لماذا لا يصبح القرضاوي مُرْشِداً لمصر؟

بتاريخ 23 من ربيع الأول 1432هـ الموافق 25 فبراير 2011م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

     الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .

     أما بعد : فقد خطر في ذهني أن أكتب هذه المقالة تقرُّبًا إلى الله تعالى واستباقًا للخير ، فإن قدّر الله لها القبول فذلك ما أبتغيه ، وإلا فلن يفوتني إن شاء الله أجر النية والأخذ بالسبب ، وأستغفر الله للخلَل  و الشوائب و التقصير، و الله سبحانه غفورٌ شكورٌ حليم، و قد استخرتُ الله في الكتابة، و أسأله سبحانه الإخلاص والقبول.

     إن المسلمين يعلمون في أرجاء العالم الإسلامي كيف قطَف الشيعة في إيران ثمرة حركتهم فأقاموا دولتهم ، والأكبر من ذلك أنهم أقاموا مرجعيتهم الدينية على رأس هذه الدولة منذ أكثر من ثلاثين سنة و نجحوا في ذلك إلى اليوم . و نحن أهل السنة بالمصطلح الواسع نساوي تسعين في المائة تقريبا من أمة المليار و النصف فهل نعجِز عما لم تعجِز عنه الأقليات لاسيما مع تيسير الله سقوط بعض الطغاة في بلاد أهل السنة و في مقدمتها إقليم مصر البلد المِحْوري في العالم الإسلامي قديمًا و حديثًا ..  

     فلماذا لا يُقَدِّم إخواننا في مصر.. بلد الخمسة و الثمانين مليوناً من البشر وبلد الطاقات و الكفاءات و المؤهلات .. بلد الملايين من الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى  الرائدة في العالم الإسلامي .. لماذا لا يقدِّم إخواننا المصريون مُرشداً لمصر للتوجيه و الإرشاد والصيانة ورعاية الدولة بعد أن ذاق شعب مصر أنواع الابتلاء وتنفس الصعداء بفضل الله تعالى رغم كل المؤامرات؟

    ألا يستحق شعب مصر المسلم أن يجني ثمار تضحياته ويحافظ عليها ويحرسها بالمرجعية الأمينة ، بدلاً من رَهَق المراقبة المليونية المستمرة للنظام الذي لا يزال فيما عدا إطلاق الحرية يكاد أن يكون امتداداً للنظام السابق ؟

     إن إقامة مُرشدٍ في مصر المسلمة ليس أصعب من الابتلاءات التي حصلت له ، و لا يجوز إهمال هذه الفرصة لاسيما و هنالك رموز من علماء مصر هم محل قبول واسع ، وفي مقدمتهم الشيخ القرضاوي الذي حضر له في يوم الجمعة الملايين ، والشيخ وإن كنا نُخالِفه ويُخالفه الكثيرون في العالم الإسلامي في الكثير من القضايا ، إلا أنه لا يكاد يخالفُ أحدٌ في أنه اليوم من أبرز علماء أهل السنة بالمصطلح الواسع ، وأنه شجاع ، و قد نفع الله به في عدد من مؤلفاته و فتاواه ، في مجالات متعددة , وفي قضية فلسطين ، و في مواجهة الصليبيين والشيعة ... إلخ . فكما أننا لا نظن أن أحداً من أهل السنة يُمانع من الصلاة خلفه ـ رغم بعض اجتهاداته وآرائه ـ و قد صلى خلفه الملايين وسط القاهرة ، فكذلك لانظن المنْع من القبول به مُرشِداً ، و لا نعلم أحدا يبلغ مستواه في هذا القبول ، و هو شخصية جامعة للناس إلى حدٍّ كبير و مقبول عند كثير من السياسيين و كثير من القُوَى ، و جامعٌ لأطراف الشروط والكفاءة و معرفة العصر إلى حدٍّ كبيرٍ أيضا ، وذلك فيما نظن، و لا نُزكي على الله أحداً.

     و مراعاة المصلحة القطعية العظمى في إعادة المرجعية الدينية (الخلافة)بعد عقود من غيابها  وإرساء ذلك المبدأ على شخصية مقبولة في الجملة هو فريضة الوقت ، و لا حجة للافتراق و الاختلاف بمبرِّرات البحث عن الأَولى أو الأرجح أو الحق الظني .. و عندما لا يمكن التسديد فإننا مُكلَّفون بالمُقاربة ، و السياسة فنّ المُمْكن ، وذلك مقبول شرْعاً مادام المُمْكِن لم يخرُج عن إطار الإسلام .

