في جريمة الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم

مقاطعة المبادئ تسبق مقاطعة البضائع

 
                                       بتاريخ 1426/16/1 الموافق 2005/15/2  

 

لقد هب العالم الإسلامي من أقصاه، إلى أقصاه، بل والأقليات المسلمة في ديار الكفر للانتصار لإمام الأنبياء وخاتمهم وسيد ولد آدم، الرحمة المهداة، السراج المنير، الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود وصاحب الحوض والكوثر، صلى الله عليه وسلم، وذلك بالرغم من تمزق المسلمين إلى دويلات وإلى أحزاب وإلى جماعات، وأرغموا بذلك أتباع الصليب على التراجع، ووقع عكس ما توقعوه ولعلهم ندموا على ما فعلوه، فكيف لو كان المسلمون كياناً واحداً، وجسداً متماسكاً برأس واحد هو الخليفة الذي وجوده فرض على المسلمين أجمعين بمن فيهم طلائعهم من الجماعات الإسلامية، وهم آثمون ما لم يجدُّوا في إعادة هذه الخلافة في أقرب فرصة بالتنازل عن زعاماتهم لصالحها.

لقد سجل آخر خليفة غيور، رغم أنه كان على رأس الرجل المريض (الخلافة العثمانية) وهو السلطان عبدالحميد رحمه الله موقفاً يذكره له التاريخ عندما لبس ملابس الحرب وهدّد رئيس فرنسا عندما عرضت إحدى المسارح الفرنسية مسرحية فيها إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم فما كان من الرئيس الفرنسي إلا أن اعتذر فوراً ومنع المسرحية.

واليوم يتنادى المسلمون بالمقاطعة للبضائع؟ لأن ذلك هو ما بيد الشعوب، وأما الحكام فلم يفعلوا شيئاً كثيراً يتناسب مع الحدث. وأمام هذه المقاطعة التي يتحمس لها الناس في كل مكان جزاهم الله خيراً ، تكون المناسبة مواتية لتذكيرهم بمقاطعة أهمّ وأولى وهي ضرورية في كل الأحوال، ألا وهي مقاطعة العقائد والأفكار، إضافة إلى المقاطعة التجارية.

إن الفكر الديمقراطي على سبيل المثال، وهو فكر مستورد حتى عند النصارى لأنهم استوردوه من اليونان في عصر وثنيتها، إن هذا الفكر أصبح له رواج في ديار المسلمين، وكثير من المسلمين يتبناه بحجة محاربة الاستبداد، مع أن ديننا غني بالقيم والمبادئ التي تمنع الاستبداد والتسلط وفي مقدمة ذلك مبدأ الشورى. وديننا يجعلنا أغنياء كذلك مكتفين به في تنظيم كل شئون حياتنا، ومعلوم أن الغني المكتفي اكتفاء ذاتياً لا يستورد في عالم المواد فأولى ألاّ يستورد في عالم القيم والمبادئ (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)، بل نحن مأمورون في ديننا بتصدير ما عندنا من النور والهدى ونشره في العالمين؛ لأن ديننا جاء به نبينا رحمة للعالمين ونحن ممنوعون في ديننا من الاستيراد من غيرنا المبادئ لاسيما اليهود والنصارى والابتعاد عن حجر الضب، وكم حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفتهم، وفي كل ركعة نكرر الدعاء بتجنيبنا صراط المغضوب عليهم وهم اليهود، والضالين وهم النصارى، وقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح عندما وجد مع عمر شيئاً من التوراة، وهي كتاب إلهي في الأصل، وقال له: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) وقال سبحانه: (وإذْ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا).

ومنع الله المسلمين من تقليد اليهود في لفظة (راعنا) فقال سبحانه: (لا تقولوا راعاً وقولوا انظرنا) فكيف يستجيز المسلمون بعد ذلك الاستيراد لمثل مبدأ الديمقراطية على ما فيه من مساواة لغير المتساوين من العلماء والجهال والرجال والنساء والصالحين والطالحين، وما فيه من تحكيم للأغلبية ولو كانت على غير الحق، وسماح بحرية التعبير، حتى لو كانت إساءة لنبينا وديننا، وهو المبدأ الذي يحتج به الغربيون في سكوتهم عن الإساءة لنبينا بل يحتج به من أعادوا نشر الإساءة حتى في ديار المسلمين، فهل آن الأوان لمقاطعة هذه المبادئ وتنبيه الناس إلى ضرورة ذلك مع ما نحن فيه من مقاطعة البضائع؟ نأمل ذلك.


 

 

 .................................................                                         

        Designed  by "ALQUPATY"

 جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ محمد الصادق مغلس المراني ©