مرحباً بالمروج والأنهار

 

لصحيفة صوت الإيمان  في 26 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 9 مايو 2010م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

     كانت جزيرة العرب مروجاً ، وكان الرَّبْع الخالي مأهولاً :

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا ) رواه أحمد وأصله في مسلم .

     أرض العرب هي شِبْه جزيرة العرب ، لأن العرب في الأصل نشأوا بها ، ومنها هاجروا إلى بقاع الأرض , وقد كانت في الماضي مأهولة كلها ، وكانت مروجاً وأنهاراً بدلالة الحديث .

     وكذلك بدلالة القرآن ، قال تعالى بخصوص الأرض التي بين دولة سبأ وبين الشام وهي اليوم من أطراف صحراء الرَّبع الخالي : ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ، فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ، وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) سبأ .

      كان السبئيون ينتقلون إلى الأرض المباركة أرض الشام عَبْرَ أطراف المنطقة التي هي اليوم الرَّبْع الخالي ، وكان تلك الأطراف قُرًى ظاهرة متقاربة ، إذا نزل المسافر في قرية ظهرتْ له الأخرى ، فلا يحتاج المسافر إلى الزاد ولا إلى الحماية ، بل كان يسافر الليالي والأيام في وجود الطعام والأمان . ولكن السبئيين بَطِروا النعمة ، وملُّوا العافية ، فسـألوا الله أن يباعد بين أسفارهم ، وهذا من الشقاء وظلم النفس أن يدعو المرء على نفسه ، فكانت النتيجة أنْ أزال الله النعمة وجعلهم أحاديث وعِبَراً .

     التوافق بين قَدَر الله في إجابة الدعاء وقَدَر الله في العقاب :

     ووافق ذلك موعد سنة الله في الدورة المناخية في تصحُّر هذه المنطقة . فالتقى قَدَر إجابة دعاء البَطَر مع قَدَر دورة المناخ ، تماماً كما التقى قَدَر إجابة دعاء بعض صناديد قريش ( كان في الحقيقة دعاءً على أنفسهم ) مع قَدَر الله في نصْر نبيه وعباده المؤمنين في بدْر ، قال تعالى : ( إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ ، وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ، وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ ، وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ ، وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال .

     وكما حدث التوافُق بين قَدَر دعاء الأعرابـي على نفسه حين زاره النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين قَدَر الأجل عقاباً له .. روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ ، قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ : ( لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) . فَقَالَ لَهُ : ( لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) . قَالَ : قُلْتَ : طَهُورٌ ، كَلَّا ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَنَعَمْ إِذًا ) .

     قال الحافظ في ( الفتح ) : وأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْره ... وَفِي آخِره  فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا إِذَا أَبَيْتَ فَهِيَ كَمَا تَقُول ، قَضَاء اللَّه كَائِن ، فَمَا أَمْسَى مِنْ الْغَد إِلَّا مَيِّتًا ) .

     النهي عن الدعاء بالضَّرَر:

      وروى مسلم وغيره عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ ، وَكَانَ النَّاضِحُ ـ الجمَل ـ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ ، فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ فَقَالَ لَهُ : شَأْ ـ كلمة زجْر ـ لَعَنَكَ اللَّهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ؟ ) قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : ( انْزِلْ عَنْهُ ، فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ .. لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) .

     تحقُّقُ المعجزة النبوية بعودة بلاد العرب مروجا وأنهاراً :

     والصحراء الواسعة في شبه جزيرة العرب تسمَّى الرَّبع الخالي بفتح الراء المشدَّدة , كما ذكرنا ، والرَّبْع هو المكان المأهول ، مما يدل على أن التسمية تاريخية وأن هذا المكان في الماضي كان مأهولاً ثم صار خالياً .

     وحديث النبي صلى الله عليه وسلم بعودته مروجاً وأنهاراً معجزة ، وقد سمعت الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله عِدَّة مرَّات ، آخرها قبل فترة قريبة ، أنه في حواره مع الجيولوجي الألماني الشهير ألفِرِد كرونر في سنة 1401هـ الموافق 1981م في جَدَّة ذكر له هذا الحديث ، فأقرّ بأن ذلك حقيقة علمية ، وأن جزيرة العرب سوف تعود مروجاً وانهاراً خلال بضع عشرات من السنين ، قال : ولم أُفارِقْه حتى شهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

     وهانحن أولاء وقد مرَّ على هذا الحوار ثلاثون سنة نرى أن الأمطار تزايدت على بلدنا وعلى بقية شِبْه جزيرة العرب خلال هاتين السنتين مِمَّا نظن أنه تحقُّقٌ للمعجزة النبوية .

    التفاؤل بتحسُّن الأوضاع رغم المؤمرات وبلحوق الضرر بالقات وبمن يستحقون العقوبات :

    إننا نتفاءل مع كثرة الأمطار بتحسُّن الأحوال إن شاء الله ، وإفشال التآمر على المسلمين من المنظمات الدولية التي تنصح بلدنا مثلاً بالمزيد من جرعات الفقر ، وكذلك نتفاءل مع كثرة الأمطار بتعويض المياه الجوفية إن شاء الله ، و أن تزايُد الأمطار سوف يُخَفِّفُ مع الأيام من تلوُّث هذه المياه ومن تلوُّث الأراضي التي تلوَّثتْ في الماضي بالمجاري ، و سوف يُخَفِّفُ من تلوُّث المحاصيل بالمبيدات العشوائية ، فالله رحيم بعباده ، وقد عوّدَنا سبحانه الفَرَج ولاسيما في هذا البلد، لأن نَفَس الرحمن من قِبَل اليمن  كما في الحديث عند أحمد والطبراني، الذي ذكر الألباني أنه صحيح .

     ولقد كنا في الأصل نخشى مع شِحَّة الأمطار من نضوب المياه الجوفية ، لاستهلاك كثير من المياه في سقْي أشجار القات .  ونحن الآن نتفاءل بأن كثرة الأمطار سوف تعوِّض المياه الجوفية ، و سوف تُلحِق الضرَر إن شاء الله بهذه الأشجار التي هي بلْوى اليمن ، و ذلك لأن إغراق هذه الأشجار بمياه الأمطار الغزيرة  سوف يُفْقِدُها إن شاء الله المَذاق والتأثير المُركَّز و الكَيْف المطلوب منها عند المدمنين ، و كذلك سوف تَبُورُ سُوقها مع الوفْرة بسبب كثرة المطر .

    وكذلك قد تنـْزل العقوبات ببعض الجهات في جزيرة العرب ـ كما قد حصل ـ بالفيضانات وبالإعصار مع الأمطار نتيجةً للمعاصي والذنوب .. التي منها شيوع المظالم و أنواع الفساد  ، و الإصرار على مشروعات الاختلاط في التعليم  وسائر المجالات ، و الإصرار على إطلاق الحريات التي تعني الانفلات ، من أجل التمكين للانحرافات و للحوارات المسمومة  وللأفكار الدخيلة ، وللتشكيلات الهدَّامة  ، والإصرار على تحجيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !.. و نتفاءل بأن هذه العقوبات ربما تَرْدَع المُصِرِّين و لعلهم يَنـْزَجِرون ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©