة .

والمتمتِّع كما سعى للعمرة فلا بد أن يسعى سعياً آخر للحج بعد طواف الإفاضة .

 

سُنن السعي

الطهارة والموالاة ، والرمَل بين العلَمين الأخضرين ( بطن الوادي بين الصفا والمروة ) ، والدعاء والذكرعند الصفا والمروة وما بينهما ، واستقبال القبلة عند الصفا وعند المروة . جاء في حديث جابر عند مسلم فلما دنا ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ من الصفا قرأ ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) و قال: أَبْدَأُ بما بدأ الله به ) فبدأ بالصفا فرقِيَ عليه حتى رأى البيت فاستقبله فوحد الله وكبّره ، وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ) قال هذا ثلاث مرات ودعا بين ذلك ...ثم فعَل على المروة كما فعَل على الصفا اهـ . وينبغي أنْ يدعو و يذكر الله أثناء السعي بما فتح الله عليه ،  فإذا كان هذا سعْي العمرة المفردة أو سعْي عمرة التمتع فإنه عند إكمال الأشواط السبعة يحلق عند المروة أو يقصّر ويتحلل من العمرة .  أما إذا كان السعْي للحج المفرد أو لِحج القِران فإن المفرد والقارن يبقى على إحرامه إلى التحلُّل في يوم النحر .   ويجوز الركوب في السعي ، وأن يكون المريض على عربة أو محمولاً .

يوم التروية

بعد أداء المتمتع عمرتَه بالطواف والسعي والتحلّل بالحلْق أو التقصير فإنه يبقى حلالاً إلى يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة ثم يحرم بالحج ، وأما القارن والمفرد فهما باقيان ـ و لو مع أداء طواف القدوم وأداء السعي ـ على إحرامهما . ومن السُّنة في يوم التروية أنْ يتجه جميع الحجاج إلى منى وهناك يصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجراليوم التاسع من ذي الحجة ويقصُرون الصلوات ولا يجمعون .

الوقوف بعرفة

يتجه الحجاج بعد طلوع شمس اليوم التاسع إلى نَمِرة وهناك يستمعون خطبة يوم عرفة ويصلون الظهر والعصر جمعاً وقصراً وذلك سُنة ، ثم يدخلون عرفة للوقوف ، وهذا هو ركن الحج الأعظم لأنه يفُوت بفوات وقته ، قال  صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال صحيح الإسناد . ويبدأ وقت الوقوف من زوال الشمس ( بعد دخول وقت الظهر ) وينتهي بطلوع الفجر من يوم النحر قال صلى الله عليه وسلم : ( من شهد صلاتنا هذه ـ أي فجر يوم النحر ، اليوم العاشر بمزدلفة ـ ووقف معنا حتى نَدْفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجه وقضى تفثه ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة عن عروة بن مضرّس الطائي . ويجزئ الوقوف بعرفة ولو لحظة يسيرة في الوقت المذكور ليلاً أو نهاراً كيفما حصل . ويُسنُّ إذا كان الوقوف في النهار البقاء إلى ما بعد الغروب كما يسن التهليل والتلبية والتكبير والدعاء والذكر بالمأثور والإلحاح فيه واستقبال القبلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم الصيام للواقف . روى أحمد والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الدعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) . وعند مسلم : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ) . و يُجْزِئ الوقوف في أي موضع في عرفات .

المبيت بمزدلفة

يتجه الحجاج من عرفة إلى المزدلفة وعليهم السكينة ويصلون المغرب والعشاء جمعاً وقصراً وذلك سنة . ثم يبيتون هناك ، وهذا المبيت واجب ومَن ترَكه فعليه دم إلا مَن كانوا معذوريـن ـ كرُعـاة الإبـل والسُّـقـاة والمرضى ونحوهم ـ  فلا يلزمهم شيء . ويستحب بعد الفجر إتيان المشعر الحرام وهو جبل قُزَح بالمزدلفة والإكثار من الذكر حتى الإسفار جداً ( إلى ماقبل الشروق) . قال تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) . ومن السُّنة أنْ  يتجه الحجاج إلى منى قبل طلوع الشمس ، ويسرعون في وادي مُحسّر حيث أهلك الله أصحاب الفيل .

 

أعمال يوم النحر ( العاشر من ذي الحجة )