     و لا ننكر تساهلات القرضاوي التي يراها هو من وجهة نظره تيسيرات ، ويرتاح لها كثيرون ، بسبب أن الناس في آخر الزمان يميلون إلى ذلك ، وتثقل عليهم المَكارِه والعزائم ، دون أن يُخرجهم ذلك من الإسلام ، و ربما كانت هذه الصفة هي التي تجعله مرشّحا للقبول عند هؤلاء الكثيرين ، بحيث تصعب معارضته .

     و توليةُ مرشدٍ أعلى للدولة لا يخوض في المجريات اليومية للسياسة ، و يكون تحت رعايته  ـ كما في إيران ـ رئيس وسلطات وحكومة  وهياكل تابعة لها .. لا شك أنه حتى من الوجهة السلفية خيرٌ من أن تكون المرجعية مدنيةً أو عسكريةً لا تَمُتُّ إلى العلم الشرعي بصلة .

     و إذا جَدَّ الإسلاميون في السعي فليس على الله بعزيز أن يتحقَّق المراد ، و لا يجوز أن يوجد حرَجٌ عند المسلمين أهل السنة في المناضلة للتمكين للمرجعية الدينية ، لاسيما و هم يعلمون أن كثيرين لا يجدون حرَجًا من بذل الجهود للتمكين لأنظمة غريبة .  

     وكلُّ أمة ذات تصميم فإن لها مرجعيتها كما هو معلوم كما ذكرنا في قُمّ إيران و كما في الفاتيكان..  و ليس الخميني و لا الخامنئي  ولا بندكيت أجدر بالوجود من مرشد(خليفة) لأهل السنة ، وكما قبِل العالَم أولئك فلا بد أن يقبل بهذا بوجهٍ أو بآخر ، عاجلاً أو آجلاً .

    قال تعالى : (فلا يكن في صدرك حرَجٌ منه...) الأعراف . و قال تعالى : (إن الله يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها) النساء. و قال تعالى : (وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) النور .

     و لعل هذا عصر الظهور الإسلامي فقد أظهر أهل غزة مشروعهم الإسلامي و أظهرهم الله ، وأظهر المجاهدون الأفغان مشروعهم الإسلامي و أظهرهم الله ، وصارت الدول الكبرى هناك تلْعق جراحها ، وتبحث عن مَخْرَج من المستنقع ، وأما تركيا فإنها أضحتْ تمجِّد العثمانيين وتحاول إعادة مجدهم ، وصلّى القرضاوي الجمعة بالملايين وسط القاهرة ، وتفاءلوا بالصلاة المليونية في القدس ، وياليتهم أكملوا الصورة فبايعوا القرضاوي مرشدا ..  إن هذا عصْر الظهور الإسلامي إن شاء الله، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة .  و قال سبحانه : (و الله غالبٌ على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف .  

     و قال الشاعر: 

و ما نيلُ المطالبِ بالتَّمَنِّي  ***  و لكنْ تُؤْخَذُ الدنيا غِلابا

     و يمكن من الناحية العملية أن يتداعَى الذين صلوا الجمعة مع القرضاوي إلى الالتقاء في جمعة قادمة ، كما يدعون غيرهم أيضاً ، ثم يدعون الشيخ القرضاوي للحضور و الخطبة و الصلاة بهم ثم يبايعونه مرشدا (خليفة) ، ثم لن يملك الباقون بعد ذلك إلا التسليم ، لأن الخروج عليه سيكون بغْياً ، و هذه هي الصورة التلقائية المبسَّطة التي اعتادها المتظاهرون المصريون في الفترات الماضية لتحقيق مطالبهم بإذن الله ، أما إذا رتَّبتْ لذلك الجماعات الإسلامية فإن الأعداد ربما تتضاعف .

     و النموذج الناجح لرعاية الشيخ حافظ سلامة للإدارة في مدينة السويس يمكن أن يظهر بصورة مُكَبَّرة في مصر كلها .. وبالله التوفيق .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©