حتى يصير الناس إلى فسطاطين

 
                                       بتاريخ 1427/3/20 الموافق 2006/4/18  

 

لعل أمة الإسلام في هذه المرحلة في فتنة الدهيماء التي ورد ذكرها في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وذكر الألباني أنه صحيح، وهذا التشخيص وارد عن بعض العلماء، ونجد في الواقع تصديقاً له، فهذه الفتنة بسبب أحداثها الكبار تعيد تشكيل المسلمين وفرزهم إلى فسطاطين ومعسكرين، وهذا الفرز لا يستثني أحداً، فهو كما يتناول العوام والعصاة، يتناول العلماء والدعاة، وكما أنه قد يذهب ببعض العصاة إلى الفسطاط الإيجابي الملتزم الجادّ في مواجهة العدو، فإنه قد يذهب ببعض العلماء والدعاة والقيادات إلى الفسطاط الآخر السلبي المنحرف المتميع في الموقف من العدو، والفرز متواصل مستمر، ولا غرابة في ذلك؛ فمؤثرات فتنة الدهيماء والابتلاءات فيها كاشفة لمعادن الناس، والجسد الإسلامي في كل الظروف لابد أن يظل حياً يمارس أبرز نشاطاته، وتسلط الإشعاعات الضارة عليه لا شك أنه يخلف آثاراً قد تكون سرطانية، ويستوي أن تتسرطن خلايا في الرأس أو في أي جزء من أجزاء الجسد.

والجسد القويّ المقاوم ـ والجسد الإسلامي كذلك ـ يحاصر هذه الخلايا، ويفرزها على حدة، تمهيداً لعملية إقصائها عن الجسد، وكلما تكررت التأثيرات والإشعاعات، تكررت المقاومة والفرز، ويبقى معيار الصحة هو المعيار الفاعل في الإبقاء أو الإقصاء، وهذا المعيار الحازم لا يجامل خلايا سرطانية في الرأس، كما لا يتنازل عن خلايا صحيحة في القدمين.

وبناء على ذلك فإن فتنة الدهيماء وجدناها تعصف بعلماء ودعاة من الطليعة، كما وجدناها تنظف متعثرين في المنكرات والممالاة للأعداء من أدرانهم وتوقفهم على الجادة.

ومعيار الصحة الحازم في أمة الإسلام هو منهج أهل السنة والجماعة الذي ينتمي إليه في الجملة أئمة وعوام المذاهب الأربعة ومن دار في فلكهم، ولا يؤثر كثيراً في هذا المنهج ما قد يوجد من دخن مشار إليه في حديث حذيفة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والمنتمون لهذه المذاهب ومن هم على طريقتهم هم في الحقيقة الذين يمثلون معظم أمة الإسلام، وربما يصلون إلى أكثر من مليار، ولذلك يطلق عليهم الجماعة، لأنهم جملة الأمة، وقد مدحهم الرسول صلى الله عليه وسلم من بين سائر الفرق التي ستنقسم إليها الأمة، وذكر أننهم متمسكون بما كان عليه الرسول وأصحابه، فهم لذلك أهل السنة، والأمهات الست وكتب الحديث، بعد القرآن هي المرجع المقدس لهذه الجماعة، فهم لذلك أهل السنة والجماعة، وهم المعنيون بقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس). وبقوله تعالى: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق، وبه يعدلون) وبقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه).

وكل من شذ عن هذا المنهج فقد خرج عن أهل السنة والجماعة وفسطاطهم وجسدهم وكيانهم وشذ عن جملة الأمة. ومن أمثلة الشذوذ الذي أفرزته فتنة الدهيماء في أيامنا هذه أن يأتي بعض من كان ينظر إليه الناس أنه من الدعاة فيتبنى الفتوى الديمقراطية للأعداء في أن المرأة لها حق الولاية العامة بما في ذلك إمامة الجمعة والصلاة، أو يتبنى إلغاء حكم شرعي قطعي وهو المنع من تزويج المسلمة بغير المسلم، أو يسعى إلى مزيد من ابتذال المرأة بالتشكيك في الحكم القطعي الشرعي بتغطية رأس المرأة، أو ينكر الأدلة المتواترة بنزول المسيح عليه السلام، والذي تتفق عليه الديانات الثلاث، أو يأتي فيستنكر على الأمة دفاعها عن نبيها تجاه الصور المسيئة أو يستنكر حد الردة. إن هذه الأمثلة من الانحراف يرفضها منهج أهل السنة والجماعة الذي تعتنقه جملة الأمة ومذاهبها الرئيسة، ومن اعتنق هذا الانحراف فإنما يعزل نفسه ويقصيها بانتمائه للفسطاط الآخر، ولابد أن تعمل الأمة ـ وهي عاملة في الحقيقة ـ وفي طليعتها الجماعات الإسلامية على تفعيل هذا المعيار، وهو منهج السنة والجماعة فهو معيار الصحة حتى يعرف الناس من هم الأصحاء ومن هم المرضى، ولا ينبغي أن تفاجأ الأمة أو حركاتها بسقوط بعض قياداتها وعلمائها ودعاتها بفعل الابتلاءات التي هي طبيعة الدنيا، ومنها فتنة الدهيماء، وصدق الله القائل: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).

 
 

 

 .................................................                                       

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©