أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون

 

 

29/3/1428ــ17/4/2007

بدأت تجربة الحلال والحرام والتساهل والالتزام مع الإنسان منذ بدايته الأولى في الجنة . منذ كان آدم وحواء حين أبيح لهما ما في الجنة ، وحرّمتْ عليهما شجرة واحدة . والحرام عادةً تحيط به عوامل إغراء وجذب ، فوسوس لهما الشيطان ومارَس معهما الإغراء وأقسم لهما بأن هذا الحرام إنما هو حرمان لهما من فرصة التحول إلى ملَكين أو الصيرورة من الخالدين ، فكان الانخداع بالإغراء وإذا بالنتيجة تأتي عاجلة وهي فقدان الستر وفقدان نعيم الجنة . وهبط الإنسان إلى الأرض ومعه الشيطان بخداعه وإغرائه، ومعه الابتلاء بالحلال والحرام وبالتساهل والالتزام على نطاق أوسع ومع مساحة من الشبهات . وبقيتْ مع الإنسان الذكرى في التجربة الأولى التي كانت نتيجتها معروفة . قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ) . والابتلاءات في دنيا الناس كثيرة ، وفي كل مرة تتكرر التجربة فهنالك من ينجح فلا يلتفت إلى الإغراءات المزيفة ولا إلى تخديرات شياطين الإنس والجن فيظل عازفاً عن المحرمات متقيّاً للشبهات ملتزماً غير متساهل ، وهنالك من رَسَب فيتجاوب مع الإغراءات ، ويستسلم للمخدرات فيفقد بتعاطيها صوابه وقدرته على التمييز فيسترسل في التجاوب مع الخداع وهو سكران ، ويتناول الطُّعم فإذا هو قد صار داخل الشبكة ، وقد لا يكتشف أنه في المصيدة إلا بعد فوات الأوان .

إن كيد ومكر ووسوسة شياطين الإنس والجن المغلّف بالإغراءات والتخديرات لا يتوقف ، وهو فوق كل ما يتوقعه الكثيرون بكثير ، قال تعالى : ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) . وفي مقدمة هؤلاء الشياطين شياطين أهل الكتاب ، قال تعالى : ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) وقال سبحانه : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) . وهنالك القابلية في البشر للانجذاب أمام الإغراءات والوسوسة ، فإذا كان انجذَب آدم وحواء فغيرهما أكثر قابليةً لذلك ، قال تعالى : ( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ) . ولذلك حذّرنا سبحانه تحذيرات كثيرة من ذلك وبأشدّ أنواع التحذير فقال سبحانه على سبيل المثال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
كَافِرِينَ ) . وقال سبحانه : ( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) . وحذّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من قابلية ابتلاع الطعم ثم الدخول في الشبكة وجحر الضب فقال : ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذارع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ؟ ) . وحذّر سبحانه المندفعين من عقوبة التبلُّد والفتنة إلى درجة الغفلة عن الخطر في غمرة النشوة والتخدير والسُكْر، بل التَّغنِّي بالخطر والانسجام معه ، فقال سبحانه :
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) . وقال سبحانه : ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) . وفَرَض ربنا جل وعلا تنبيهاً متكرراً يوميّاً على مستوى كل ركعة في كل صلاةِ فرْضٍ ونفْلٍ مضمونهُ واضح لا لَبْس فيه باجتناب طريق المغضوب عليهم والضالين . ومع ذلك نجد ضحايا كثيرة سكارى بالمستوردات، وأسارى للمنظمات والسفارات ، منظمات وسفارات المغضوب عليهم والضالين دون تحرُّج أو حساسية ، بعد أن ابتلعوا الطُّعم فخدّرَهم فصاروا يجادلون عن المستوردات في مجالات السياسة والاقتصاد والمرأة وهيكلة المجتمع ... الخ وصاروا يتراجعون بالتدريج عن اهتماماتهم الأصلية ، وبعضهم يتراجع عن هُوِيَّته الأصيلة ، فغابت مصطلحات الشرع وأحكامه عن لغتهم ، ولم يعودوا يتحدثون بإيجابية عن الدعوة والدعاة ، ولا عن العلم والعلماء ، ولا عن الأنبياء والصحابة ، ولا عن الإيمان والكفر ، ولا عن القرآن والسنة ، ولا عن الجنة والنار واليوم الأخر ، ولا عن الولاء والبراء ، ولا عن العقيدة والعبادة ، ولا عن الشريعة والفقه ، ولا عن الحلال والحرام ، ولا عن الفرائض والنوافل ، ولا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا عن الأخوة والنصيحة ، ولا عن رسالة المسجد ونحو ذلك ... ولم يعودوا يهتمون بقضية الحجاب والحشمة ، ولا بضرورة محاربة الربا والخمر والتبرج والاختلاط وجلساء السوء والتدخلات الأجنبية ... الخ ، وخلطوا المفهومات ، وخلطوا الأوراق فلم يعودوا يفرقون بين المطيع والعاصي ، ولا بين المتدين والمنفلِت ، ولا بين المحتشمة والمتبرجة ، ولا بين الطرح الإسلامي والطرح العلماني ، ولا بين حضور الندوات الإسلامية والندوات المحاربة للإسلام ، ولا بين نشر مقال منضبط بالشرع  أو مقال مناقض له ، ولا بين الترويج لقصيدة عفيفة أو قصيدة منسلخة ، ولا بين مقابلة عدو للإسلام أو داعية له ، ولا بين الأغنية والأنشودة ، ولا بين الصورة الجائزة والصورة الخليعة ، ولا بين مصافحة المرأة من المحارم ومصافحة الأجنبية ... ! ذهولٌ وفقدانٌ للتمييز وهذيانٌ وعدم اتزان في الأقوال والأفعال في كثير من الأحيان ... حالةٌ أشْبَهُ ما تكون بعدوٍّ أسَرَ أشخاصاً فحقَنَهم بالمخدّر أو ضللّهم بالسحْر فأصبحوا منطرِحين له ، موظِّفين لطاقاتهم معه وهم لا يشعرون بعداوته ، متنكرين لإخوانهم ، يعتقدون عداوتهم ويكيدون لهم ، وإخوانهم مشفقون عليهم في همّ وغمّ أمام تضاعُف المسئولية عليهم في العمل على إخراجهم من سيطـرة العدوّ ،ّ ومداواتهم ورُقْيَـتهم ثم في إعادة تأهيلهم ... فيا لها من مُكابَدة ! ويا له من بلاء ! إلى أن يأذن الله بالفتح أو أمرٍ من عنده ... وكُلنا للخطر معرّضون فما ندري غداً من هو المفتون ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) . 

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©