بتاريخ 5/5/ 1426هـ الموفق 12/6/2005م


الانضباط في المواعيد، والالتزام بالترتيبات أمر له أهميته الكبرى في نجاح الأعمال وتحقيق الغايات، وتقبل الناس لذلك وانصياعهم له قضية لا جدال فيها، كما أن الشهادة للملتزمين بذلك واستحقاقهم للتقديم والحصول على النتائج محل تسليم عند الكافة، في حين يعتبر الواقعون في التقصير أهلاً للتوبيخ والتأخير.
ومن أمثلة المواعيد والترتيبات: مواعيد الامتحانات، والأوقات الدقيقة المحدد لانطلاق الطائرات والقطارات، ونحوها من وسائل المواصلات، ومواعيد التجارب والمناورات، والعمليات الجراحية والعمليات العسكرية، والعمليات التجارية والصفقات.. إلخ.
وكما أن أمور الدنيا لها مواعيدها وترتيباتها، فكذلك أمور العبادات والطاعات، فللصلوات أوقاتها، وللصيام شهر رمضان، وللحج موسمه، وللزكاة حَوَلان.
ثم هنالك المواقيت الدقيقة: فلا إفطار قبل غروب الشمس في الصيام، ولا طعام بعد بزوغ الفجر، ولا وقوف بعرفات إلا بعد الزوال، ولا خروج من عرفات إلا بعد الفجر، ومن أدى زكاة الفطر بعد صلاة العيد فقد أخرجها عن موعدها، ومن ذبح قبل صلاة عيد الأضحى؛ فأضحيته غير مقبولة، وهكذا.
وهنالك مواعيد تترتب عليها صحة أو بطلان، ومواعيد تترتب عليها أفضلية أو بشارة أو علو مكانه؛ ومن هذا الأخير ما ورد عند الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: { أن من صلى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى؛ كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق }.
وورد ذلك عند عبد الرزاق في مصنفه وغيره، والحديث صحيح.
إن هذا الحديث لا يركز على أول وقت الصلاة فحسب، ولا على صلاة الجماعة فقط، وإنما على إدراك التكبيرة الأولى، ولمدة أربعين يوماً.
إن المواظب على ذلك تتحقق له أعظم بشارتين، إنهما براءتان من النار ومن النفاق، ويا لهما من بشارتين! إن واحدة منهما أعظم بكثير وبما لا يقاس من أن يبشر شخص بنيل شهادة كبرى كالدكتوراه، أو يبشر بالفوز بصفقة كبرى تنقله إلى نادي المليارديرات، أو بشر يحلم به قادة سياسيون من الوصول إلى كرسي الحكم أو المنصب الأول.
إن كل واحدة من البشارتين الواردتين في الحديث -وهما متلازمتان- معناها سعادة الأبد، والملك الذي لا يزول، في حين أن سعادة الدنيا مرهونة بالعمر الذي قد يزول وينقضي بعد لحظات.
قليل من العقلاء في غمرة الحياة وصراعاتها وفلسفتها التي قد تلبس أحيانا ثوب الدين، قليل هم الذين يدركون ما في هذا الحديث العظيم؛ فيدفعهم ذلك إلى المثابرة والمواظبة لأدراك التكبيرة الأولى، ويا لها من صعوبة، ولكنها يسيرة على من أخذ بالأسباب، وتواضع لله، فيسر الله له ذلك، وقد ورد أن بعض السلف استطاع أن يواظب على ذلك، ليس أربعين يوماً، وإنما أربعين سنة؛ لأن الانضباط والانتظام إذا صار للإنسان خلقاً وعادة، وامتن الله عليه بالثبات؛ فأنه يأتي بالعجائب، ولا يتغير وإن تغيرت الظروف، ويكون أهلاً لسعادة الدارين.

 

 .................................................                                   

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©