الحروب الستة والأوهام

 
                                       بتاريخ 1427/7/28 الموافق 2006/8/22  

 

خاضت دولة اليهود مع العرب ستة حروب منذ نشأتها، وكان مخططاً لهذه الحروب من قبل اليهود وحلفائهم لكي يحقق فيها المغضوب عليهم والضالون أهدافهم، فالحرب الأولى كانت عندما أعلنت دولة اليهود، وجاءت جيوش العرب بأسلحة فاسدة، فكان انهزامها بمثابة تدشين لقيام دولة اليهود وبسط نفوذها، وأما حرب العدوان الثلاثي مع حرب حزيران فقد تأصلت فيها الأسطورة بأن دولة اليهود لا تُقهر، وفي كل من الحربين كانت دولة اليهود تحتل أراضي شاسعة، وثبتت في الثانية على القدس والضفة وسيناء والقطاع والجولان، وكانت ترهب المنطقة بالسفك الذريع للدماء، وفي المقابل كان الإعلام يروج لتخدير الرأي العام بشعارات ومقولات كمقولة عبدالناصر بقذف دولة اليهود إلى البحر، والمقولة بأن الأهم في النصر هو بقاء القيادة الثورية.. إلخ. ثم جاءت حرب العبور المتفق على خطوطها العامة سلفاً بحيث سفكت دماء الطرفين في اليوم المسمى بيوم الغفران اليهودي وما بعده (يوم كيبور) لكي تصنع هذه الحرب من أنور السادات بطلاً من أجل أن يقوم بعد ذلك بأعظم منعطف تاريخي في تاريخ الصراع مع اليهود، ألا وهو تطبيع أكبر دولة عربية مع اليهود واعترافها بدولتهم. وجاءت حرب اجتياح لبنان في المرة الأولى، وكان الغرض لليهود منها في تحالفهم مع طرفين لبنانيين هو طرد معسكرات الفلسطينيين من جنوب لبنان بقيادة ياسر عرفات، وترتيب مجازر لهم كما في صبرا وشاتيلا؛ لأنهم كانوا يشكلون صُداعاً مستمراً لليهود، وهيأوهم للتطبيع. ثم جاءت الحرب الاخيرة، وكان الغرض منها تدمير لبنان (كالثور يُضرَب لما عافت البقر) إرهاباً للناس ومن أجل استنزاف دول الخليج في تعميره، فمنطقة الخليج هي مركز ثروات المسلمين في العالم، وبغض النظر عن تسلط دول التحالف على دول الخليج، إلا أن المؤسسات والأثرياء والشعوب في الخليج هم الداعمون للأنشطة والجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي، وكذلك للحركات الجهادية في فلسطين والشيشان وكشمير والعراق وأفغانستان والفلبين وتايلند وغيرها. والقضاء على هذه الثروات وتشتيتها وإفقار المنطقة هدف إستراتيجي للمغضوب عليهم والضالين، ولذلك دفعت منطقة الخليج فواتير الحروب الثلاثة في الخليج لقوات التحالف، كما أن نفطها تمتصه دول التحالف بلا هوادة، والآن ستدفع المنطقة مليارات الدولارات بأمر هذه الدول لإعادة تعمير لبنان الذي دمرته دولة اليهود. هذا الاستنزاف الاقتصادي المؤدي للانهيار الذي يرافقه تهيئة الأقليات في منطقة الخليج وجزيرة العرب لإثارة الفتن وإذكاء روح التمرد باسم الحوار الوطني والديمقراطية مع وجو ضغط القواعد العسكرية لدول التحالف في المنطقة هو تمهيد للهدف الذي ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية وهو إقامة شرق أوسط جديد، وقد أصبحت ملامحه ظاهرة في الخريطة التي نشرها موقع مجلة القوة العسكرية الأمريكية وعندي نسخة منها، ومن ضمن ما في الخريطة تقسيم معظم جزيرة العرب؛ فالمنطقة الشرقية الغنية بالنفط سوف تصبح جزءاً من دولة شيعستان التي ستنشأ في جنوب العراق، والجزء الغربي من جزيرة العرب سوف يضاف كثير منه إلى الأردن الذي سمته الخريطة الأردن الأعظم لكي يضم وطناً للفلسطينيين كما يبدو، وفي المدينة ومكة أقامت الخريطة دولة سمتها الدولة الإسلامية المقدسة، وهي دولة بلا موارد، كما أقامت وسط جزيرة العرب ونجد دولة كذلك بلا موارد سمتها الدولة المستقلة.

فالحرب الأخيرة من أهدافها إيجاد المخاض للشرق الأوسط الجديد، إضافة إلى التغطية على التدمير الرهيب في الضفة والقطاع وعلى المجازر والاختطافات التي تجري لكوادر حكومة حماس وللشعب الفلسطيني، وقد ذكر ذلك قادة حركة حماس في تصريحاتهم الأخيرة، كما أن من أهداف هذه الحرب التغطية على التصفيات الرهيبة التي تجري في العراق من قوات التحالف وحلفائهم في المنطقة من أجل التمهيد لتقسيم العراق، وتنفيذ خريطة الشرق الأوسط الجديد، ومن أهدافها كذلك إيجاد منطقة آمنة ما بين اليهود ونهر الليطاني في لبنان.

هذه الحرب تجري كسابقاتها تحت تغطية إعلامية مثيرة وإيهام بالنصر وتصريحات من أطراف تعيد إلى الأذهان تصريحات عبدالناصر بأن دولة اليهود يجب محوها من الخارطة، وأن أمريكا وبريطانيا يجب إخراجهما من الأمم المتحدة.. إلخ. والإخراج الإعلامي لذلك كله مذهل والناس منبهرون، بل ومتحمسون وينسون أن الإعلام والسياسية في المنطقة من صناعة أعداء الأمة.. (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال).

إن الحرب الحقيقية الحاسمة مع اليهود لن تخوضها إلا دولة إسلامية تتبنى الإسلام بشموله وصفائه، فهل يعي عقلاء الأمة، ولا سيما بعض القيادات في الجماعات والحركات فيبتعدون عن أن توظفهم المؤامرات الإعلامية وهم لا يشعرون في مزيد من التخدير للأمة والتلبيسات وتوهمات النصر؟

نسأل الله أن يُبصِّرنا جميعاً.

 

 .................................................                                         

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©