يجوز لذوي الأعذار أن يخرجوا من المزدلفة بعد منتصف الليل متجهين إلى منى لرمْي جمرة العقبة وللذهاب لطواف الإفاضة قبل ازدحام الناس ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم كما في الحديث المتفق عليه ، وتؤخذ حصى الرمي من المكان الذي يتيسر في منى ، وتكون الواحدة مثل حصى الخذف        ( كحبة الفول ) كما في الحديث عند مسلم ، كما يجوز الأخذ من الحصى الذي رُمي به من قبل . والأصل أن يكون رمْي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من هذا اليوم يوم النحر ، ويجب أن يكون الرمي بسبع حصيات ، ومن السُّنة أنْ يقطع التلبية عند أول حصاة ويستبدلها بالتكبير ، ويكبّر مع كل حصاة ، ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه عندما يرمي ، وبعد أن يرمي لا يقف عند الجمرة ، ثم يذبح الهدْي إن كان لديه هدْي ثم يحلق أو يقصر ، ولا تحلق المرأة ، ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ، وهو ركن من أركان الحج ووقته ممتد ، ولا ينقضي إلا بالأداء ، ويُسن أن يكون في يوم النحر . وعندما ينتهي الحاج من رمْي جمرة العقبة يحلّ له كل شيء إلا النساء للنصوص الواردة ، فإذا طاف طواف الإفاضة حلّ له كل شيء بما في ذلك النساء . والسنة أن يرتّب الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف ، فإن قدّم شيئاً على شيء فلا حرج كما أفتى النبي صلى الله عليه وسلم .   والمفرد والقارن لا يسعيان بين الصفا والمروة بعد طواف الإفاضة إذا كانا قد سعَيَا بعد طواف القدوم ، وأما المتمتع فيسعى بعد هذا الطواف سعْي الحج وهو ركْن ، لأن السعي السابق هو سعي العمرة .

ذبْح الهدْي

وهي شاة عن الشخص، والبعير أو البقرة عن سبعة . والحديث الذي ذكَر أن البعير عن عشرة شاذّ كما قال الألباني .    والهدْي واجب على المتمتع      وعلى القارن ، أما إفراد الحج فلا يلزم فيه هدْي .     ويجوز الذبح في أيّ مكان في منى أو مكة وفي أيّ يوم من أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر بالإضافة إلى يوم النحر،  والسُّنة أن يذبح بنفسه مستقبل القبلة ويُسمّي و يكبّر ، وله أن يأكل من هدْيه ويتزوّد منه لسَـفَرِه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير)، كما يجوز التوكيل في شراء الهدْي و ذبْحه لفَرْدٍ موثوق أو جهة موثوقة  .   فإذا لم يجد المتمتع أو القارن الهدْي أو ثمنه فيصوم ثلاثة أيام في الحج .. يصومها بعد أن يُحْرِم للعمرة أو للقِران ، ويجوز أنْ يصومها في أيام التشريق للحديث ، ويصوم سبعة أيام إذا انقضى الحج وإذا لم يصم الأيام الثلاثة في الحج فيقضيها فيما بعد . و يكون مجموع الأيام عشرة .    كما أن المتطوّع بالهدْي يذبح في الأيام المذكورة .

رمْي الجمرات

على الحجاج رمي الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع في اليومين الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة ، ويبدأ الرمْي بعد الزوال ( عند دخول وقت الظهر ) ، ويبدأ الحاج بالجمرة الأولى الأقرب إلى الخَيف فيرميها ، ثم يتقدم قليلاً عن يمينه ويقوم مستقبلاً القبلة قياماً طويلاً ويدعو ويرفع يديه . ثم يرمي الجمرة الثانية ، ويأخذ ذات الشمال فيقوم مستقبلاً القبلة قياماً طويلاً ويدعو ويرفع يديه ، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها ويجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه كما رجّح الألباني ، ولا يقف عند هذه الجمرة .  ويجوز للحاج الانصراف ( التعجُّل ) في اليوم الثاني عشر ، وإن تأخر فغربتْ شمس اليوم الثاني عشر و هو في منى فيبيت في منى ويرمي في اليوم الثالث عشر الجمرات الثلاث كما سبق . ويجوز لصاحب العذر أن يجمع رمْي يومين بعد النحر بأن يرمي في أحدهما ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص في ذلك لرعاة الإبل كما رخّص للراعي أن يرمي بالليل ، وصاحب العذْر مثله . كما أنه يجوز للضعيف والمرأة والمعذور توكيل غيره في رمي الجمرات . ورمي الجمار واجب فمن لم يرمِ بالكلية فعليه دم ( شاة )، وكذلك من قصّر في الرمي في يوم أو في بعض الحصى بحيث نقصتْ ثلاث حصيات فأكثر كما قال بعض العلماء فيلزمه دم . أي أن الدم واحد فقط سواء في الترْك بالكلية أم في التقصير ولا يتكرر . كما أنه يجوز لمن ترك الرمْي أو قصّر في شيء منه أن يقضي ما تركه أو قصّر فيه إلى آخر يوم من أيام التشريق ، فإن قضى لم يلزمه دم كما في أصح أقوال أهل العلم .

المبيت بمنى أيام التشريق

وهو واجب ويلزم بتركه كله أو بعضه دم إلا لمن كان له عذر فليس عليه شيء ، ويكفي أن يبيت في كل ليلة معظم الليل ، وقد رخّص النبي صلى الله عليه وسلم للعباس من أجل سقايته كما في الحديث . قال النووي في ( المجموع ) : من ترك مبيت مزدلفة أو منى لعذر فلا دم .

