بعد أن وضعت الانتخابات أوزارها

 
                                       بتاريخ 1427/9/2 الموافق 2006/9/24  

 

 هل آن الأوان لأن يراجع العاملون في الدعوة إلى الله منهجية المنافسة على السلطة من أجل إصلاح   الأوضاع من داخل السلطة، بعد الإخفاقات المتعددة التي حصلت لهم في طول العالم الإسلامي وعرضه؟ إن منهجية المنافسة على السلطة مخالفة لِمَا استقر عليه الإجماع عند أهل السنة والجماعة كما هو ظاهر من كتبهم. وما دامت السلطة في الجملة في دائرة الإسلام التي لم يجزم العلماء الراسخون في العلم بخروجها عنها إلى دائرة الكفر البواح، فالعلاج الشرعي لانحرافاتها هو بالطريقة الأصيلة التي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تزخر بها نصوص الكتاب والسنة وتراث الفقه وواقع المسلمين السياسي على مدى 14 قرناً.

وفي ظل هذه المنهجية ـ رغم وجود بعض الدخن في التطبيق ـ أقام المسلمون تلك الحضارة التي شهد بها الأعداء والأصدقاء. وحيث سادت نظرية الخروج على الظالم كما في اليمن من قبل، وعند بعض البلاد ـ وممن أخذ بهذه النظرية الخوارج ـ سادت الفوضى وإهدار الطاقات والدماء، ولم يخرج الناس من النفق المظلم، ولا أقام أصحاب هذه النظرية حضارة تذكر، وإذا نجح الخروج نادراً فقد يأتي بظالم مماثل أو بظالم أشد. والنصوص النبوية التي على أساسها كان إجماع أهل السنة والجماعة المذكور نصوص كثيرة تدل على أن الغالب على تاريخ الأمة بعد النبوة والخلافة الراشدة هو الملك العضوض والملك الجبري. ومن هذه النصوص: أن الخلافة ثلاثون عاماً، ومنها أنه يأتي بعدها المُلك المذكور، ومنها أن أول عرى الإسلام نقضاً الحكم، ومنها الأمر بالصبر على الأثرة. ومنها الأمر بالسمع وإن تأمَّر عبد، ومنها عدم المنابذة للأمراء ما أقاموا الصلاة، ومنها عدم منازعة الأمر أهله إلا عند الكفر البواح.. إلخ، مما يدل على أنها متواترة من حيث المعنى، فضلاً عن أنها صحيحة. وفي آخر المطاف تعود الخلافة، ولكن على منهاج النبوة، وليس على منهاج الديمقراطية. والراجح أن ذلك عند نزول عيسى وما قبله عند ظهور المهدي؛ لأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. فلو كان قبله خلافة سليمة لما كان قبله جور، مما يدل على أن ما قبله ملك عضوض وملك جبري، ولا مانع خلال الملك العضوض والجبري من تنفسيات وإصلاحات بالطريقة الإسلامية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس بالديمقراطية كما حصل بالنسبة لعمر بن عبدالعزيز ولصلاح الدين ولأورانك زيب ولمحمد الفاتح، والأمة في كل ذلك رغم الابتلاء فإنها تحقق منجزات تاريخية هائلة، ولا تقاس أحوال الأمة بالعقود وإنما بالقرون، والنصوص النبوية معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في تصديق الواقع لها، حيث قامت الدولة الأموية ثم العباسية ثم المماليك ثم العثمانية، وكل هذا ملك عضوض، تعض في كل مرحلة أسرة على الملك، ثم جاء دور الحكم العسكري أو الملك الجبري خلال المرحلة الأخيرة، فلو أن العاملين للإسلام أخذوا بالمنهج الأصيل وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصرفوا إمكاناتهم فيه ونزلوا بعلمائهم ودعاتهم وطلابهم ومدرسيهم وكوادرهم في حملة مثلاً ضد الربا لمدة شهر أو شهرين بدلاً من الحملة الانتخابية المثيرة للأحقاد والصراعات، ولو أنفقوا أموالاً في ولائم يدعون فيها المسئولين والوجهاء والتجار ويعظونهم، ولو نشروا الأشرطة والكتب والمطويات والصحف في ذلك، ثم أقاموا حملة لشهر أو شهرين بخصوص مواجهة الخمور، ثم حملة مثل ذلك لبيان أحوال المظلومين، ثم حملة ضد التبرج وهكذا... بحكمة وموعظة حسنة، مع طمأنة المسئولين في عدم هز كراسيهم، لكانت النتيجة أن يوجد في الحكام وفي بطاناتهم من يتجاوب، وسوف تقل المنكرات، وهذا ما سار عليه أسلاف الأمة من الصحابة الأعلام مثل سعد وابن عمر وابن عباس والحسن بن علي ثم من تبعهم بإحسان مثل الحسن البصري والأئمة الأربعة والظاهرية وابن تيمية وابن حجر والنووي والعز والشوكاني وابن الأمير وغيرهم من الأئمة الكبار الأعلام، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وبالله التوفيق.


 

 

 .................................................                                        

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©