 

 

الحلْق أو التقصير

وهو واجب، والحلق أفضل إلا للنساء فالتقصير، ويكفي في التقصير شعرات . وما كان للعمرة فإنه يفعله عند المروة فإن أخّره فإنه يفعله في أيّ وقت ، فإن وقع في محظور من محظورات الإحرام قبله فإنه يلزمه دم  .       وأما ما كان للحج    فمن السُّنة أن يكون في يوم النحر ، ثم يمكن فِعْله في أي زمان ومكان، فإذا أخّره إلى بلده حَلَق ولزمه دم كما قال بعض العلماء ، و ليس التحلُّل من الإحرام به وإنما برمْي جمرة العقبة للنصوص كما سبق .

بعد الانتهاء من أعمال الحج

يبقى الحاج ما كتب الله له في مكة ويصلي في الحرم ما استطاع ؛ لأن الصلاة بمائة ألف صلاة ، ثم يطوف الوداع عند سفره وهو واجب يلزم بتركه دم إلا الحائض فيسقط عنها .

أركان الحج وواجباته

أركان الحج أربعة : الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي .      والإحرام لابد أن يكون قبل الوقوف ، و الوقوف وقته محدود بيوم عرفة وليلة النحر ، وأما طواف الإفاضة والسعي فيمكن أداؤهما في أي وقت بعد وقتهما المسنون  ، ويمكن أن يعود الحاج لأدائهما أوأداء أحدهما من بلده لو سافر ، وإذا كان قد اتصل بزوجته فيلزمه دم ( شاة ) ، أما إذاكان هذا الاتصال قبل الوقوف بعرفة كما سبق فإنه يُفْسِد الحج، و مع ذلك يحب ذبْح شاة واستكمال أعمال هذا الحج الفاسد ، ثم قضاء هذا الحج من العام القادم من الرجل والمرأة ، ما دامت المرأة كانت حاجّة معه ، و إذا كان الاتصال بعد الوقوف فلا يفسد الحج ، ولكن يجب نحْر بَدَنة .

  وأما واجبات الحج فهي خمسة : الإحرام من الميقات ، والمبيت بمزدلفة ، والمبيت بمنى ، ورمْي الجمار ، والحلق أو التقصير ، ويلزم بترك أيّ واجبٍ منها دم ، ولا بدّ أنْ يتم في الحَرَم (في مكة) تقْديم الدم الذي يلْزَم لِجَبْرِالواجب .. أصالةً أو وكالةً ، اداءً أو قضاءً  ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( من ترك نُسُكًا أو نَسِيَهُ فعليه دم ) رواه مالك والطحاوي وغيرهما ، وذكر الألباني أنه صحيح . وله حكم الرفْع لأنه لا يقال من قبيل الرأي .

 

أركان العمرة

ثلاثة : الإحرام والطواف والسعي ، ولا تتم إلا بها ، ويعود للطواف والسعي من بلده لو سافر قبل إكمال الأداء ، ويلزمه دم إذا وقع في محظور من محظورات الإحرام قبل أداء الطواف أو السعي ، إلا إذا كان هذا المحظورهو الاتصال بالنساء فإن العمرة تَفْسُد وعليه استكمالها ويلزمه دم ، ثم يقضيها بعمرة جديدة . وللعمرة واجبان : أن يكون الإحرام من الميقات ، والحلق أو التقصير ، ويُجبَران بدم ، وإذا عاد إلى الميقات قبل طواف العمرة فلا دم . كما أنه إذا حلق أو قصّر متأخراً بعد سعي العمرة وقبل أن يقع في محظور فلا دم وإن طالت المدة كما مرّ من قبل . 

  فأسألوا أهل الذكر

     ويجب على الحاج سؤال العلماء عمّا يجْهله ، كما ينبغي له اصطحاب شخص أو رفْقة ممن عندهم علْم بالحج والعمرة ومناسكهما أو يصطحب كتاباً صغيراً موثوقاً مثل كتاب الألباني في الحج أو كتاب ابن باز من أجل أن يراجع فيه المناسك والأذكار المأثورة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) رواه مسلم و الخمسة . وعليه التحرّي فلا يقول قولاً و لا يفعل فعْلاً إلاّ إذا علم دليله ، أو أخبره به عالم ثقة ملتزم بالسنة ، ولا يغترّ بأعمال وأقوال الناس المخالفة ، قال تعالى:(فاستقم كماأُمرت) ، وقال صلى الله عليه وسلم :(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ) متفق عليه .

زيارة المسجد النبوي

سُنّة ولا علاقة لها بالحج ، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة ، و لذلك كان من السُّنة السفر إليه، وكذلك من السنة السفر إلى المسجد الأقصى  ... ومن زار المسجد النبوي زارقبر النبي صلى الله عليه وسلم وزار قبرَي صاحبيه رضي الله عنهما ، وأثناء بقائه في المدينة يمكن أن يزور مقبرة البقيع التي فيها كثير من الصحابة و مقبرة شهداء أحد ،وجبل أحد ، ومسجد قباء ، للأحاديث الواردة في ذلك ،  و اقتداءً بالنبي عليه الصلاة و السلام . وتكون الزيارات على النحو المشروع مع الحرْص على الابتعاد عن البدع والشرْكيات والخرافات .  وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن اتخاذ قبره عِيداً فكيف بغيره ؟ ... وقال سبحانه : ( فلا تدعو مع الله أحدا) وبالله التوفيق .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

               

 .................................................                                        

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©